لم نعد نسمع كما كنا في ستينيات القرن الماضي، عن تلاوة للقرآن الكريم بأصوات نسائية، صحيح أن معظم المقرئات كن يحيين مآتم العزاء وقتها بالبيوت، وليس في "صوانات" الشوارع المخصصة للرجال، وإن شاهدنا اليوم "صوانات" نسائية صغيرة، ملحقة بمآتم الرجال بالشوارع، لاستقبال المعزيات، دون "مقرئة ". لا أعرف سببا لابتعاد المرأة عن هذا المجال، فهل عليه تحفظات شرعية، ذات علاقة بالحرام والحلال في صوت المرأة مثلا، حقيقة لا أعرف ومن يعرف فليدلني علي السبب. لا يغيب عن ذاكرتي هيئة وصوت الشيخة علية الضريرة زوجة الشيخ لطفي المقريء رحمهما الله، تلك السيدة التي كانت تحيي ليالي العزاء بالبيوت في مدينة بنها خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وكيف كانت صاحبة صوت معبر، خاشع هاديء حين تقرأ" قد أفلح المؤمنون.. الآية"، ومرعب ومصور حين تقرأ" فبأي آلاء ربكما تكذبان.. الآية". بالفعل، لم تكن الساحة لتضن في زمن عباقرة التلاوة، أمثال الشيخ رفعت والشعشاعي والصيفي وعلي محمود واحمد ندا وغيرهم، من ظهور قارئات لكتاب الله لعبن دورا كبيرا في دنيا التلاوة، علي رأسهن تأتي الشيخة منيرة التي كانت تقرأ بالاذاعة المصرية حتي حرب 1956، قبل أن تختفي عن الظهور بعد اعلان" صوت المرأة عورة". وكذلك الشيخة رقية، التي كانت تقرأ القرآن في بداية حياتها ، ثم اعتزلت. أيضا كانت هناك الشيخة كريمة العدلية، التي ذاع صيتها في زمن شيخ المنشدين والمبتهلين والقارئين علي محمود، فكانت تنشد كما ينشد وأروع، وتبتهل كما يبتهل وأجمل، وتقرأ القرآن في المآتم كما يقرأ وأخشع، بل وكانت بحسب محمود السعدني في كتابه" ألحان السماء"، تحتفل كل خيمس بإنشاد الموشحات في بيت أحد الأثرياء، بينما يجلس في الصف الأول، مستمع لها، أربعة من كبار المقرئين هم المشايخ علي محمود ومحمد رفعت ومحمد الصيفي ومنصور بدار، ورغم ذلك اعتزلت عام 1905، ربما لنفس السبب. ولنفس السبب ، تعجبت حين لم يفتح الأزهر والاذاعة المصرية الباب للأصوات النسائية الحسنة في تلاوة القرآن والابتهالات الدينية، للاشتراك في مسابقة اعتماد عشرة قراء جدد من المتميزين منهم بالاذاعة مؤخرا، وما زلت أتعجب!! [email protected]