ما اكثر الشبه بين سرقة لوحة الخشخاش بسبب الاهمال وتوجيه طالبان مدافعها نحو جزء مهم من التراث الانساني. يشعر المصريون المخلصون هذه الايام بمرارة وحزن بل وعار شديد امام السطو المخزي علي متحف محمود خليل ليترك لنا السارق اطارا خاويا الا من اهمالنا وانشغالنا بتوافه الامور في كل مناحي حياتنا. ولا اعرف هل توافقون الرأي لقد اعادتني سرقة اللوحة النادرة الي الفترة المؤلمة التي قامت فيها حكومة افغانستان بتدمير التراث وتفجير الحضارة فمحوا التاريخ علي مرأي ومسمع من العالم المتحضر والذي اسف بشدة بل اشفق علي جهلاء يسيرون عكس الاتجاه وقد اصيبوا بالعمي وشعب بلا ماض بلا حاضر او مستقبل. تذكرت هذا التصرف الاحمق لكن الفارق بيننا وبينهم انهم دمروا التراث بأيديهم ونحن بإهمالنا فنتساوي معهم في عدم التقدير الذي يجب ان تحظي به اثارنا ولوحاتنا.. سرقت زهرة الخشخاش وسط محاولات اصابتنا بالضيق والاستفزاز لان كل مسئول يبذل قصاري جهده الان في التنصل من المسئولية التي كان يجب ان يقوم بها خير قيام بل ويسعي جاهدا ليبرئ ساحته امام التاريخ والرأي العام ويلقي باللائمة علي غيره. انها السلبية والخلل الذي اصاب ثقافتنا وعندما تم الاعلان عن العثور علي اللوحة في بداية الازمة تنفسنا الصعداء وحمدنا الله الذي نجانا من فضيحة مدوية سوف تحرمنا من عمل قيم لايقدر بثمن، لكن سرعان ما خاب رجاؤنا لنكتشف اننا كنا واهمين لان الاستهتار والاهمال هما ما اضاعا اللوحة بهذه الطريقة السهلة كما ضاعت آمالنا في مصر جديدة يفترض ان تنطلق بخطي سريعة وجادة لتواكب هذا الصراع علي التقدم بالعلم. من منا لم يحترق حزنا وخوفا عندما تستباح آثارنا وتهرب لتباع ذاكرة مصر الحية علي يد حفنة من عديمي الضمير والدين مقابل بضعة دولارات. لصوص تتفنن في قتل المعاني لاتفهم القيمة الحضارية لتلك الكنوز لصوص مات بداخلهم معني الوطن ومع كل اسف هناك البعض الذي يري ان تلك الاحجار او اللوحات ليست الا ضربا من الزخارف لاتضيف شيئا للتراث الانساني ولاترقي بحياة البشر بل علي العكس يرون ان اقتناءها هو ضد الدين فمن وجهة نظرهم انها اصنام تعود بنا الي عصر الاوثان. في الحقيقة هم لايقدرون قيمة الابداع الذي يساهم في الاحساس بقيمة الحياة وكل معني للجمال الذي يسمو بالروح. نحن لا نلوم البسطاء من الناس الذين لايولون اهتماما بثلث آثار مصر والموجودة علي ارضهم فيفخرون لك لان شظف العيش والفقر مع الظلام الدامس الذي يحيط بهم لايدع لديهم اية مساحة للتفكير والتأمل أو البحث عن المقتنيات النادرة بزيارة لمتاحف كل ما يشغلهم هو اشباع الافواه الجائعة وشراء الشموع التي تضيء بقايا احلامهم وبعض من الستر ولاشيء غير الستر. نحن نلوم المثقفين بشدة فالغيوم التي تظلل حياتنا الثقافية كثرت وتعاظمت ومع كل كارثة يخرج علينا المسئولون بإصدار مجموعة من الاجراءات الشكلية من شروط ومواصفات لكنها محاولات عقيمة تعوق العمل الثقافي كل ذلك دون رادع حقيقي لمن يثبت اهماله. ان متاحفنا بكل ما تحويه من كنوز نادرة يجب ان ترقي في مكانتها لدور العبادة نحترمها ونقدسها كما في الخارج. واري ان هناك دورا هاما يقع علي عاتق التربية والتعليم يجب علي كل طالب منذ نعومة أظفاره ان يعرف آثار بلده الموجودة في الداخل والخارج ايضا واماكن تواجدها مثل متاحف انجلتراوالمانيا وغيرها. ليظل مرتبطا ارتباطا وثيقا بها كجزء من كيانه لنزرع فيه الانتماء والحرص علي المقتنيات المصرية كملكية عامة علينا المحافظة عليها فلا يكفينا ان نفاخر بما صنع الاجداد بالاغاني بل نستميت في الحفاظ علي التراث العظيم الذي تحسدنا عليه دول العالم. تراثنا يجب عدم المساس به بل يحاسب كل من يثبت تورطه ليكون عبرة والا سيأتي اليوم الذي يستنفد فيه التراث المصري. لماذا ننتظر الكوارث لنصحح الاخطاء. ولايفوتني ان اقول انني عرفت اجابة السؤال لماذا ترفض المانيا اعادة رأس الملكة نفرتيتي الي موطنها الاصلي مصر حجتها في ذلك ان نقل التمثال سيعرضه للضرر ومن الافضل الابقاء عليه لديها والحقيقة انهم يعلمون اننا لانستطيع ان نحافظ علي الملكة وكم كنت اشعر بالضيق لانهم يتعاملون معنا في هذا الشأن كقصر لم نصل الي مرحلة النضج ليظلوا قيمين علي ممتلكاتنا النادرة اري انهم علي صواب علي الأقل سنضمن مراقبة جادة وعيناً ساهرة علي مدار الساعة تتابع الزائرين ربما يحمل احدهم بين طياته سكيناً او اكثر في وضح النهار وتسول له نفسه العبث بأي اثر لايمكن تعويضه. املي في الله ان تعود اللوحة الي البرواز الخالي وينتهي هذا الكابوس الجاثم فوق الصدور وان نقف علي اخطائنا واولها الاعتراف بها وان تكون آخر الكوارث.