رحل .. وما كتبت عنه منذ أن رحل، لشدة حزنى على رحيله،فهو واحد من أبناء مصر البررة، ومن سفرائها المعدودين، ومن أعمدة قوتها الناعمة، افتخرت به الأم مصر، وافتخر بها، وتشرفت به وتشرف بها، فرفعته إلى عنان السماء، بما حملت روحه الطاهرة، من حب دافئ وخلق رفيع، وفن راق ، هو نور الشريف الذى لن يتكرر مهما تعاقب الزمان، فقد جاب رحم مصر ، فى فترة الإخصاب التى ولدت فيها مصر الرجال، فهو من جيل يوليو الذى شرب من بحر الوطنية الصافى، ومن نيل مصر الطاهر، فكانت اعماله كلها تكشف عن مدى إيمانه العميق بتراب هذا الوطن، لرفع رايات التنوير، والعلم والحب فى مواجهة الثقافة الظلامية والجهل والكراهية. ولقد تشرفت بالقرب من أسرة الفنان نور الشريف منذ حوالى 15 عاماً، فوجدتها أسرة مصرية، يحتويها الدفء والحب والتسامح، كنت زرته مرة فى منزله، مع زوجته ورفيقة عمره الفنانة بوسى لإجراء حوار صحفى معها، وقد تحدثت معها، عن رئاسته لإحدى الجمعيات الخيرية ورحبت وازدادت حماسة ووافقت على حضور حفل الافتتاح فى مسقط رأسى بالقليوبية، ونادت بصوتها الرقيق: ياجابر ، واندهشت من أنها تنادي الفنان الكبير نور الشريف ب «جابر» وحضر الفنان وجلست معه، وتكلمنا فى قضايا كثيرة ، ودعوته لإلقاء محاضرة وبعد أن استأذن وانصرف، قلت لها: هل اسم «جابر» عندك له دلالة ؟ فقالت : هو اسمه الذى أحببته ، وقد تعرفت عليه «جابراً» لروحى وانفاسى ووجدانى ،حبى الأول، حاربت لكى اتزوجه ، ورفضت الأثرياء، وهو عشقى الأخير ، فهو الهواء الذى اتنفس به، والجمال الذى أرى به الوجود، وقد سألها الاعلامى الكبير مفيد فوزى فى أحد البرامج التليفزيونية ، من نور عينيك؟ فأجابت بتلقائية وبسرعة نور عينى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال لها: وما مكانة نور الشريف فى قلبك؟ قالت : هو حبيبى، لكن نور عينى الذى أعشقه هو سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أترى أسرة بهذه الثقافة وبهذه الصفات وكل هذا الطوفان الجارف من الحب كان عمودها الرئيسى نور الشريف، وما أدراك ما نور الشريف ؟ إنه سوف يدرس تاريخه الفنى على مدى الأجيال القادمة، لكى تتعلم تلك الأجيال كيف تكون النجومية، فكيف يكون المجد الذى هو إحراز المرء مقام حب واحترام فى قلوب الآخرين ، وعلى هذا فإن أمثال نور الشريف لا يموتون ، فهم أحياء بيننا بأرواحهم وبمشاعل القيم والنور التى أضاؤوها فى جنبات هذا الوطن ... رحم الله الفنان القدير والوطنى المخلص نور الشريف ، وألهم الله محبيه وعشاقه الصبر والسلوان، وحفظ الله الفنانة القديرة المحترمة التى لطالما أعطت الفن الكثير وسلام الله على الصابرين.