إن الإنسان بطبيعته ومنذ زمن الفراعنة يخشي المجهول ويرتاح للمألوف ويشك في المستقبل.. ولهذا السبب ما يزال يسأل الجن ويضرب الرمل وينظر للنجوم ويقرأ الكف.. لذلك اخترع الصينيون ما يمكن أن نسميه أكثر وسائل التنجيم مصداقية واحتراماً، فالتنجيم الصيني.. يعتمد علي فكرة وجود دورات متنوعة تنظم حياة الكون والخلائق. فكما أن التاريخ يعيد نفسه، تعيد الأقدار والحظوظ نفسها بطريقة يمكن التنبؤ بها، حيث يمكن استنتاج حالة الإنسان الجسدية والنفسية من خلال دورات داخلية تمت ملاحظتها علي مدي قرون.. وكل ما يتطلبه الأمر هو معرفة تاريخ الولادة حتي يمكن تتبع الدورة المطلوبة! ولقد تنبه لهذه الظاهرة لأول مرة طبيب ألماني وخرج بنظرية تفيد بوجود دورات حياتية يمر بها كل إنسان، فمن المعروف أن هناك دورة رحمية تمر بها المرأة كل 28 يوماً.. لكن الطبيب الألماني اكتشف أن هناك دورة فسيولوجية يمر بها كلا الجنسين تتكرر كل 23 يوما، ودورة عقلية تتكرر كل 33 يوما، ودورة انفعالية تتكرر كل 28 يوما، ودورة شعورية تتكرر كل 26 يوما. وإذا اعتبرنا هذه الدورات رسوما بيانية سنجدها ترتفع إلي أعلي قيمة في أيام معينة ثم تنخفض إلي أقل قيمة في أيام أخري. فحين تبلغ الدورة الانفعالية مثلاً قمتها تغلب علينا .النرفزة. وسرعة الغضب، وحين تنخفض نسبتها يغلب عليها التسامح وطول البال. ورغم أن هذه الدورات تمر وتتقاطع بمواعيد مختلفة إلا أنه يكفي لتتبعها معرفة تاريخ ميلاد الشخص.. وحالياً يمكن إظهار إيقاعات وتقاطعات هذه الدورات بواسطة آلة إلكترونية تشبه الآلة الحاسبة وتسمي .كوزمس.. وقد شهدت نظرية الطبيب الألماني تطورات عدة لدرجة الاعتقاد أن حالة الإنسان لا تتأثر فقط بارتفاع أو انخفاض كل دورة، بل وأيضاً بتوافق أو تعارض هذه الدورات مجتمعة، فمشاعر الكآبة والخمول والإحباط تبلغ ذورتها حين تنخفض الرسوم البيانية للدورات النفسية، في حين نشعر بالتفاؤل والنشاط والغبطة حين ترتفع لدينا دورتان أو أكثر.. وللتأكد من هذه العلاقة فقد تم عمل تجربة في جامعة داكوتا .بالولايات المتحدةالأمريكية. علي ملفات المتوفين من مرضي القلب، ولوحظ أن أكثر من نصفهم توفي أثناء التقاطعات الحرجة لدوراتهم البيولوجية، ثم تمت مراجعة سجلات المنتحرين ولوحظ أن معظمهم توفي أثناء انخفاض دوراتهم النفسية. ورغم علمنا جميعاً أن مشاكل الحياة وظروف العمل تلعب دوراً كبيراً وواضحاً في حياتنا، إلا أن الدورات الداخلية هي التي تحدد موقفنا وطريقة تعاملنا مع المؤثرات الخارجية. ولاشك أنك أنت نفسك أيها القارئ الكريم قد مرت عليك أوقات مثل هذه، حيث تكون في قمة نشاطك وتألقك الذهني في بعض الأيام، وفي أيام أخري تكون محبطاً متخاذلاً رغم تشابه المواقف. ما يهمنا هنا أن تكون دائماً مستعداً ومنتبهاً للتأثير الخفي لتلك الدورات.. وأتمني من العلم الحديث أن يجد وسائل علمية تجعل الرسوم البيانية لهذه الدورات في حالة ارتفاع دائم، لتنعكس بدورها علي مواقف الانسان وسلوكياته التي بدأت تتآكلها السلبية.