بالسفير يسري القويضي بصفة عامة جاءت أعمال النحت بالمعرض العام في دورته الحالية أقل من المستوى المتوقع, كما أنها لا تعطى صورة حقيقية لما بلغه فن النحت المصري المعاصر, أولا بسبب عدم مشاركة عدد من كبار النحاتين المشهود لهم بالتفوق والبراعة, وثانيا لتواضع مستوى جزء كبير من الأعمال المشاركة هذه المرة. لكن لا يمنع ذلك من وجود أعمال متميزة, تجذب الانتباه, وتستأثر بالإعجاب, ومنها العمل الذي قدمه الفنان الواعد نيثان دوس من حجر الجرانيت الوردي, فشكل لنا السلة, أو القارب, الذي حمل بداخله الرضيع موسى عليه السلام على صفحة النيل, لقد جاء العمل جميلا, كشف عن تمكن الفنان من التعامل مع الجرانيت الصلب, وقدرته على استخراج عملا رقيقا من كتلة صلبة خشنه. وقد جاء اختيار مكان عرضه بوسط القاعة الرئيسية بالدور الأرضي موفقا, مما ساهم في إبراز جمال العمل. وقد ساهم الفنان عبده رمزي بعمل صرحي ضخم من الحديد يصادفك عند المدخل الخارجي للمتحف, وهو عبارة عن سمكه مهوله الحجم صاغها بأسلوب التجميع باللحام الذي اشتهر به, كما قدم عملا آخر منفذا بذات الأسلوب يمثل عازف ربابة وهو يتمايل منتشيا مع اللحن الذي يعزفه. ويلاحظ أن أعمال لحام الحديد كانت معدودة في هذا العرض, ومنها عمل ملفت للفنان أحمد سطوحي, الذي شغل حيزا غير مصمت, وفيه يتداخل شكلين هندسيين احدهما كروي, والآخر مكعب, فأحدث تناغما موسيقيا, متناسقا بينهما. ومن الأعمال الأخرى المميزة المعروضة في الباحة الخارجية, ذلك العمل الذي يتكون من خمسة وجوه مستطيلة رصت متجاورة, نحتها الفنان صلاح الدين عطية من حجر رمادي اللون. وقد حملت تلك الوجوه مسحة فرعونية, في أسلوب تجريدي, عصري, لقد منحنى إحساسا بأني أشاهد خمسة تنويعات مختلفة لوجه أخناتون, وجدير بالإشارة أن منظم العرض الفنان أحمد فؤاد سليم اختار مكان عرض تلك القطعة بحيث يمر الزائر بها قبل دخوله إلى قاعة الباب التي عرضت بها أعمال لم تشاهد من قبل لفناننا العظيم محمود مختار, فأحدث بذلك ربطا موفقا بين فنانين من جيلين متباعدين اشتركا في استلهام تراثنا المصري القديم في أعمالهما. كما ضمت الباحة الخارجية أيضا أعمالا تجريدية ذات مستوى عال, منفذة بخامة الجرانيت الوردي لكل من الفنانين القرنفلي, وهاني فيصل, وأحمد أبو المجد, بالإضافة إلى عمل من الحجر الجيري الأبيض للفنان مجدي السداوى, وعمل للفنان عبده سليم جسد فيه امرأة جالسة, تخيلتها ايزيس رمز مصر الخالدة, وان جاءت في أسلوب سريالي الملامح, ثم أخيرا عمل الفنان عامر عبد الحكيم الذي جسد فيه شخوصا من خامة هشة تحمل كتلا تبدو ثقيلة, فجمع بذلك بين نقيضين, الإحساس بالخفة والوزن في آن واحد. وتوزعت في القاعات الداخلية للمعرض العام باقي الأعمال النحتية والخزفية متوسطة وصغيرة الحجم, وبرز منها أعمال كل من الفنانين, صبحى جرجس بمعدنياته الأنبوبية,و محي الدين حسين بلمسته الخزفية الرقيقة, وطارق زبادى بتمثاله الممشوق الهيئة, ومحمود شكري بعمل حمل رسالة سياسية تعلى من شان السلام, وهو بمثابة ماكت لمشروع نصب تذكاري, ومختار النادى وتمثاله الكلاسيكي لذئب أو كلب يعوى, وعمل جابر حجازي الذي تتزن فيه كتلة تجريدية لجسد انسانى داخل إطار من المعدن, وجلال توفيق وتمثاله الديك المكون من أسلاك وخيوط,, وجمال عبد الناصر وتمثاله لسيدة واقفة بأسلوبه المميز, وعمل سركيس طوسنيان الذي يجمع فيه بين الأسطح الخشنة والأسطح المصقولة اللامعة, والفونس لويس وتكوينه ذي الملامح البيزنطية, وإيهاب الطوخى بعمله التجريدي الرشيق ببساطته, الذي أوحى لي بكلب البحر مستندا إلى صخرة يتأهب للقفز إلى الماء, ورانيا شعلان التي كونت جسما منسابا يقاوم الريح, وسعيد بدر بحجره الهيروغليفي الفرعوني الذي اعتدنا عليه, وشعبان عباس وإنسانه المتكور على نفسه في الأرض, وهاني السيد وتجريده لجسد ملتوي, ويوسف عبدا لله بتمثاله الخشبي الرشيق المتوازن. ولا أستطيع أن أختم حديثي هذا دون الإشارة إلى درة العرض العام, والتي تمثلت في خبيئة مختار, والتي افرد لها قاعة منفصلة حوت دراسات للفنان, وأفكار لمشاريع قام بالإعداد لها, ونماذج جصية لأعمال نفذها, وجاء عرضها في تنسيق متحفي تلاءم مع الجلال والسحر الذي يحوطها.