علي الرغم من الأصوات التي تتعالي كل يوم لتنذر بكارثة تهدد أحد المعالم الأثرية المهمة في مصر بل وفي العالم كله وهي هرم "زوسر" أو المشهور بالهرم المدرج الذي يعد أول عمل معماري كامل من الحجر الجيري سنة 2690 – 2671 ق.م ليعكس عبقرية التصميم والإبداع للمهندس إيمحتب .. ورغم المناشدات العديدة التي تشير إلي أن ما يجري بهرم سقارة هو جريمة مكتملة الأركان تهدد بإخراج الهرم من منظومة التراث العالمي لكونها تغير من معالم وقيمة الأثر ومن جهة أخري تهدر المال العام .. وعلي الرغم من تصريحات د. محمد إبراهيم وزير الدولة للاثار بأن تقرير اليونسكو جاء إيجابيا وفي صالح الهرم المدرج وعلي الرغم أيضا من تصريحات إستشاري المشروع المهندس حسن فهمي التي أكد فيها أنه ينظر إلي الأثر كمنشأ هندسي ذو شقين : شق سطحي واخر جوفي : الشق السطحي الظاهر للناس له 4 واجهات و6 مصاطب, وكانت مليئة بالرديم نتيجة للعوامل البيئة الصحراوية عبر العصور, ولأول وهلة تعتقد أن المبني تم انشاؤه كمستطيل, ولكنه لم يصبح كذلك طبقا للمسح الدقيق, حيث أن الزوايا ليست90 درجة فبعضها أكبر من ذلك والأخر أقل مما يؤكد أن الهرم حدث له انضغاط وانبساط نتج عن عوامل ديناميكية أثرت فيه, خاصة الزلازل وأشباه الزلازل، وأن الهرم داخليا يتماشي بشكل متناغم مع الهرم الخارجي, ويتضح ذلك أيضا من أن ارتفاع الهضبة التي بني عليها مرتفع عن منسوب الأراضي الزراعية بنحو40 مترا والهرم من الداخل أو من الأسفل هناك 28 مترا تمثل ارتفاع البئر و8 أمتار أسفل البئر ثم4 أمتار للمستوي الأخير للممرات أي نحو40 مترا. ولأن الهضبة لها تركيبات صخرية, فمع مرور الزمن تسربت إليها المياه وتراكمت, ونجدها في أسفل الطبقة الطفلية مما أدي إلي تغير طبيعتها, وأثر ذلك بشكل مباشر علي هرم زوسر. إلا أن هناك رأيا اخر يختلف مع تصريحات استشاري المشروع ويتعارض أيضا مع تصريحات الوزير بشأن تقرير اليونسكو .. مما يعني أن التضارب في الاراء مستمر والضحية دائما هو الاثر. د. عبدالفتاح البنا يوضح أنه لو صح ما ذكره الاستشاري بالنسبة لتغير إلتقاء زوايا قاعدة الهرم المستطيله نتيجه للانضغاط والانبساط المذكور الناتجه عن الزلازل لأصبح لا جدوي لأي أعمال ترميم أو تدعيم تتم على الجسم الخارجي للهرم إن لم ترد أبعاد القاعدة المستطيله إلى وضعها الأصلي بتكوين زوايا قائمة في التعامد الأفقي للأضلاع الأربعة للمستطيل. و بالتالي فأي تعويض للبلوكات المفقودة على الوضع الحالي سيغير من الشكل الأصلي للهرم وهذا يعتبر في حد زاته جريمة في حق التراث الإنساني فلسنا بصدد بناء هرم جديد بمواصفات وابعاد جديدة. ويؤكد د. البنا أن ما طرحه الإستشاري عن ارتفاع الهضبة والمنشآت التحتية من بئر الدفن والممرات والسراديب، وكون أن هناك تسرب للمياه من الأراضي الزراعية المتاخمة للمنطقة الأثرية بسقارة لتصل لقاع بئرالدفن كما هو مذكور، تنقصنا الشواهد والدلائل على هذا الأمر. ويذكر انه شاهد لقاء لوزير الأثار على إحدي الفضائيات يكرر الوزير هذا الكلام بأن هناك طفلة متميعة بالمنطقة وكانت سببا رئيسا كما ذكر سيادته لنقل هرم سنفرو لأكثر من مره عن موضعه المختار في عهد سنفرو نفسه، مما يعطي ايحاءا ان هناك ما هو مسجل في علم المصريات لهذه الحادثه أو أن الوزير عاصر المشكله وقت بناء هرم سنفرو بنفسه. كان يجب على الإستشاري والشركة المنفذة أن تظهر لنا البيانات الخاصة بتأثير طبقة الطفلة على المنشأ جراء ظاهرة انتفاش الطفلة و مايتولد عنها من ضغوط رأسية وأفقية وليس حديث مرسل بإسم العلم يستخدم لإرهاب الأثريين وعامة الشعب لتمرير مطالبهم غير المقبولة. وإن حدث وكان هناك بيانات علمية على الرغم ما ورد في تقرير "جورجيو كورتشي"، مبعوث اليونسكو في الفترة من 26 : 29 سبتمبر 2011.. والمتعلق بمسألة موضوع القلق تجاه المنشأت الداخلية والخارجية لهرم زوسر بسقارة من نفيه لوجود أي مشروع تفصيلي للتدخلات – خطة العمل لم تكن متوفرة خلال الجلسات التي عقدت- قد أطلع عليه وذكر بالحرف الواحد أن الأعمال التي تقدم كصيانة استثنائية باستبدال الأحجار القديمة بأخرى غيرأصلية من أجل انتاج الشكل الأصلي للهرم. ويضيف د. البنا: إن كان ماسبق هو أول فقرات تقرير خبير اليونسكو الذي يروجون له من الوزير إلى أقل عامل في هذا المشروع بأن تقرير اليونسكو ايجابي وفي صالح المشروع إعتمادا على عدم اهتمام الشعب بمثل هذه الأمور العلمية، فأعود إليهم وأقول إنها أمانة في أعناقنا كمتخصصين ولايجب الصمت أمام هذا الفحش البين، فلسنا ممن يبيعون ضمائرهم وأوطانهم بحفنة من الدولارات. ولقد ورد في تقرير اليونسكو المشار لأحد فقراته في سياق الحديث السابق: لوحظ أن الهيكل الجديد لإعادة بناء السطوح الخارجية أو ملء "الفرغات" لا يمتص أي أحمال وبالتالي لا يساهم في الأتزان المطلوب لإستقرار الهرم أنتظارا لحدوث هبوط لجسم الهرم أعلاه. وبالتالي يبقى وضع الكتل المعلقه كما هي لا ترسي على ما استحدث تحتها من بناء. كما تطرق التقرير لوصف بئر الدفن، حيث قسمه إلى ثلاثة من اسفل إلى أعلى وذكر التقرير أن أول جزئين من أسفل لا تعاني من مشاكل إنشائية ولم يدرجا في برنامج الزياره. أما الجزء العلوي، من البئر متمثلا في قبة السقف، يمثل خطورة على إتزان الهرم بشكل عام، حيث تسقط بعض الأحجار، وإزاحة كتل آخري عن موضعها الأصلي. مما أوجد فراغ في الأجزاء التي تعلوا القبة في المصطبة الأولى. و بوصف المشاكل التي يتعرض لها جوف الهرم ذكر التقرير أن هذا الوضع ليس بجديد ويمكن تمييزه من وقت طويل، وتعتبر من المخاطر الإنشائية الكبيرة التي تزداد حدتها مع مرور الوقت. كما أورد التقرير أنه تم التوافق على اقتراحات الحلول التالية:"أول عملية ينبغي القيام بها هي تثبيت الكتل الحجرية القلقة بغرز قضبان خاصة ونفاذها إلى الجزء العلوي من جسم الهرم. وينبغي أن تكون طول القضبان يتراوح بين 2 إلى 3 أمتار طبقا لوضع الكتل الحجرية من الفراغ خلف القبة. كما ينبغي غرز قضبان صعيرة بأطوال محدودة (30-50 سم) لكسرات الأحجار الأصغر حجما، والتي لا تسهم بشكل كبير على قدرة التحميل بشكل عام، ولكن يمكن أنفصالها وسقوطها. كما أوصى التقرير بدفن رؤس القضبان الفولازية و سد الفجوات الناتجة عن عملية الدفن بجزء من الأسطوانه الحجرية المستخلصه مكان عملية التثقيب. و اشترط التقرير وجود المهندسين والمرممين في هذه العملية، وخاصة فيما يتعلق بمعاملة السطوح وهذا على غير ما تم تنفيذه بالفعل. كما أورد التقرير ثاني عمليات الدعم للكتل الحجرية المتساقطة من قبة السقف في اعمال الحقن، و أوصى أن يمتد الحقن لعمق من 2 إلى 3 أمتار لملئ كل الفجوات الناتجه عن الأنهيارات السابقة للسقف على مر العصور. وأوصى التقرير أن يكون المنتج النهائي لعمليات الحقن ذو مقاومة عالية وخالي من الأملاح لمنع ما يعرف بتزهر الأملاح ولم تعطي الشركة المنفذه أي تفاصيل عن مادة الحقن التي تخلو من المحاذير السابقة. أما العملية الثالثة المقترحة تتكون من تطبيق شبكة من الصلب على سطح "السقف" الخارجي ومن ثم ملئ هذه الشبكة بمونة أسمنتية من أجل إنشاء نوع من الشيد المقوى الذي يزيد من المقاومة الكلية للمنشأ (مبني الهرم). إذا المعالجات لا تتفق بقوة مع فلسفة الحفاظ على الأثار لأن هذا "السقف الجديد" سيغير تماما النظرة إلى المبنى الأصلي للهرم، حتى لو من الجزء السفلي من سقف البئر الذي ستكون التفاصيل به غير مرئية. ويعلق د. عبدالفتاح البنا على ما ذكره الإستشاري قائلا: نعم هذا هو لب الموضوع، وان العمل في كل المفردات الإنشائية من أهرامات ومقابر لحلم كان يراود الأستشاري من عام 1988، بدأ منذ لحظة أن وطأت قدما الباحث الفرنسي ثيري فيردال قسم التعدين بكلية الهندسة – جامعة القاهرة وأهتمامه في دراسته بالتحليل الجيوميكانيكي لأتزان هذه المنشآت التي ضمت حوالي 10 مقابر من ضمنهم السرابيوم الذي اقنع به الإستشاري المسؤلين عن الأثار بعد أن توطدت علاقته بهم في عهد الدكتور سيد توفيق، وصلت لزروتها مع زاهي حواس ومشروع القاهرة التاريخية الذي لم يكن أحسن حالا مما نحن فيه الأن. و الموضوع برمته في وجهة نظر د. البنا كان يمكن تركه للأجيال القادمة فلن ينهار الهرم بين عشية وضحاها قبل التدخل الذي كان سببا في التعجيل بالخلل والتدهور الذي تعرض له الهرم وإن كنت استبعد الأنهيار لكن الثابت انه غير من هيئة ومظهر وشكل الهرم بما لا يتفق مع ماندرسه لطلابنا أو ماجاء مع المواثيق الدولية في حالات التدخل للصيانة و الحفاظ على الأثار. وهذا هو حال الهرم قبل ان يمسه أحد وبعد تعامل الشركة التجارية معه؟