فنان يحاول البحث عن الوطن, ربما يكون بالقرب منه, أو بعيدا عنه أو مر بجانبه ولا يشعر به؛ ربما يكتشف حقيقته الجميلة, أو شيئا أقل من الحقيقة, فهو في رحلة بحث عن الوطن المعنوي الذي يشعره بالاستمتاع في البحث عنه ويكون سببا في استمرارية العمل. هو الفنان إبراهيم سعد الذي اشترك في تجربته الأخيرة مع الفنانة الإنجليزية جولي أكسنفورث في معرضهم بأتيلية القاهرة تحت عنوان "الانتظار في البيض". المعرض يبين العمل الجديد للفنان القاهري إبراهيم سعد ووسائل خلط المفاهيم مع الفنانة جولي أكسنفورث من شمال شرق إنجلترا التي تقيم و تعمل بالقاهرة حاليا. ا يقدم سعد أعمالا رسم وتصوير بينما تقدم جولي عمل في الفراغ, وهذا المعرض نتاج ورشة العمل التي قاما بها الفنانان في القاهرة, وقد أتفق الفنانان على عرض أعمالهم بأتيلية القاهرة لأنه يقع في بيئة شعبية مزدحمة, مما تعكس على العمل الفني انسجامات وتجانسات, كما أن ممارستان لفنانان مختلفان تسقط إيقاع العمل الفني و ارتباطه بالمجتمع الخارجي, مما يجعل العمل والمكان في انسجام وترابط. يقول الفنان سعد أنهما أرادا أن يعملا على الانتظار المجرد دون تحميله حالة معينة, فكان على المتلقي أن يأتي بثقافته وتاريخه وانفعالاته اليومية لكي يتفاعل مع العمل, ويحمله حالة الانتظار التي يمكن أن تكون حالة حب, حزن, ضيق, كرة, غضب حسب انفعاله. أما عن اختيارهم للون الأبيض فيقول سعد: "اخترنا اللون الأبيض لأنه أحد الألوان الحيادية, التي تكتسب اللون من مظهر الإضاءة فيتلون, كما أن الأبيض لو وقعت علية أي بقعة لونية فتظهر, وهذا اللون افتراضيا ينشأ حالة حوار فيما بين الكتلة والفراغ, كما يكون تبادل درامي في بطولة العمل الفني إن كان الأبيض هو البطل الرئيسي في بعض الأعمال". اكتشف الفنان في عمله مع فنانة أجنبية أن الفن عندما تغلب عليه حالة إنسانية قريبة جدا من الإنسان, فهذه الحالة تصل سريعا للمتلقي, فالفنانة جولي عملها قائم على "العمل في الفراغ", فهي تعمل على الكتلة التي تتوسط الغرفة, والتفاعل بين هذه الكتلة وفراغ الغرفة, فالعمل كان أقرب إلى حالة انتظار تنبض بالسكون. من أعمال الفنان إبراهيم سعد كما أن الفنانة قدمت عملا آخر في قاعة أخرى هو دعوة للانتظار والاجتماع بين الناس لإقامة حوارا فيما بينهم حتى لو اختلف اللون أو الشكل, أو اللغة, أو الدين, أو السياسة. استخدمت جولى الألوان والخامات الفنية البسيطة من تجار محليين لخُلط العمل الفني المفاهيمي, بينما يدمج الفنان إبراهيم سعد الرسومات والصور لإنتاج عمل فني يجسد اهتمامهم المشترك في التعليق و ديناميكا الفضاء. فمن أهم النواتج التي توصل إليها الفنان في عمله مع جولي أن الإنسان واحد إذا أختلف زمانه ومكانه, ففي النهاية هو إنسان عليه حقوق أهمها الحق في الحياة, والحب, وهو أن يكون محبوب بين الناس في الشارع , المنزل, بين المجتمع. يقول الفنان على فكرة العمل: "إذا كنت مبدع فساعات التفكير في فكرة العمل تكون مجهدة جدا, لكن في تنفيذها تجد بساطة شديدة جدا. بالنسبة لعملي عندما كنت أعمل كان يعنيني الحوار القائم بين الكتلة المرسومة في الأبيض والفراغ, ومدى التأثير على المتلقي في شفافية اللون والكثافة, إضافة إلى ذلك إحساس الخط هل سيكون حالة حب؟, كما أنني لعبت على الزمن أيضا وهي لحظة الانتظار". هذه التجربة استغرقت عاما كاملا يعمل فيه الفنانان, وهذا بعد أن التقيا في جاليري تاون هاوس وحدث بينهم حوارا لهذا العمل, وهو العمل على حالة الانتظار. حالة الانتظار في الأبيض هنا هي واقع افتراضي أو حالة رومانسية لا يمكن تطبيقها في الواقع الإنساني, فالفنان يدعو كل من يشاهد المعرض أن يدخل لدية ثم ينتظر, بل ويبحث عنه داخله ويردد معه: أنا لن أعود إلى وطني الذي نفيت منه فالأقل وداعا لكل العواطف وكل الخيول وعرباتها ولسباق الحواجز وداعا للسليفيوم وأوراقه وعصيره العجيب رواية العشاق التعساء - السليفيوم هو نبات أخضر باللغة اللاتينية القديمة-
وينهي الفنان حديثه معنا بهذه الكلمات: "الانتظار بمعناه المجرد. أدعو كل من يشاهد هذا العمل. أن ينتظر. و هذا يكفى. أنتظر حالة حدوث الحركة أو سماع الصوت الناتج عنها أو الحديث المتبادل بين الكتلة و الفراغ و تبادل الدور بينهم على مستوى بطولة العمل الفني وبعدها أسأل نفسك ؟ هل تنتظر؟.