لقد بات واضحاً أن قمة الاتحاد الأوروبي التي انعقدت نهاية الأسبوع المنصرم كانت علي قدر كبير من الأهمية علي نحو لم يكن يتوقعه المراقبون. حيث تمت مناقشة الخلاف بشأن ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيواصل الدفاع عن بعديه ''الاجتماعي'' و''الأوروبي'' أو أنه سيعمل علي أن يكون سوقا حرة ويميل أكثر نحو التحالف الأطلسي، وهو خلاف يهم كثيراً الولاياتالمتحدة. إلا أن جميع المؤشرات تدل علي أن الكفة قد ترجح لصالح التوجه الأول، والفضل في ذلك إنما يعود بشكل كبير إلي رئيس الوزراء البريطاني توني بلير. لقد أظهرت القمة الأوروبية الأخيرة أن أنجيلا ميركل هي نجمة الاتحاد الأوروبي الجديدة، فمهاراتها الدبلوماسية وحذقها السياسي ساعداها علي إيجاد مخرج من الطريق المسدود الذي واجه القمة، والذي استمر لعدة ساعات. ولكن الحظ أيضا هو إلي جانب ميركل، حيث توقع معهد الأبحاث الاقتصادية أن يسجل الاقتصاد الألماني نموا يتراوح ما بين 1,2 و1,7% سنة ،2006 يقابله انخفاض محتمل في البطالة، علي غرار ما وقع في فرنسا، كما أن الكثير من الناخبين الألمان معجبون بها حيث تسجل شعبيتها ارتفاعاً مطردا. وفضلا عن ذلك، فقد خرجت ميركل من بروكسل مرفوعة الرأس، حيث نالت احترام الحكومات الأوروبية الأخري، بما فيها بولندا ودول أوروبية أخري انضمت حديثا إلي الاتحاد لم تكن تثق في ألمانيا فيما قبل. كثيرا ما يميل الناس -وخصوصا غير الأوروبيين- إلي التقليل من شأن قوة الأواصر التي تجمع بين دول الاتحاد الأوروبي والتي كانت وراء تأسيسه وتوفير أسباب استمراره إلي اليوم، حتي عندما يواجه أصعب الأزمات. فقصة الاتحاد الأوروبي تعود إلي ما بعد الحرب العالمية الثانية التي خرجت منها فرنسا مذلة وألمانيا مهزومة وإيطاليا مقسمة، وقررت إلي جانب دول البينيلوكس الثلاث إقامة أنظمة تعاون اقتصادي فيما بينها، تطورت إلي الاتحاد الأوروبي. الآن وعند محاولة تحليل قضية بلير، يبدو للوهلة الأولي أنها هزيمة جناها هذا الرجل علي نفسه، غير أن الواقع غير ذلك. فبريطانيا لم تدخل يوماً الاتحاد الأوروبي بالكامل، كما أن الناخبين البريطانيين ما زالوا علي حيرة من أمرهم ومترددين بشأن التقدم أكثر نحو تكريس التعاون الأوروبي. لقد كان بلير يعرف أنه لا يستطيع تقديم المزيد من التنازلات في بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي، ثم إنه كان قد جدد في جميع الأحوال التزام حكومته التعاون مع الولاياتالمتحدة. ولكن سبق تقديمه هذه الوعود يظل لغزاً محيراً. ميركل، المدافعة عن فكرة ''أوروبا الاجتماعية''، لديها رغبة في إطلاق الحوار من جديد حول مشروع الدستور الأوروبي الموحد، وإعطاء الوثيقة بعداً اجتماعياً جديداً وحذف بعض مقترحاتها المتشددة بخصوص الدعوة إلي السوق الحرة، والتي أثارت امتعاضا كبيراً ليس في فرنساوألمانيا فحسب، وإنما أيضا في السويد وأيرلندا. ذلك أن الاتحاد الأوروبي منذ بدايته قام علي أساس البعد الاجتماعي المستوحي من الأصول المسيحية والديمقراطية في معارضة النخبة السياسية والثقافية الأوروبية للأنظمة الشمولية. ويبدو أن ابنة القس القادمة من ألمانياالشرقية سابقا تعي ذلك جيداً. عندما تتولي ألمانيا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في يناير ،2007 فإن توني بلير وسيلفيو برلسكوني وجاك شيراك سيكونون جميعا علي مشارف المغادرة، إنْ لم يكونوا قد غادروا بالفعل، فيما ستكون أنجيلا ميركل قد بدأت للتو عامها الثاني في منصب مستشارة ألمانيا. "تريبيون ميديا سيرفيس"