افتتح المعرض العام الثالث والثلاثون 2010 بقاعة قصر الفنون بدار الأوبرا يشارك فيه حوالي321 فنانا ليقل عدد الفنانين المشاركين بالمقارنة بالعام الماضي 2009 بواقع 140 فنانا تقريبا لم يشاركوا هذا العام وهذا يضعنا أمام سؤالين هما: لماذا هذا التقلص المفاجئ؟ومن المسئول عن هذا الفراغ؟ كالعادة يحتل التصوير الكم الأكبر من الفنانين ليصل عدد المشاركين فيه 135 فنانا (بخلاف العام الماضي حيث شارك 221 فنانا) يليه في مجال النحت 64 فنانا وهم نخبة ممتازة بلا استثناء ويليه التصوير الضوئي 36 فنانا، الكمبيوتر جرافيك 8 فنانين ثم الخط العربي 6 فنانين والفن الفطري 5 فنانين والفيديو آرت3 فنانين يليه التجهيز في الفراغ 2 فقط وأمام ساحة القصر الخارجية تلتقي أعين المتلقي أو تصطدم بسوء عملية تنسيق الأعمال ومعظمها نحت وأعمال حديد مركب نراها متراصة بشكل يدعو للابتسام. حيث تستند معظمها إلي أعمدة المدخل بحيث لا تري سوي الواجهة الأمامية للعمل باستثناء تمثال ثاثان دوس الطائر، حيث يتوسط الأشكال المعروضة وبجواره عمل آخر لنفس الفنان يتخذ منحني تجريديا فلا توجد علاقة بين الشكلين من حيث مستوي الرؤية والحجم وبالنسبة لباقي الأعمال فمن المفروض في عروض النحت أهمية توافر عنصر الفراغ حول العمل ليتسني للمتلقي رؤية العمل كاملا من جميع جوانبه لأن طريقة عرض الكتلة تختلف عن طريقة عرض المسطح وكانت مفاجأة أن أري عمل الفنان ضاحي عارف وهو تمثال صب بحجم كبير والمعروف أن ضاحي يصب أعمال النحاتين ولديه خبرة في هذا المجال. والتنسيق العام يفتقد الخبرة رحم الله الفنان أحمد فؤاد سليم ويعرض الفنان محمد شاكر جداريتين في نفس المكان استخدم فيها أشكال البحر والأحجار الصغيرة مختلفة الحجم مضيفا إليها أجزاء من بقايا جدار تحمل عناصر زخرفية وفكرة الدائرة من خلال أشكال الحجارة الدائرية والزخارف ذات الخطوط المنحنية تؤكد علي فلسفته الروحانية وعلاقته بالكون واللانهائية مستخدما أكاسيد لونية لينشئ علاقة جديدة بين الشكل واللون والطبيعة. وفي مدخل القصر تلتقي العين بثنائية محمود المينسي والعمل التجميعي المركب بخبرة يثبت بها محمود مع مرور الوقت أنه أستاذ التركيب والعمل المركب وفي الداخل نري أعمال التصوير وبعض أعمال النحت والخزف ولفتت نظري أعمال الفنانة النشطة هويدا السباعي التي تتمرد علي ألوانها الساكنة دون التخلي عن الأبيض والأسود لتؤكد علي وجودها باللون الأحمر الساخن الذي يعلن عن رغبتها في الحياة والتغيير وهو حالة وجودية ويعرض الفنان عادل السيوي لوحة دائرية ذات إطار دائري يمكث بداخلها ذلك الإنسان بلا ملامح مستخدما قماشا خشناً يساهم في الحصول علي تأثيرات متناغمة تتفق مع طبيعة الألوان المستخدمة ومن المصادفات الفنية أن يعرض الفنان د. مصطفي الرزاز لوحة دائرية في نفس القاعة وفيما بعد وجدت أن فكرة الدائرة وارتباطها بمفهوم الكون والزمن والحركة يكاد يشمل معظم الأعمال ويتضح ذلك في أعمال فناني الخزف، كما في عمل الفنان إبراهيم سعيد وتشاركه فلسفة الدائرة الفنانة أماني فوزي في عمل يجمع بين أكثر من آنية في أوضاع ظاهرية ومقلوبة ومزدوجة والفنان أسامة محمود وأشكاله الدائرية المفرغة من خلال تفريعات هندسية تبرز تجويف الشكل وأثناء تجوالي في القصرفوجئت أنه لا توجد أي إضاءة صناعية في الممرات والسراديب التي لا يصل إليها ضوء النهار، فحاولت بصعوبة أن أتمعن في بعض الأعمال ومن بينها عمل الفنان إبراهيم العطار وأقول له إن عمل العام الماضي أفضل طبعا رأيت في العمل مناطق الضوء فقط خاصة أنه يستخدم الألوان الداكنة ولولا اني قد رأيت اللوحة من قبل لما حاولت التحدث عنها. ولفت نظري عمل الفنانة الهاوية نسمة يوسف وكان عملها يجاور الفنان الجميل يسري القويضي ومن الفنانين الزملاء في القطاع المشاركين هذا العام أيضا الفنان سعيد كمال والفنان أحمد عبدالفتاح في التصوير، ومن فناني «الموزاييك» خالد سامي ويأتي الفنان حسني غنيم الذي تحمل أعماله حسا صوفيا روحانيا وهو يعمل بشكل متطور يشمل التصميم واللون الذي تحول إلي الساخن محتفظا بعنصر الدائرة والشكل الهرمي داخل الإطار المربع لتنفرد أعماله بحس تجريدي هندسي. والفنان د. أحمد نوار يعرض عملين من معرضه الأخير يفوقان محاولة الكلام عنهما والفنان عبدالوهاب عبدالمحسن عرض في مجال الرسم ليبرز بلاغة وجبروت القلم الرصاص في خطوط متوازية في اتجاهات متقاطعة أحيانا بدرجات رصاصية متناغمة مع هذه التقاطعات لتفصح عن انفعالات الفنان بحس تجريدي يؤكد علي أن القلم والفرشاة مجرد أدوات يحركها الموهبة والانفعال الصادق للفنان. ويفاجئنا الفنان د. فاروق وهبة بحسه الرائع في بورتريه إنساني يبرز موهبته التي أحيانا لا يراها المتلقي العادي في أعماله الفنية المركبة، ويعرض الفنان جميل شفيق عملا واحدا في مجال الرسم بالقلم الرصاص وهو وأعماله في غني عن القول فهو حقا فنان جميل ومن ضمن المفاجآت لوحات الشاعر والأديب أحمد الشهاوي بألوان مائية علي ورق خشن الملمس لأجد نفسي أمام فنان واع استبدل القلم الرفيع الذي يكتب بين أزقة السطور الضيقة بالفرشاة الغليظة التي لا تعرف حدودا فتختزل كل هذه السطور في لون واحد وهي تجربة جميلة. ونأتي للزعيم أحمد وأنصحه التريث في استعمال اللون والبعد عن اللامبالاة ويأخذ التصوير ببعض الجدية فهو يملك مقومات الفنان والفنان حسام سكر يقوم بعمل كل الأشياء في وقت واحد وهذا يتضح في خطوطه وألوانه المتقاطعة والصاخبة والقلقة وعمله في العام الماضي كان أكثر ثراء من هذا العام. والفنان شاكر الادريسي أيضا عمله في العام الماضي بالأبيض والأسود يفوق لوحاته هذا العام التي مازالت تحمل تأثير «شاجال» والفنانة ثناء عز الدين عرضت معلقة جميلة بأسلوب حداثي يجمع بين الصورة والرسم «الكولاج» مع الشكل الزخرفي المطبوع والفنانة إيمان أسامة لأعمالها خصوصية تنطوي علي فكر المرأة المتحد مع مفهوم الجسد. والفنانة الصاعدة إيناس هندي أعمالها تحمل حسا فوتوغرافيا في لقطة تحمل تمرد الأنثي من معاناة كونها أنثي تقف دائما خلف المشربية وأقول لهند حاولي دراسة النسب والجسم جيدا لأن هذه الأخطاء تفسد روح العمل، كما هو واضح في جسم المرأة العاري في لوحاتها، وتحية للجنس الناعم في مجال الخط العربي آمال عبدالعظيم وريهام حسن وقد كان الخطاط قديما «حرفي» ثم تجاوز فئة الحرفي ليصبح في فئة أعلي هي فئة «الفنان». وكان اشتغال النساء بفنون الخط مكروها بسبب موقف ذكوري معادا للنساء ورغم ذلك فقد اشتهرت في التاريخ نساء امتهن الخط مثل «ثناء الكاتبة» والشيخة «زينب» الملقبة بشهدة ابنة الآبري و«فاطمة بنت الحسن» وكثيرات. وفي لحظة سكون عادت بي الذاكرة للوراء محاولة الإجابة عن بعض الأسئلة التي تراودني دائما: أين الفنان من هذا المجتمع؟ وأين هذا المجتمع من هذا العالم؟ فقد شعرت بغربة الأعمال الفنية التي لا يراها سوي أعداد قليلة من البشر، وأتساءل: أين هؤلاء الفنانون أصحاب هذه الأعمال؟ فالخبر قبل الفن أحيانا هل بين هؤلاء «جوجان» عندما ترك زوجته وأطفاله في باريس وهرب إلي جزر كاهيتي أو فان جوخ الذي فقد وظيفته وهو يعلم ما قد يصيبه من جوع وحرمان ولكنه يواجه الواقع بشموخ المنتصر وأتذكر عبارة ديجا «إن حبي الفني لم يترك في قلبي محلا لحب آخر» هل بمقدور الفنان أن يتقوقع داخل ذاته بينما الحياة من حوله تضج بنزيف التلوث والفقر والجهل ؟ هل يشاهد لوحته ويقف موقف المتفرج علي أي منهما علي فنه أم علي واقعه