يعتبر العراق واحداً من أكثر بلدان العالم تلوثاً ، وجزء كبير من هذا التلوث يرجع إلى حقول الألغام التي زرعت منذً ثمانينات القرن الماضي خلال حرب العراق مع إيران وتلك التي زرعت خلال النزاعات عامي 1991 و2003 وأعمال العنف الجارية حاليا وترتبت على كل ذلك عواقب مدمرة في كثير من الأحيان بالنسبة للمدنيين وعرقلت التنمية .
وتأخذ مدينة البصرة النصيب الأوفر من ذلك التلوث ، حيث أشار مسئولون حكوميون وخبراء عاملون في هيئات ومنظمات دولية إلى أن كل مواطن في البصرة مهدد بمخاطر أربعة ألغام على اقل تقدير ، لاحتوائها على ثلث حقول الألغام المزروعة في العراق والبالغة 25 مليون لغم ، وبذلك تشكل الألغام خطراً حقيقياً على حياة مواطني محافظة البصرة جنوب العراق .
178 قرية غير صالحة للسكن وقال الخبير فيصل كزار ضابط متقاعد برتبة عميد :" إن المنظمات الدولية توصلت إلى تحديد حقول ألغام وقنابل غير منفلقة في 2057 منطقة ، منها 96 قرية تنتشر فيها مخلفات الحروب بشكل خطير و178 قرية غير صالحة للسكن في الوقت الحاضر من مجموع 622 قرية تنتشر فيها حقول الألغام وبمساحة 177 كيلومترا مربعا ". وأشار كزار إلى أن أكثر المناطق كثافة بالألغام هي المزروعة في محافظة البصرة ، التي تشكل ثلث حقول العراق والمنتشرة بمناطق أبو الخصيب والفاو والمدينة والبرجسية والرميلة والشلامجة والبادية الجنوبية وصفوان وتحديد 13 قرية في قضاء شط العرب، باعتبارها من أكثر حقول الألغام خطورة ". البصرة أكبر مزرعة للألغام ألغام ومن جانبه ، قال إياد الكنعان رئيس منظمة إزالة الألغام في الجنوب :" إن البصرة تعد اكبر مزرعة لحقول الألغام، ينتشر فيها ما يقارب ثلث مجموع الألغام المزروعة " . وأكد الكنعان أن بعض تلك الألغام أودى بحياة وإصابة ما يقارب ال 4500 مواطن في منطقتي أبي الخصيب والزبير لوحدهما ، وذلك وفقاً لما ورد بجريدة " الشرق الاوسط " . ومن جهة اخرى ، وصف العميد رعد الشيخلي مدير الدفاع المدني في المحافظة، البصرة بمدينة الألغام ، قائلاً :" إن كثافة الألغام واتساع حقولها يحتاج إلى شركات متخصصة تعمل لسنوات طويلة كي تستطيع تنظيف قاطع البصرة ". وأضاف الشيخلي قائلاً :" إن أجهزة الدفاع المدني مستمرة برفع وإبطال مفعول الألغام والقذائف غير المنفلقة ، التي يتم الإخبار عنها من قبل الأهالي وإن التعامل مع الألغام يتطلب مهارة عالية ودقة وتحسبا ، ورغم ذلك انفجرت أعداد منها أثناء عمليات رفعها، ما أدى الى استشهاد العديد من رجال الدفاع المدني". وأوضح الشيخلي أن المشكلة الحقيقية في حقول الألغام تكمن في عدم معرفة حدود الحقل وان كان البعض منها مسيجا ، لكن الألغام ومرور فترة طويلة على زراعتها دائمة التغير نتيجة العوامل الطبيعية، ومن أشهرها ألغام الفالمارا والقفاز والعنكبوت وأبو السلك . وكشف الشيخ حامد ماجد الفواز من مشايخ البادية الجنوبية عن معاناة أبناء البادية من الألغام المزروعة في مناطقهم، التي أودت بحياة أكثر من 600 شخص، إضافة إلى نفوق أعداد كبيرة من مواشي. القرب من الحدود قرب البصرة من الحدود ويعود تركيز الألغام في البصرة الى قربها من الحدود، مما حولها الى جزء من ساحة العمليات العسكرية في الحرب مع ايران، حتى باتت ضواحيها الشرقية اكبر حقول للألغام زرعتها قوات النظام السابق لإغلاق بوابات المدينة، خشية من احتلالها من قبل القوات الإيرانية. كما زرعت تلك القوات وقتذاك حقولا جديدة في أطراف المدينةالجنوبية والغربية ومنافذها البحرية قبيل حربي الخليج الثانية والثالثة ، بهدف إعاقة تقدم وإيقاع الخسائر بين قوات التحالف القادمة إلى اجتياح العراق من حدوده الجنوبية.
هدم البنية التحتية
وأكدت تقارير ودراسات صادرة من منظمات دولية تعنى بضحايا الالغام أن مشاريع البنى التحتية واعمال التنقيب عن النفط في مناطق عديدة من العراق تصطدم بحاجز تلوث تلك المناطق بالمتفجرات من مخلفات الحرب . وأوضح ديفيد شيرر منسق الشئون الإنسانية في بعثة الاممالمتحدة لمساعدة العراق " يونامي " أن التلوث الشديد نتيجة للألغام الأرضية له العديد من الآثار المختلفة ، ففضلاً عن الأضرار التي تحدثها للاشخاص العاديين فهناك آثار على التطوير الاقتصادي للبلاد وهو ما دفع الى زيادة الجهود للحد من الأضرار التي تسببها الالغام وعلاج ضحاياها . وأكد المسئول الأممي أن أنشطة وبرامج تطهير ومعالجة مناطق ومدن العراق الملوثة بالاعتدة والذخائر الحربية الصغيرة تشكل اولوية خلال العام الحالي.
وبدأت الحكومة العراقية والجهات المعنية حملة لإزالة الالغام بعد ان تم وضع خارطة من قبل خبراء في المساحة والهندسة العسكرية، أضافة إلى مهندسين جيولوجيين وبدعم من بعثة الاممالمتحدة العاملة في العراق. وأكد المهندس عيسى الأعرجي المسئول بمركز التقنيات والمعلومات في وزارة البيئة أن جهوداً دولية ومحلية واقليمية تبذل من اجل وضع برنامج لمعالجة هذه المشكلة ، كاشفاً إستراتيجية وضعت من قبل اطراف دولية عدة لمساعدة بلاده في التخلص من الالغام. ويعكف عشرات الخبراء والمختصين بازالة الالغام ومخلفات الحروب الآن وفي مناطق متفرقة من العراق على تنفيذ ما ورد في الاتفاقيات التي عقدتها الحكومة العراقية مع اطراف دولية وتضمنتها خريطة العمل الحالية لإزالة وتخليص العراقيين من تلك المدمرات البشرية.