سيدات خرجن عن المألوف، وكسرن العادات والتقاليد، خطوات جادة ساروا عليها من أجل تحقيق أهدافهن، وبعد مشوار طويل شائك بالمصاعب استطعن تحقيق احلامهن، متجاهلين الأقاويل والإنتقادات التى طالت منهن طيلة مشوار كفاحهن،.. كلمات قلما تعبر عن سيدات الصعيد اللاتى أثبتن أنهن مخلوقات غير عادية تستطيع تحدى الصعاب وتحقيق المستحيل. صيصة أبو دوح «الست الأصيلة لا تتزوج بعد موت زوجها، وتبيع ترمس حتى تربي أبناءها»، ليس كلام أساطير قديمة يتوارثه الأجيال بسخرية، إنما واقع تعيشه سيدة مصرية في أقصى صعيد مصر. قسوة الحياة، غياب الرجل، شعورها بأنها المنقذ والعائل الوحيد لابنتها «هدي»، دفعها إلى التخلي عن أبسط حقوقها كامرأة، الاضطرار للعمل في ظروف لا تليق بالسيدات دفعها إلى التغلب عليه بالتنكر في زي الرجل. قصة كفاح مستمرة منذ ما يقرب من 40 عامًا، خلدتها الحاجة «صيصه أبودوح»، كامرأة من محافظة الأقصر بصعيد مصر، تقاليد وأعراف تنظر للمرأة والبيت سترة للمرأة، تحدت هي تقاليد مجتمعها ونجحت في قتلها. كانت صيصة، البالغة 64 عامًا، قد توفي زوجها وهي حامل، فقررت العمل بعد أن أصبحت لا تجد قوت يومها، لكنها لم تستطع ذلك بسبب العادات والتقاليد التي تمنع عمل السيدات بأعمال الرجال، فقامت بقص شعرها وارتدت ملابس الرجال وبدأت تخرج للعمل بعد أن أنجبت مولودتها الوحيدة "هدى" وعملت في صناعة الطوب اللبن، يدها بيد الرجال. وقررت أن تعمل بمهنة لا تكلفها سوى قليل من الجهد، بعد سنوات من التعب. فبدأت تعمل بمسح الأحذية بشارع المحطة بالأقصر، حتى تم زواج ابنتها، والتي تعول 6 أفراد، بعد أن أصبح زوجها عبدالحميد عيد غير قادر على العمل بسبب المرض، ولم تجد «صيصة» أمامها إلا الكفاح من أجل ابنتها وأحفادها. أول سائقة ميكروباص بطريق قنا اضطرت سناء تحت وقع الفقر أن تحطم ثوابت وتقاليد الصعيد، بالرغم عمرها الذى تجاوز ال 53 عاما. عملت «سناء»، أول سائقة ميكروباص بطريق «قنا – الأقصر» الصحراوي السريع، بعد وفاة زوجها تاركا لها ثلاثة أبناء وحفيدين، أكملت المسيرة متحدية حتي لا تنهار الأسرة بعد وفاة الأب والزوج، الذي كان يعمل سائقا علي هذا الميكروباص الذي يتطلب قسط شهري بقيمة 2000 جنيه للأكثر من سنتين علي التوالي. تقول سناء غريب، إنها تقطع يوميا أكثر من 400 كيلو متر ذهابا وإيابا من مجمع مواقف قنا حتي مجمع مواقف مركز إسنا بجنوب الأقصر وتجبرها الظروف أن تبيت خارج المنزل أكثر من ثلاثة أيام أسبوعيا من أجل توفير القسط الشهري للميكروباص، حتي توفر ما يسد الرمق لأسرتها المكونة من أربعة أبناء وثلاثة أحفاد. تصف سناء غريب مهنة قيادة السيارة علي الخطوط الصحراوية بأنها مهنة المهالك والمخاطر، فيوميا تنشب المشاجرات المسلحة بين السائقين علي أولوية تحميل الركاب، علاوة علي غياب كافة الخدمات بطريق قنا – الأقصر الصحراوي مما يتسبب في وجود قطاع للطرق لجمع الإتاوات في فترات التراخي الأمني. وأضافت «غريب» أنها تحدت الجميع من أهلها وجيرانها ومجتمعها حينما أمتهنت هذه المهنة وأنها تشعر بالشرف لاتعمل في وظيفة حلال وليست حرام للإنفاق علي تعليم أبنائها وإكمال مسيرة زوجها المتوفي ولا يهمها ما يقال عنها من قبل بعض الرجعيين علي حد تعبيرها، الذين يشنون عليها حربا يومية من أجل أن تهجر المهنة وتجلس في المنزل وفي هذه الحالة سوف تنهار الأسرة ذات المتطلبات الكثيرة. سيدة تعمل بمهنة الحدادة بسوهاج «دراهم جاد الرب 61 عامًا»، مقيمة في مركز الوقف شمال محافظة قنا، لديها 10 أبناء منهم الصغار ومنهم الكبار الجميع في تلك الأسرة لا يبحث سوى عن "لقمة العيش"، حيث تعمل فى صناعة الحدادة منذ 20 عامًا من أجل كسب قوت يومها، وتصنع الست دراهم "السيف والخناجر والكريك وكذلك جميع الأدوات الحديدية التى تستخدم في أعمال الزراعة، ومن ثم بيعها في الأسواق مثل بدشنا ونجع حمادي وأبوتشت وفرشوط وقوص وقفط ومركز قنا. وتضيف دراهم: تعمل معى نجلتى الصغيرة في ذلك العمل الشاق، فلديها ورشة صغيرة في منزلها تصنع من خلالها القليل من أدوات الحدادة، وتخرج في صباح كل يوم لتذهب إلى مدينة مختلفة في محافظة قنا، وتقوم ببيع تلك الأدوات وإصلاح أي أدوات حديدية أخرى على النيران، قائلةً:«رزق صغير هيساعدنا في حاجات كتيرة». وأشارت دراهم إلى أنه تتمنى الراحة، إلا أن جسدها تعود على المشقة والتعب ولن تستريح سوى بوفاتها، فضلًا عن أنها تضطر لذلك لتوفير المصروفات الذي يحتاجها المنزل، خاصة أن زوجها طريح الفراش منذ سنوات ولا يقدر على العمل بعد إصابته بمرض خبيث. واختتمت مأساتها، قائلة: إنها ذهبت للعديد من المسئولين للنظر إلى حالتها ومساعدتها حتى ولو ب«معاش استثنائي» لكن دون جدوى استجابة من أى مسئول أو قيادة تنفيذية بقنا، قائلةً "الكون ليه رب يحميه ورب تطلب منه فيجيبك.. مش مسئول تروحله يطردك بره ويقولك روح ريحتك وحشة". «لقاء» تتحدي التقاليد وتعمل ميكانيكي تقول لقاء مصطفى الخولي 18عاما، وهي فتاة من مدينة إسنا جنوبي الأقصر، حاصلة على دبلوم تجارة، إنها كانت تحلم بأن تدرس هندسة «الميكانيكا»، لكن لم تشأ الظروف ولم يحدث ذلك، لكنها لم تتخل عن حلمها بل عملت مع والدها في ورشته لتساعده من ناحية ومن ناحية أخرى، كي تتقن المهنة التي أحبتها وأرادت العمل بها. واجهت لقاء استهجانا كبيرا في بداية عملها بتصليح السيارات، أهالي المدينة كانوا يوجهون لها أسئلة كثيرة عن سبب عمل فتاه في مهنة كتلك؟ خاصة أنها مهنة ذكورية صرفة، تقول لقاء: كنت أسمعهم يقولون لم يسبق أن نرى امرأة تعمل ميكانيكي خاصة في الصعيد، لكن ربما يحدث هذا في القاهرة، وتؤكد قابلت كثيرا من الصعاب كتوجيه اللوم لي ولوالدي الذي يوافق على عملي معه، لكن مع الوقت اقتنع المجتمع المحيط بي، خاصة بعد عملي في المجال لفترة طويلة. وتضيف أنها لم تخجل قط من عملها، بل إنها تعتبر عملها ما هو إلا تحقيقا لحلم الطفولة الذى حلمت به منذ صغرها، وأرادت أن تحققه بدراسة هندسة الميكانيكا، لكن لم تسنح لها الفرصة لتحقيق ذلك، وأنها لم تتخل عن حلمها بالعمل بمجال الميكانيكا، وأصرت على تحقيق ذلك فبدأت بالعمل في ورشة والدها، وتطمح إلى أن تمتلك ورشة خاصة بها لتديرها بنفسها. وتضاف «لقاء» للعديد من النماذج المشرفة لنساء مصر، فها هى تثبت أن المرأه قادرة على العمل بشتى المجالات وقادرة على التغلب على العقبات، فلتكن لقاء رمز لكل سيدة من سيدات مصر.