صوت التلاميذ والتلميذات يجلجل في فناء المدرسة وهم يرددون تحية العلم (تحيا جمهورية مصر العربية) بعد ان عزفت فرقة موسيقي المدرسة السلام الوطني، شحنة هائلة من الانتماء والوطنية تنطلق من الحناجر الصغيرة مدوية تهز اجسادهم النحيلة وتزيد عيونهم الثاقبة بريقا ولمعانا، وتفتح امامهم الطريق الي المستقبل الجميل وتحرك فيهم الطاقات الكامنة المليئة بالحب والحلم والأمل. البرد يلفح الوجوه البريئة الشاحبة، وصقيع مقدم الشتاء يلسع ويحمر الشفاه المغلقة والآذان المفتوحة، كيف لا..? والمتحدث هو حضرة الاستاذ المعلم والمربي الكبير مدير المدرسة رجل عظيم من الرعيل الذي اوشك علي الانقراض، واثق في نفسه، قوي بعلمه، هامته عالية وهيبته مصونة، وبعد مقدمة واثقة رصينة من اقدم واعظم معلمي اللغة العربية بالمدرسة اذا بالرجل المعلم النموذج والمدير المحترم صاحب الصوت الاجش واللسان العربي المبين يمزق ستائر السكون والصمت ويتقدم الي الميكروفون موجها كلماته الي ابنائه الطلبة والطالبات والمعلمين والمعلمات فيقول: - اهلا ومرحبا بعودتكم الحميدة الي بيتكم الثاني.. مدرستكم الغالية، بالامس انتهت انتخابات مجلس الشعب 2010 بحلوها ومرها علي خير ونحمد الله ان خسارتنا المادية هذه المرة اقل من ذي قبل ولسوف نقوم جميعا وبمساعدتكم وبالتعاون مع مجلس الامناء بإعادتها الي سابق عهدها جميلة ونظيفة في محاولة لإصلاح ما افسدته لجان الانتخابات وقوات الامن المركزي من مقاعد واثاث مدرسي ودورات مياه محطمة.. حتي نلحق بالسباق الطويل والشاق للحصول علي الاعتماد التربوي والجودة بعد ان حصلنا علي الامتياز المدرسي العام قبل الماضي. الطريق يا ابنائي صعب وعسير والهدف هو اصلاح التعليم الذي به يتم اصلاح كل احوال مصر، حتي الاصلاح السياسي يبدأ من هنا من المدرسة، فأنتم هنا تتلقون العلم الذي بدونه لن نلحق بركب الحضارة الحديثة وتتعلمون اصول التربية والاخلاق والسلوك القويم.. الجناح الثاني للتعليم بل وتعايشون اول درس للوطنية والانتماء في وسط تملؤه رياح الحرية التي هي الشرط الرئيسي لأي تعليم حقيقي. لن احدثكم عن العملية الانتخابية فلقد شاهدتم وسمعتم وقرأتم عن التسويد والتزوير والعنف وسيطرة السلطة والمال ورجال الاعمال وارتداء عباءة الدين فيما لا ينفع. لن احدثكم عن ضعف المشاركة الشعبية ولا عن صوت الاغلبية الصامتة التي آثرت الامتناع عن الترشيح والتصويت وتأكد لها ان صوتها اثمن من ان تعطيه لمن لايستحق. لن احدثكم عن حزب الحكومة الذي يعتبر الأمس عرسا للديمقراطية وخطوة نحو الارتقاء بالأسلوب الديمقراطي في المشاركة السياسية ولا عن احزاب المعارضة الغائبة الواهنة والتي افاقت بعد فوات الاوان واجمعت علي ان المشهد كان مأتما ودعت فيه مصر المرحومة الديمقراطية. ان ما حدث يا ابنائي كان مضيعة للوقت والجهد والمال ونحن احوج ما يكون لتوفير الثلاثة، فأرجوكم واتوسل اليكم ان تنسوا هذا المشهد تماما وان تمحوه من الذاكرة وترموه في سلة النسيان. وتذكروا شيئا واحدا فقط هو انتم فأنتم امل هذه الامة ومستقبلها الواعد وانتم الاكثر تحمسا وثورة ومثالية ونقاء والأدري بقضايا الطلاب منا وانتم الجيل الاذكي والاعلم، جيل يتعامل مع الاجهزة العصرية العلمية ويحاكي الانترنت مثل المجتمعات الحديثة التي تعتمد علي المشاركة العملية الفعالة لجميع المواطنين وتفعل دورهم في المجتمع وتعلمهم واجباتهم وحقوقهم من اجل التغيير الي الافضل فالذين ينتخبون مرشحهم بالرموز المضحكة ولا يعرفون الفرق بين الثعبان والحنش او بين العامل والفلاح واللواء اركان حرب. لا مكان لهم تحت الشمس. معذرة يا ابنائي اذا كنا قد قصرنا في اداء واجبنا نحوكم، رغم اننا نحبكم، فنحن لم نوفر لكم المكان المناسب لتلقي العلم والمعلم المؤهل المخلص لتلقينكم العلوم والتربية الصحيحة، فإمكانياتنا عاجزة عن تلبية رغباتكم وطموحاتكم.. لقد ضحينا وأولياء اموركم بحاضرنا من اجل مستقبلكم ونرجو الا نخسر الاثنين. تمسكوا بحلمكم واعملوا من اللحظة فليس لديكم الوقت لتضيعوه عيشوا حياتكم داخل اسوار المدرسة بكل حرية وحب ولايمس احدكم حرية الاخر فهنا معقل الحرية والمساواة تخيروا من ترون فيه القدوة والمثل في العلم والادب والخلق القويم، لا مكان للعنف في مدرستنا فالعدل هو اساس تعاملنا ومن مبادئنا التسامح وقبول الاخر سوف ندير مدرستنا كما نحب وكما يجب فاللامركزية وضعت كل الخيوط بأيدينا وايديكم. احلموا بمعامل حاسب آلي حديثة ومعامل للغة العربية والاجنبية والعلوم والاحياء والكيمياء والفيزياء ومكتبات حديثة وصالات للالعاب تفرغون فيها طاقتكم واماكن وخامات للأنشطة وسوف نقيم لكم مسابقات عملية ونبين المهارات الفردية والابتكارات العلمية ونشرككم في برامج خدمة المجتمع والبيئة. ولتعلموا يا ابنائي ان مصر سوف تبقي اكبر واعظم من كل هذه التجاوزات والمتجاوزين انفسهم بل واكبر منا جميعا ولسوف نخرج ان شاء الله مما نحن فيه الي الافضل بعقولكم وقلوبكم وتذكروا ان ما يحدث عندنا اليوم يعود ويظهر مرة اخري في البلاد العربية بعد عشرين عاما علي الاقل فمصر سباقة دائما تحمل راية التنوير في المنطقة كلها. واذا كان الكبار قد فشلوا او أساءوا اختيار نوابهم في البرلمان الكبير، فدعوكم منهم ولتبدأ حملتكم الانتخابية للبرلمان الصغير بشكل علمي ومنظم وليعرض كل مرشح برنامجه وخطته التي سوف يلتزم بها امام زملائه حتي تتحقق المشاركة الكاملة في وضع خطة للنهوض بمدرستنا ومتابعة تنفيذها ومراقبتها وتذليل الصعوبات التي تعوض العملية التلعيمية بمفهومها الشامل كحجر الزاوية للتنمية الشاملة ليكون مخرج التعليم جيدا ومفيدا للمجتمع وتريثوا وتمهلوا في اعطاء صوتكم لمن يستحق. املأوا صدوركم الطاهرة بالهواء النقي واذهبوا الي فصولكم تحفظكم عناية الله، فالدرس الاول علي جميع المستويات وفي كل الفصول هو (درس في الديمقراطية). www.mahmoudhammam.blogspot.com