رغم أن أزمة الأسعار في كل دول العالم لها وجه واحد والمتمثل في ارتفاع القيمة الشرائية للسلعة أو الخدمة إلا أن بعضاً من أسبابها قد تختلف من بلد إلي آخر.. وإن كان معامل الارتباط يجمعها في الخلل بين الأسعار والأجور .الدخل. والفجوة الكبيرة بين الإنتاج والاستهلاك. إذن فالشكوي عالمية يصرخ منها الكل في كل الدول وإن اختلفت حدتها في البعض منها ولعلنا نتذكر عنفوان أزمة الأسعار في عام 2008 والتي ضربت كل بقاع المعمورة وأربكت حسابات وموازنات الدول الكبري قبل الصغري. وإن كانت مصر حالة متشابهة مع معظم دول العالم في الكثير من أوجه أزمة الأسعار إلا أن السوق المصري له خصوصيته ونظامه الغريب الذي يميزه عن باقي الأسواق العالمية. نحن نعلم باعتبارنا في منظومة الاقتصاد الحر أن قوي العرض والطلب هي التي تحدد وتتحكم في معدلات الأسعار فلو زاد الطلب علي العرض ارتفع السعر. إلا أن هذه القاعدة أو النظرية لا تطبق في أسواقنا بشكل كامل وسليم، فمعدلات الأسعار ومؤشراتها تتجه للارتفاع دائماً ولا تنخفض أو تتراجع فهناك أكثر من سبب وراء هذه الظاهرة أو السمة التي نتفرد بها. علينا الاعتراف بأن هناك تلاعبًا واحتكارات في السوق يتحكم فيها كبار التجار والمستوردون عبر عمليات .تعطيش السوق. التي يمارسها هؤلاء بقدرة فائقة يقودهم في ذلك خبرة واسعة تحت عباءة أن معظم غذائنا يأتي من الخارج، حيث تصل نسبة ذلك إلي ما يقرب من 65% من استهلاكنا. فهناك سلع يتحكم فيها عدد لا يتجاوز أصابع اليدين، ولم يعد سراً أن التجار الذين يحتكرون استيراد .اللحمة. يتراوح عددهم بين 6 و7 مستوردين وهكذا دواليك في السكر والزيت وغيرهما. هذا السيناريو ينطبق أيضاً علي مواد الحديد والأسمنت. هناك أيضاً سبب أراه مهما في ارتفاع الأسعار والمتمثل فيما تنشره الصحف عند تغطية هذا المجال.. بعض الصحف تبالغ في نسب الارتفاع معتمدة علي مصادر غير موثقة أو اجتهادات أساتذة وخبراء.. الأمر الذي يؤدي إلي ارتفاع عشوائي في الأسعار وتصبح كالعدوي عبر شائعات يرددها البعض وتصبح واقعاً لدي التجار. وهذه المسألة أو القضية تتطلب مواجهتها أو معالجتها بالعمل علي محورين.. الأول أن توحد الحكومة جهة إصدار الاحصائيات الخاصة بأسعار السلع.. فهناك العديد منها: .الغرف التجارية - مركز معلومات مجلس الوزراء - جهاز التعبئة والإحصاء - مراكز الأبحاث الأكاديمية وغيرها.. أما المحور الثاني فخاص بالصحف، فلابد أن يكون هناك التزام بالنشر بالجهة المنوطة فقط بالإعلان عن احصائيات السلع وعندما تتم مناقشة قضايا الأسعار علي صفحات الصحف لا تذكر إلا أرقام الجهة المختصة. إلا أن هناك وجهًا مهمًا للغاية في أزمة الأسعار في مصر يجعلها مختلفة عن الكثير من الدول يتمثل في حماية الطبقات ذات الدخل المحدود والأكثر احتياجاً والمتمثل في دعم أسعار السلع الأساسية.. حيث يحصل المواطن علي سلع مثل السكر والزيت والأرز والشاي بأسعار مخفضة عن السوق. الاحصائيات الرسمية تشير إلي أن هناك حوالي 63 مليون مواطن يستفيدون من هذا الدعم عبر البطاقات التموينية وأن التكلفة تصل إلي 100 مليار جنيه وهذا بلا شك اجراء مهم وذو فاعلية في حماية الموظفين من غلاء الأسعار. إن هذا هو سر صمام الأمان الذي يجعل مصر ليست مثل الدول الأخري التي خرجت فيها مظاهرات الاحتجاج علي زيادة الأسعار. ومن هنا أنا مع الذين يرفضون رفضا مطلقاً الدعاوي الخاصة بإلغاء الدعم فلابد من استمراره كما أنني لست مع الذين يطالبون بتحويله إلي .نقدي... إن طبيعة السوق في مصر كما أوضحت سوف تبتلع زيادة الأجور الناتجة عن هذا .الدعم النقدي. ومن ثم تتأزم الأمور وندخل نادي مظاهرات الغذاء لا قدر الله.