في انتظار الذبح غالبا ما كنا نسمع عن وحشية الحيوانات التي لا قلب لها ولا مشاعر ولا إحساسات تمنعها من اقتراف أبشع الجرائم، لكن أبدا لم يكن يخطر ببالنا مصادفة هذه اللحظة بعيدا عن سيرك أولاد الحلو حيث التقطت عدسة شبكة الإعلام العربية "محيط" لقطات لانتهاكات بشعة يقوم خلالها شابان يافعان بتعذيب جملين ينتظران مصير الذبح عند أحد الجزارين بمنطقة فيصل محافظة الجيزةجنوب العاصمة المصرية القاهرة.
المشهد بدأ بسماع صوت صراخ يزلزل القلب وكأنه نحيب طفل وحين التفتنا لمصدره وجدناه يخرج من أمام محل جزارة لبيع لحوم الجمال وفوجئنا بشابين يقوما بسحل جمل صغير "بعرور" من لجامه بواسطة الحبل الغليظ الذي يطوق رقبة وفم "البعير"، في البداية ظن مراسل "محيط" أن الشابين يستعدان لذبحه، لكن سرعان ما انكشفت الحقيقة التي تتمثل في أنهما لم يجدا وسيلة للتسلية و"القهقهة" سوى تعذيب هذا الحيوان الذي لا يقدر على شيء رغم قوته الكبيرة.
فتولى أحدهما شد الحبل بقسوة كبيرة وهو متلذذ بالتعذيب، بينما اكتفى الآخر برقع الضحكات "الدراكولية" على ما اعتبره رجولة وشجاعة من صاحبه متحجر القلب والمشاعر، ولم تشفع صرخات الجمل الصغير في أن يرق قلب الشابين وعتق رقبة الحيوان الضعيف، بل تماديا في التعذيب وحين حاول مراسل "محيط" إقناعهما بخطأ ما يفعلونه لم يجد منهما إجابة سوى هز الرأس على طريقة "خليك في حالك مالنا ومالك".
وبين الحين والآخر تتعرض مصر لهجمات إعلامية وحملات تشويه بسبب ملف انتهاك حقوق الحيوان، حيث يوجه لها اتهام بالقسوة وعدم مراعاة الحقوق في تعاملها مع تلك المخلوقات، ولعل هذا ما دعا الأزهر الشريف لإصدار فتويين جديدتين تدعوان للرفق بالحيوان، تحرم الأولي تعذيب الحيوان عند نقله من مكان لآخر، وتشدد الثانية علي ضرورة تنظيم عملية الذبح في المجازر.
وذكرت الفتوى الأولي التي تحمل توقيع الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر، «إن التعامل مع الحيوان يجب أن يكون قائما علي الرحمة في كل الحالات، وأن هناك شروطا لنقل الحيوانات من مكان إلي آخر لضمان سلامتها ومنع تعذيبها أو تهديد حياتها أو إصابتها بالأمراض المعدية للإنسان أو غيره»،
بينما جاء في الفتوى الثانية «أن هناك معايير مشددة للذبح منها الاهتمام ب(حد شفرة الذبح) السكين حتي لا يتألم الحيوان»، مستدلة بحديث النبي صلي الله عليه وسلم «إن الله كتب الإحسان في كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته».
وأضافت الفتوى: «أن الإمام علي بن أبي طالب نهي عن ذبح الخراف أمام بعضها أو أي حيوانات أخري، وذلك حتى لا يتأذي شعور الحيوان، وهو ما يعني أن كل عمل ينافي الرفق بالحيوان أو التعامل معه بما لا يناسب الرحمة به عند ذبحه يعد عملا آثما محرما».
كانت الجمعية المصرية لأصدقاء الحيوان قد تقدمت بطلب إلي شيخ الأزهر لإصدار فتوى عن موقف الإسلام من تعذيب الحيوانات أثناء عمليات الذبح والنقل من مكان إلي آخر.
وقال أحمد الشربيني، رئيس الجمعية: «إن الفتوى تستدعي وضع شروط جديدة لاستيراد الحيوانات من الخارج، خاصة السودان وأستراليا، لتتفق معايير نقلها والشريعة الإسلامية وتعليمات المنظمة العالمية للصحة الحيوانية».
وقال الدكتور يوسف ممدوح، رئيس الإدارة المركزية للحجر البيطري: «إنه تم التنبيه علي جميع مستوردي الحيوانات بالالتزام بأن يتم نقل الحيوان علي مراحل، وألا تكون الرحلة مباشرة وتحديد ساعات السير عقب صلاة العصر لتجنب تأثير ارتفاع الحرارة علي صحة الحيوان».
وأوضح الدكتور سامي البساطي، رئيس الجمعية المصرية لعلم الحيوان، أن الفتوى تمهد لوضع معايير لعمليات نقل الحيوانات من المحاجر البيطرية بالمنافذ الحدودية إلي باقي المحافظات، ومنها التزام مستوردي الحيوانات بالحد من ازدحام سيارات نقل الحيوانات للمحافظة عليها وعدم نفوقها، وتشديد الأجهزة البيطرية علي نقل الحيوانات بمختلف المناطق.
في سياق متصل، قالت الحكومة الأسترالية إنها ستسمح باستئناف صادرات الماشية الحية إلي مصر بعد توقف استمر لعامين بسبب بث مشاهد سلبية عن ذبح الحيوانات الحية بطريقة مخالفة لتعاليم الدين الإسلامي ومبادئ الرفق بالحيوان، ووقعت أحداثها في مجزر البساتين بمحافظة القاهرة.
وأكدت الحكومة الأسترالية أنها وضعت شروطا مشددة لاستئناف تصدير الحيوانات إلي مصر، ومنها استخدام مجازر جديدة مبنية خصيصا للحيوانات الأسترالية وتخضع لتفتيش السلطات الأسترالية.
وقال توني بيرك، وزير الزراعة الأسترالي: «إن الحكومتين المصرية والأسترالية وقعتا مذكرات تفاهم تشترط متابعة حركة الماشية الأسترالية المنتجة للألبان من خلال نظام مغلق لا يسمح فيه باستخدام سوي مجزر جديد يقع في ميناء العين السخنة».
وأضاف بيرك: «إن مسئولين ومتخصصين في صناعة الماشية بأستراليا تفقدوا المجزر، وأبدوا رضاهم عن التزامه بالمعايير الدولية للرفق بالحيوان».
وبشكل عام ينظر الإسلام إلى عالم الحيوان إجمالا ًنظرة واقعية ترتكز على أهميته في الحياة ونفعه للإنسان، وتعاونه معه في عمارة الكون واستمرار الحياة، ومن هنا كان الحيوان ملء السمع والبصر في كثير من مجالات الفكر والتشريع الإسلامي، ولا أدل على ذلك من أن عدة سور في القرآن الكريم وضع الله لها العناوين من أسماء الحيوان مثل سورة البقرة، والأنعام، والنحل، والنمل، والعنكبوت، والفيل.
ويعود القرآن بعد ذلك لينص على تكريم الحيوان، وبيان مكانته، وتحديد موقعه إلى جانب الإنسان، فبعد أن بين الله في سورة النحل قدرته في خلق السموات والأرض، وقدرته في خلق الإنسان، أردف ذلك بقوله {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ}.
شاهد الصور : الفكرة الشيطانية تبدأ في الاختمار أولى خطوة نحو التعذيب والجمل الضعيف يشتد صراخه أنا أشد وانت تشد ليس مهما هذا البكاء الأهم اننا نضحك.. ها ها ها