حجم الهوة بين إجراءات التأمين التي تطبق في أي بنك مهما كان صغيراً، والشيء المضحك الهزيل الذي كان يحمي متحف محمد محمود خليل وحرمه يفسر لنا لماذا كانت جريمة سرقة لوحة «زهرة الخشخاش» يوم السبت الماضي كارثة من المحتم أن تقع.. والكارثة ليست في سرقة لوحة من روائع الفن العالمي لأن هذا قابل للحدوث حتي في أكبر المتاحف، والموناليزا نفسها سرقت من اللوفر وغابت لمدة عامين قبل استعادتها في 1914 لكن الكارثة أننا بذلنا مجهوداً خارقاً لتسهيل مهمة اللصوص وجعل جريمتهم أكثر أماناً وراحة.. بنك بلا أي احتياطات أمن لن تجده ولا في مدينة البط.. براعة متفردة في الإهمال نستحق عليها جائزة، فليس من السهل أن يكون كل شيء فاسداً بهذه الطريقة، فالكاميرات لا تصور شيئاً، وأجهزة الاستشعار لا تعمل، ولا وجود لصريخ ابن يومين يقوم بردع من تسول له نفسه أن يسرق 50 مليون دولار، فالسرقة تمت وقت صلاة الظهر ولم يكن أحد من الموظفين موجوداً في المبني «ربما علي الموظفين الحكوميين بعد هذا الحادث أن يؤدوا صلاة الخوف».. 50 مليون دولار موضوعة في حجرة بلا أي وسائل أمان وكأنه امتحان إلهي عسير لضمائر كل من يزور المتحف: من منهم سيأخذ القرار أولاً؟! ولن نتبين رأساً من رجلين في طوفان المخاطبات التي سيغرقنا بها كل الأطراف ويحاولون بها إثبات براءتهم أمام جهات التحقيق، ولسان حال كل منهم يقول: «لقد أبلغتهم لكنهم لم يتصرفوا»، وتظل «هم» هذه تدور حول رؤوس الجميع حتي تنتهي القضية.. رغم أن أحياناً تكون حلول المشاكل أبسط من أن تعطلها البيروقراطية، • الحلول البسيطة أفضل يقال أنه في بداية عصر الفضاء واجه الرواد الأمريكيون صعوبة في كتابة التقارير نظراً لانعدام الجاذبية وعدم نزول الحبر إلي رأس القلم.. للتغلب علي هذه المشكلة استغلت ناسا إمكانياتها العلمية المتقدمة وأنفقت ملايين الدولارات علي بحوث تطوير مكنتها من إنتاج قلم يكتب في الفضاء وتحت الماء وعلي الصخر والكريستال ومقلوباً وفي كل الاتجاهات. بالمقابل تمكن رواد الفضاء الروس من التغلب علي نفس المشكلة بحل آخر.. استعملوا أقلاما رصاص! قد لا تكون القصة حقيقية تماماً لكنها تستعمل كثيراً كمثال علي أن التفكير البسيط قد يكون أفيد من التفكير المعقد.. ما علاقة ناسا ورواد الفضاء بفان جوخ إذن؟.. العلاقة يفسرها «بسطويسي».. فإذا كنا لا نملك المخصصات المالية الكافية لتغيير نظم المراقبة وإصلاح الكاميرات وكابلات الاستشعار الحساسة فلا أقل من تعيين عسكري يجلس علي كرسي في منتصف القاعة، وكل مهمته أن يتأكد من أن الخمسين مليونا لن تلعب في دماغ من يزورون المتحف.. وسنختاره «بسطويسي» حليقا بلا شوارب صعيدية حتي لا ينفر منه السياح!!.. لكن الوزارة «أو القطاع أو الهيئة أو اللجنة أو المصلحة أو الإدارة» رأت أن ال500 جنيه التي سيلهفها هذا البسطويسي الكسول إهدار مال عام وبالتالي لا داعي له. الحقيقة التي لا مفر من الاعتراف بها هي أننا شعب لا يهتم بالفنون التشكيلية ولا يقدرها.. دائماً ما نعتبر هذه الأشياء ترفاً يمارسه الأغنياء في وقت فراغهم كي يجعلوا الفقراء يشعرون بالدونية والغباء.. فلا مناهجنا التعليمية ولا وسائل الإعلام المتوغلة في كل ركن تفعل أي شيء لتنمية الحس الجمالي لدي المتلقي، وأغلب المصريين الآن يتمنون هزيمة الزمالك في الدوري أكثر من عودة اللوحة المفقودة، وهو عزوف قديم عندنا عن الفن والتحف والآثار وهذا الكلام الرومانسي، يؤكده أن المغامر والمستكشف الإيطالي الشهير «جيوفاني بلزوني» كان يشتري منا الآثار في القرن التاسع عشر بسمك الأنشوجة! وكان حين يشعر بالبرد يشعل له مرافقوه النوبيون الطيبون النار في المومياوات لأنها جافة وتعطي ناراً جيدة للتدفئة!! نحن لا نحترم الفن التشكيلي، وليس أدل علي ذلك من أن حشد الصحفيين حطم تمثال كيوبيد المنصوب في حديقة المتحف وهم يتدافعون لتغطية زيارة النائب العام.. والكثير من التعليقات علي الإنترنت كانت تسخر من الضجة الإعلامية التي أحاطت بالقضية، وتري أن انقطاع الكهرباء المتكرر يحتاج إلي مثل هذا التركيز الإعلامي.. والمليون جنيه التي عرضها نجيب ساويرس لمن يدلي بمعلومات عن القضية كان نصيبها من التهكم أو الاتهام بسوء التوجيه يتجاوز نصيبها من التقدير.. حتي «عمرو أديب» وهو يتأستذ علينا في القاهرة اليوم ويشرح لنا أسباب عبقرية فان جوخ وضع ثاني أشهر لوحة لرامبرانت وسط لوحات فان جوخ ولم ينتبه أحد!! ربما باعتبار أن كليهما هولندي فمش هتفرق كتير ومحدش هيزعل.. «لوحة درس التشريح، تختلف في الأسلوب عن كل أعمال فان جوخ». ماذا نفعل إذن في هذا الشعب الذي لا تفرق نخبته بين فان جوخ ورامبرانت؟ هل نفقد فيه الأمل ونتركه يواجه الحياة بلا درع فني؟ أم نخوض مع من يهذرون بأن تلطيخ قطعة من القماش ببعض الألوان هو تشبه بالخالق عز وجل؟ لا والله فنحن مهد الفنون ونحن من بهرنا الدنيا برسوم خالدة لآلاف السنين، والرجل الطيب «محمد محمود خليل» يثبت أن المصري قد يعشق اللوحة أحياناً. • يوميات ما بعد الواقعة التحقيقات الجنائية بدأت فور اكتشاف واقعة السرقة في حوالي الواحدة والنصف ظهر السبت الماضي، فتم إغلاق المتحف ومنع الزيارة عنه.. مبني المتحف مكون من ثلاثة أدوار الأرضي والأول والثاني تستخدم لعرض المقتنيات بمتوسط خمس قاعات في الدور الواحد، أما الدور تحت الأرضي (البدروم) فتشغله مكاتب الإدارة.. ما يقرب من 15 قاعة عرض تحوي أثمن التحف ولا يحرسها غير حارسي أمن فقط أحدهما «علاء» هو الذي اكتشف واقعة السرقة وأبلغ «علي ناصر» أحد أمناء المتحف، هذا التواجد الأمني الهزيل يأتي رغم تعاقد إدارة المتحف مع شركة أمن خاصة «الفرسان» لحماية المكان، لكنها تكتفي بحراسة الباب الخارجي أو بالكاد التجول داخل الحديقة. جهات التحقيق طلبت من كل موظفي المتحف أن يحضروا إلي قسم الدقي في التاسعة ليلاً، واستمرت التحقيقات معهم هناك حتي الثالثة من فجر الأحد ولم يتركوا إلا لظروف السحور.. وقبل خروجهم من قسم الدقي طلب منهم أن يكونوا في المتحف في تمام التاسعة من صباح الأحد. وبالفعل في اليوم التالي كان أغلب الموظفين البالغ عددهم حوالي 45 فردا داخل مبني المتحف المغلق عليهم وعلي رجال التحقيقات، عرفوا أنه من المطلوب منهم التواجد في المتحف يوميا رغم إغلاقه من أجل استجوابهم.. التحقيقات كانت تتم داخل مكاتب الدور تحت الأرضي بينما يتكدس الجميع في الطرقات، يجلسون علي الفوتيهات وينتظرون دورهم في الاستجواب.. يقوم بالتحقيق 30 ضابطا من رتب مختلفة «من عميد نزولا»، وكانت الأسئلة مشابهة لما تم في قسم الدقي، اسمك ووظيفتك داخل المكان وكيف علمت بالجريمة، مع التركيز علي نقطتين: هل يزورك أصدقاؤك في المتحف؟ وهل تحدثت مع أجانب عن نظم الأمن في المتحف؟! لأن جهات التحقيق تشك في أن أحد العاملين قد سرب بحسن نية معلومة عن تواضع أجهزة الحماية، الاستجواب كشف عن مناطق إهمال أخري بخلاف الكاميرات الموضوعة للزينة، فالماستر كيي الذي يفتح أبواب كل القاعات موجود مع أغلب الموظفين، ولا توجد معايير لمن يحق له حمله، ومن ليس له الحق.. ودفتر تسجيل الزوار الذي كان يكتب فيه كل زائر بياناته، بما فيها رقم جواز سفره إن كان أجنبيا لم يعد يستخدم، وبالتالي صار من العسير الوصول لمن كانوا بداخل المتحف يوم السبت. انتهي التحقيق في حدود الخامسة عصرا، والبعض منهم - خاصة الذين كانوا في المتحف يوم السبت - تم استدعاؤهم ليلا إلي قسم الدقي أو مديرية الأمن لزيادة الأسئلة.. ثم استؤنف التحقيق صباح يوم الاثنين، حيث حاولت جهات التحقيق الوصول لباقي الموظفين الذين غابوا عن الأيام الأولي، وأرسلت «البوكس» لجلب بعضهم من منازلهم.. وبدأوا في مناقشة تضارب أقوال البعض، كما ركزوا علي موظفي الإدارة العامة للخدمات الفنية «الجرافيكس»، ومقرها الأساسي في قطاع الفنون التشكيلية، لكن لظروف الإصلاحات انتقلوا للمتحف مؤخراً.. في يوم الثلاثاء تم أخذ بصمات جميع العاملين بالمتحف - بمن فيهم المديرة «ريم بهير» رغم أنها كانت في شهر إجازتها وقت وقوع الحادث، تم ترحيلها إلي النيابة بالكلابشات في يديها ثم تم الإفراج عنها بكفالة - لمقارنتها بما سيرفع من البصمات من القاعة وإطار اللوحة المسروقة. في يوم الأربعاء تم إيقاف 15 من موظفي المتحف عن العمل رسمياً منهم رئيس القطاع ومديرة المتحف، وخرجت «ماريا القبطي بشاي» وكيل المتحف من الحجز لتحكي بتهكم مرير عن «سجن فنانين مصريين أحياء أبرياء من أجل فنان هولندي ميت»، لكن الجدير بالذكر في هذا اليوم هو همسات بدأت تتردد عن فتي وفتاة بعينيهما أثارا الشبهات يوم السرقة.. فتاة شقراء طويلة الشعر ترتدي جيبة تصل لركبتها وشاب كان يرتدي قميصاً أبيض وكاب ويعقد شعره علي شكل ديل حصان.. المناقشات المتبادلة بين من تواجدوا يوم السبت رسمت صورة لتحرك هذين الشابين اللذين ادعيا أنهما من إيطاليا، فأول ما فعلاه عند دخول المتحف هو السؤال عن الحمام، وبعد أن تفقدا الحمام قاما بجولة طويلة في المتحف ومن ثم عادا إلي الحمام مرة أخري قبل أن يغادرا المكان. الصورة لم تكن مكتملة هكذا لدي شخص واحد بل ساهم كل فرد بجزء من الصورة، والكثيرون يظنون أن الزيارة الأخيرة للحمام هذه كانت لإخفاء اللوحة المسروقة في طيات ملابسهما.. تم إبلاغ جهات التحقيق بهذه المعلومات التي قد تفيد في الوصول للجناة. • الوزير الفنان.. بحق ولد محمد محمود خليل عام 1877 لأسرة أرستقراطية.. وهو رجل سياسة بارع فقد بلغ منصب وزير الزراعة عام 1937 ورئيس مجلس الشيوخ المصري عام .1939 لكن شهرته الحقيقية تأتي من اهتمامه بالفنون منذ شبابه فكان راعيا للحركة الفنية التشكيلية وشارك في تأسيس جمعية محبي الفنون الجميلة عام 1924. عشقه الطبيعي للفن تحول إلي هواية الاقتناء بعد زواجه من الفرنسية «إميلين هيكتور» عام ,1903 مما جعله يطلع أكثر علي المدرسة الفرنسية التأثيرية، وأحد لوحاتها كانت أول المقتنيات الفنية للزوجين خليل وهي لوحة «ذات رباط العنق من التل الأبيض» لأوجوست رينوار، ودفعت فيها الزوجة 400 جنيه مصري، في وقت كان فدان الأرض يتكلف عشرة جنيهات.. أي أن هذه اللوحة كانت تقوم بمقام عشرة أفدنة في بدايات القرن الماضي، وعندما عاتب محمود خليل زوجته قالت إن المستقبل سوف يقدر قيمة هذه اللوحة «ثمنها الآن يقترب من 40 مليون دولار !!» • متحف شخصي في القاهرة اشتري محمد محمود خليل قصر عائلة سوارس اليهودية المعروفة عام 1915 وفي القصر اتحد ذلك العشق الطبيعي للفن والذي عرف به محمود خليل مع هواية زوجته إميلين هيكتور باقتناء الروائع التشكيلية والتحف الفنية ليولد هذا المتحف الذي يعد من أروع الثروات الفنية في مصر.. ولأنهما لم ينجبا قرر محمود خليل التبرع بقصره وكل التحف والكنوز المكدسة به إلي شعب مصر كمتحف مفتوح بعد وفاتهما، ولهذا اختار له اسم «متحف محمد محمود خليل وحرمه». ليست زهرة الخشخاش هي الجوهرة الوحيدة في المتحف رغم ارتفاع قيمتها.. ففي القاعة المقابلة لها تعرض واحدة من أشهر لوحات جوجان «الحياة والموت» وقيمتها تقدر بأكثر من 80 مليون دولار.. ولعل اللصوص لم ينتبهوا لقيمتها الكبيرة أو استصعبوا عملية نقلها لأنها أكبر حجما من لوحة فان جوخ. والمتحف مكدس بالتحف.. ففيه لوحات لرينوار وديلاكوروا وسيزليه ومونيه وديجا وغيرهم الكثير من فناني المدرسة الفرنسية الذين يسيل لهم لعاب أي مهتم بالفنون البصرية، وفيه تماثيل من صنع «أوجست رودان» المثال الفرنسي الأشهر وصاحب تمثال «المفكر»، ويحوي أيضا تحفا متنوعة منها أطباق من الخزف الإسلامي النادر، ولوحات مينوتير صغيرة من القرن التاسع عشر، فازات نادرة من السيفر الفرنسي، وتماثيل برونزية ورخامية وجصية وبعض التماثيل الفرعونية التي صنعها الفنان المصري القديم. كل هذ الإبداع الإنساني لم يكن يجتذب يوميا أكثر من عشرة زوار في المتوسط.. وهذا لا علاقة له برمضان أو غيره لأن هذه هي أرقام الزوار الطبيعية.. والاستثناءات القليلة تحدث إن كان هناك رحلة مدرسية أو فوج سياحي خاص، حتي إن فاتورة كهرباء المتحف وحدها تكلف مالاً يفوق عائد التذاكر.. أن يوجد لدينا متحف بهذه القيمة ولا يتم الترويج له جيداً لدرجة أنه يخسر ماديا بهذا الشكل فهي لطخة أخري في جبين وزارة الثقافة . • الافتتاح الثاني افتتح المتحف رسمياً للجمهور عام 1995 بعد تطويره بأحدث تكنولوجيا تأمينية ممكنة وبغرفة تحكم متطورة وغرفة مراقبة يقظة وكاميرات متأهبة وأجهزة استشعار حساسة.. كان المتحف مثاليا في ذلك الزمان البعيد.. لكن مع الوقت بالتأكيد تبدأ الأحوال في التدهور.. وبداية من عام 2000 ظهر أن المتحف يحتاج إلي جرعة من هذا البلسم الشافي الذي نكرهه في مصر ولا نستعمله إلا نادرا: الصيانة. شبح الإهمال الذي كان يترسخ في جنبات المتحف حوله من منارة حضارية إلي مصلحة بيروقراطية الإله فيها هو دفتر الحضور والانصراف الذي يعمل الجميع من أجل إرضائه.. متناسين أن التعامل مع الهيئات الفنية والثقافية بمنطق موظف الحكومة و«علي قد فلوسكو» يقتلها قتلاُ.. • المديرة تستجدي الغلق «ريم أحمد بهير» مديرة المتحف الحالية نموذج لسيزيف المصري الذي يظل يجاهد الأقدار محاولا زحزحة المصير المحتوم بلا طائل.. ولدت في الإسكندرية عام 1971 لأب ضابط بحري ينتمي لعائلة عريقة فجدها كان محافظاً للقاهرة.. خريجة كلية فنون جميلة دفعة 1994 وتجيد خمس لغات ومن الوجوه المصرية المشرفة في المعارض والمؤتمرات الخارجية.. وهي باعتراف الجميع من أكثر الموظفين التزاماً واهتماماتها تمتد لتشمل أنشطة المتحف الثقافية الأخري «الورش الفنية وورش الأطفال وصالون المتحف الثقافي الشهري».. أخذت السلم الإداري في قصر محمود خليل من بدايته لأنها عملت به كأمينة متحف عام 1996 إلي أن أصبحت المديرة في عام 2007،أي أنها تعرف القصة بالكامل.. ومنذ أن أصبحت مسئولة عن المتحف وهي تحاول أن تستعطف قلوب قطاع الفنون التشكيلية ومن خلفه الوزارة بلا جدوي. كأي موظف مسئول عندما اكتشفت تهالك أجهزة المراقبة طلبت تغييرها، لكن الجواب الصارم جاء من القطاع بأن المخصصات لا تسمح.. وهنا بدأت رحلة صراخ «ريم بهير» في البرية.. أرسلت تقارير ومخاطبات لمدير عام المتاحف والإدارة الهندسية وقطاع الفنون التشكيلية وكل الدرجات الوظيفية الخاضعة للتسلسل الإداري بقطاع المتاحف.. كل هذه التقارير كانت تؤكد غياب أجهزة الإنذار وتعطل الكاميرات.. بل إنها طلبت زيادة أفراد الأمن «عم بسطويسي الذي تكلمنا عنه» لكن شيئاً لم يحدث.. وعندما تحدثت لوسائل الإعلام وقالت إن القطاع لا يوفر لنا الإمكانات الكافية تم توجيه اللوم لها وحولت للتحقيق، فاضطرت في النهاية إلي المطالبة بإغلاق المتحف تماماً ونقل اللوحات منه مادام تأمينه يحتاج أموالاً من العسير توفيرها.. لكن رئيس القطاع اعتبر أن قرار الغلق يقع في يد الوزير فقط، والوزير الحصيف ردها عليه بدوره بأنه منح رئيس القطاع صلاحيات الوزير الإدارية والمالية الخاصة بالمتحف منذ عام 2006.. عمليات نقل أصابع الاتهام تدين هذه الأطراف أكثر مما يتخيلون لأنها تثبت أنهم جميعاً كانوا علي علم مسبق بأن المتحف عبارة عن جريمة تنتظر الوقوع.. فقط بعد الكارثة سمعنا عن أمر الإسناد المباشر الذي صدر في أبريل 2009 بتكليف المقاولون العرب بتطوير المتحف وعن الاعتماد المالي المقدر ب 40 مليون جنيه من صندوق التنمية الثقافية.. أما لماذا تأخرت هذه التحركات الكريمة إلي أن وقعت الواقعة فشيء في علم الغيب. • السر في الحديقة علي كل حال فلنستبشر بالخير لعلنا نجده.. فربما تنتهي القضية كما انتهت أغلب قضايا سرقة اللوحات السابقة.. زهرة الخشخاش نفسها عادت من السرقة الأولي في ظروف غامضة ويقال إنها وجدت في حديقة المتحف.. اللوحات التسع التي سرقت العام الماضي من قصر محمد علي عادت إلي الحديقة أيضاً «يبدو أنه علي الشرطة تخفيف الحراسة نسبياً عن حديقة المتحف حتي يتسني للصوص إعادة اللوحة المسروقة».. ومثلها لوحات حامد ندي التي سرقت من دار الأوبرا، إذ يبدو أن الله ،لأنه يعرف أن هذا الشعب طيب، وأن هذا اللص الذي استغل الإهمال وضع يده في جيب الشعب وسحب الخمسين مليوناً لهذا فلن يبارك له الله! لعل الجانب الإيجابي الوحيد لهذه القضية أنها عرفت الناس بالقيمة الفنية الكبيرة لمتحف «محمد محمود خليل وحرمه» الذي قدرت شبكة «بلومبرج» الاقتصادية الأمريكية المتخصصة مجموع مقتنياته بما يتجاوز المليار جنيه، الحادثة صنعت له دعاية لم تكن تحلم بها وزارة الثقافة التي كانت تتعامل معه كأنه ابن العار الذي يجب أن ينطمس ذكره.. ولعل المصريين سيبدأون الآن أخيراً في زيارة المتحف والاستمتاع بمحتوياته، وتكون درة هذه الزيارة هي قاعة في الطابق الثاني ذات جدران داكنة، معلق بها أطار أنيق «كانت» فيه يوماً ما زهرة الخشخاش.