أيها العاجز: أنت تبكي لأنك تري نفسك تذوب في قبضة الحياة كقطعة الجليد بعد أن كنت صلباً جامداً، ولكن كان يجب أن تبكي علي موتك لا ضعفك، فأنت ميت الفكرة النظيفة، وإنما سعادتك علي حسب فكرتك. وأنت أيها المريض: أما زلت تبكي علي قيد جسدك?! عجباً لك: إنك سجين الروح منذ أمد بعيد وإنما العبرة بروحك الذكية وأفكارك الطاهرة. أما أنت يا من تملأ الأرض صراخاً دون علل أو عجز ماذا أقول لك? أتبكي علي دراهم وأقوات مع أن قوت القلوب يعلو فوق أقوات البطون. إن البطن وعاء الطعام الأرضي التافه، أما القلب فوعاء طعام السماء المبارك. آه يبدو أن الناس اليوم صاروا جهلة يقتاتون من الجيف ظناً منهم أنها لحوم البقر والأغنام، أو صاروا عمياناً يمشون في الطريق المظلم ظناً أنه فيه ضوء الشمس. لقد أراد الناس أن يعيشوا بمحض إرادتهم في مشكلاتهم فرفضوا الحياة ومرضوا وتقاعسوا عن العمل والعبادة مع أنه كان ممكناً أن يسعدوا رغم صعوبات الحياة بالفكرة الحسنة أنه كان ممكناً أن يسعدوا رغم صعوبات الحياة بالفكرة الحسنة. فالفكرة الحسنة تبني والفكرة الحسنة تشعل شمعتنا، كما أن الفكرة السيئة تطفؤها. وكم من رجل تدهور لحزنه وأفكاره الرديئة ووهنت عزيمته ووهن جسده وتغير لونه، فلما زال فكره المريض الحزين زال عنه كل ذلك، لذا قال الله تعالي (ولا تهنوا ولا تحزنوا). وقال لموسي عليه السلام: (ولا تخف)، وقال صلي الله عليه وسلم لمن سأله أن يوصيه: (لا تغضب )، وكان النبي صلي الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن). إن السعادة والنجاة في الدارين والحياة المطمئنة كل ذلك لا يأتي من المال أو الجاه وإنما من التفكير الحسن الإيجابي تجاه الحياة. فأبصر بعين المرض العراء الطريق القويم، وأسمع بأذن الله الفقر الصماء صوت الحق، وأشرب من سريرة العجز العكرة العسل الصافي الحلو، ولا تستسلم فكثير من العميان صاروا مفكرين وعلماء وأساتذة بالجامعة، وأغلب الوعاظ العظماء كانوا فقراء، بل منهم من كان لا يملك سوي ثوب واحد مرقع، فليس العمي بعائق حقيقي، ولا الفقر بعائق حقيقي، ولا المرض بعائق حقيقي، إن العائق الحق فينا نحن وفي تفكيرنا السلبي تجاه المشكلات. إن الكون كله قد قام علي الأفكار العلوية، فالله قد أمر الملائكة بتدبير كل ذرة في الكون وقد قامت بذلك حباً لله، وقامت به راضية مطمئنة، فرجع قيام الكون كله إلي حب الملائكة ورضاها، أي رجع إلي الأفكار العلوية. ولأن الإنسان جزء من الكون يصلح حاله بما يصلح به الكون، ويفسد حاله بما يفسد به الكون، كان صلاح الإنسان في أن يعيش بالفكر العلوي البناء. فعش بالفكرة العليا وأبصر النور الذي في كل مشكلة، مرّ عيسي عليه السلام مع حواريه علي كلب قد نفق وقد تغيرت ريحه، فقال أصحابه: ما أشد نتن ريحه، فقال عيسي عليه السلام: وما أشد بياض أسنانه! فلقد أبصر محاسن الجيفة، ولم يبصر عيوبها، ليعلمك أن تبصر محاسن شقتك ولا تبصر عيوبها، وأن تبصر محاسن زوجتك ولا تبصر عيوبها، وأن تبصر محاسن وظيفتك ولا تبصر عيوبها. لماذا تفكر دوماً في الجانب السيئ من الأمور فتحزن وتكتئب وتنهار?! بل لماذا تفكر في أمور تافهة كالضوضاء أو القمامة التي حول منزلك من الجيران وتعطيها حجماً أكبر من حجمها فتفقد أعصابك وتستشعر بالنقمة علي كل ما حولك. يقول (كارين بليكس): (كثير من الأشياء التي تقلق بشأنها ليس لها أهمية تذكر). وحتي المشاكل الضخمة من قال إن التألم بها شيء سيئ، أذكر مناقشة تمت بيني وبين أحد أساتذتي بالجامعة حول مرض الجذام، إذ قال إنه مرض خطير إذ إنه لا يشعر الفرد بأي إحساس في أطرافه. فقلت: ما أجمل هذا المرض الذي لا يشعر فيه الفرد بأي آلام! فقال لي: كيف تقول هذا? إن الأمر خطير جداً، هل عدم شعورك بالألم أمر يسعد?! قلت: نعم. قال: إن الصورة غير واضحة لك، إنك بهذا المرض الذي يفقد أطرافك الشعور بالألم من الممكن أن تكون يدك علي النار وأنت لا تدري وبعد فترة تنظر إلي يدك فتجدها قد احترقت فتخسر أحد أطرافك بهذا المرض الذي تزعم أنه ممتع إذ لا ألم فيه. إن الألم هو الذي يجعلنا نتحرك في طريق الأشياء التي لا تؤلمنا فنكسب كثيراً، كما أنه يعلمنا الصبر ويجلعنا نستفيد من مواقفنا الفاشلة، فالألم في ظاهره قاس لكن الفكر الإيجابي يجعل منه شيئاً عظيماً. فاستمتع رغم الفقر والعجز بنسمة الصبح وإكليل الندي ومطر السماء وتغريد الطير وكوكب الليل وامنع قطرات ماء فقرك وعجزك أن تجتمع وتصير سيلاً يمضي آخذاً معه أنوار حياتك.