عقد مؤخرا لجنة فرز الأعمال المقدمة في مسابقة الطلائع السنوية, التي تقيمها جمعية محبي الفنون الجميلة والكائنة بمصر, واستعرضت ما يزيد عن 300 عملا في فروع التصوير الزيتي, والرسم, والحفر, والجرافيك, والنحت, والخزف, والتصوير الضوئي. محيط : رهام محمود بعد المشاورات اختارت اللجنة ما يقرب من مائة وخمسين عملا متميزا ، على أن تنعقد اللجنة الثانية للتحكيم صباح السبت المقبل لاعتماد الأعمال الفائزة، حيث يتم منح ثلاث وعشرين جائزة, الأولي تقدر بأربعة آلاف جنيه, والثانية ثلاثة آلاف جنيه, والثالثة ألفان, إضافة لعشرين جائزة قيمة كل منها خمسمائة جنيه, وجوائز مالية تقدمها جهات متنوعة. تشكلت اللجنة من كل من يحيى ابو حمزة أمينا للجنة ، الناقد الكبير كمال الجويلي, المهندس سامي بشاي, الناقد محمد حمزة, الفنان محمد رزق, د/فاروق إبراهيم, ود/ وفاء إبراهيم. انعقد كذلك مجلس إدارة الجمعية في الاسبوع الماضي لانتخاب رئيسا جديدا بعد رحيل الفنان الكبير صلاح طاهر, حيث وقع الاختيار على الفنان أحمد نوار رئيسا للجمعية والناقد محمد حمزة نائبا له. ومن بين نشاطات الجمعية إقامة العديد من الندوات في إطار الموسم الثقافي الحالي حول إشكالية الفن, ففي محاضرة تحت عنوان "هل إنتهى زمن الرومانسية والفن الجميل؟, محاولة للإجابة". تحدث الناقد الكبير كمال الجويلي عن تطورات الحركة التشكيلية في الأعوام الأخيرة, وظاهرة الابتعاد عن القيم الجمالية في الفن, وممارسة التشكيل بخامات متعددة مثل استخدام أغطية زجاجات المياة الغازية, وبقايا الآلات المختلفة, والحبال والحديد والمسامير, مما ابعد الممارسين عن الإحساس بالقيم الكلاسيكية المتوارثة. ضرب المحاضر أمثلة عديدة منها المشاهد التي أصبحت ترافق صالون الشباب مثل وضع قالب محطم في شكل لافت للانظار, ولكنه خال من أي إضافة فنية, وكذلك إقامة حامل كبير من اعواد الخشب وربطها بعدد من الحبال الغليظة وتعليق أقنعة خزفية حلزونية يداعبها الهواء على أنها عمل فني, وهي خالية من كل ذلك تماما. وقد استعرض المحاضر مدارس الفن المتعددة حيث قال: منذ عصر النهضة من بداية الكلاسيكيات الخالدة وابداعات عباقرة عصر النهضة "ليوناردو دافنشي, رافييل, تيتيان, مايكل أنجلو", واستمر تطور المدارس والمذاهب الفنية المختلفة بظهور الطبيعة, حيث خرج الفنانون من مراسمهم لممارسة الإبداع في أحضان الطبيعة, ثم ظهرت مدارس متعددة مثل التعبيرية, والسوريالية, والتكعيبية إلى أن أنتهى كل ذلك بالتجريدية وأصبح كل فنان يبحث عن اسلوبه الخاص, فقد توقفت المدارس الفنية منذ الستينات من القرن العشرين. وتفرعت رؤى الفنانين في إطار التجريد فأصبح هناك التجريد الموسيقي, والتعبيري, والتجريد المطلق, ومن أبرز فناني هذا الإتجاه في مصر الفنان الراحل مؤخرا صلاح طاهر, حيث عبر في مراحله الأخيرة من خلال التجريد الموسيقي وكان يدافع عن هذا الإتجاه باستمرار. أشار الناقد كمال الجويلي إلى تسلسل أجيال الفنانين المصريين المتمثلة أعمالهم في متحف الفن المصري الحديث بدءا بأحمد صبري, ويوسف كامل, وراغب عياد, والحسين فوزي, إلى الجيل الثاني الذي كان يمثله حسين بيكار وجمال السجيني وغيرهم, وتسلسلت المدارس إلى أن شاع نوعا من الخلط في إطار ما يسمى ما بعد الحداثة. ودعى الناقد في حديثه إلى العودة للطبيعة, وقال: إن هذا التفكك في كيان الحركة التشكيلية يعود بعضه إلى التقصير في تدريس التربية الفنية في المدارس منذ المرحلة الإبتدائية حتى الجامعات. وأضاف الجويلي: ربما كانت المدرسة الإنطباعية التي أرتبطت بنظرية الضوء المستحدثة آخر التوجهات الجمالية في الفن, التي أرتبطت بالرومانسية في الحس والتعبير, وهذه المدرسة تقوم على تصوير لمسات الضوء على أسطح الطبيعة كالأشجار أو الظهور والمياه والصحراء, وليس رسم الأشكال بخطوط متعددة, ومن الملاحظ أن هذا الاتجاه يخلو من الخطوط تماما بل تظهر كومضات من أطراف الفرشاة بألوان متبلورة تؤكد سقوط الضوء على الأشياء وليس رسمها, وكان هذا من سمات الفن الرومانسي الذي بعد عنه الكثير من الفنانين. وأضاف الجويلي ملحوظة هامة وهي ظاهرة القبول في الكليات الفنية من خلال المجموع فقط وليس الموهبة, وكثرة أعداد الطلاب في حيز ضيق حيث لا تستوعب المراسم والمدرجات كل هذه الأعداد الكبيرة, كما لا يتخرج معظم الطلاب بمكتسبات من العملية الدراسية في الفن, وقال مشيرا لعبارة تاريخية وهي "فاقد الشيء لا يعطيه", وكثيرون من ممارسي الفن لم يتعلموا لغة التشكيل, إلى جانب افتقادهم للموهبة. تمت أعقاب الحديث مداخلات متعددة من الحاضرين من بينها: التساؤل حول القومية في الفن "الملامح المصرية", لماذا اختفى هذا الإتجاه والبحث في التراث ونحن أعرق الشعوب تراثا؟ . اتفق الجميع على أهمية تعليم تاريخ الفن في جميع المراحل الدراسية من الإبتدائية حتى الجامعة. وأشار المحاضر قائلا: ربما كانت الإكتشافات العلمية الجديدة في الأعوام الأخيرة التي رفعت شعار "العالم تحول إلى قرية صغيرة" بحكم وسائل الإتصال السريعة, دفعت المواطن إلى النظر للأمور في إطار مادي يكاد يكون كاملا, مما أبعده عن التأمل المرتبط بالحث الرومانسي.