داود الفرحان في عام 1970 نظمت وزارة الاعلام العراقية زيارة للمراسلين العرب والأجانب الي مدينتي السليمانية وأربيل شمالي العراق لمناسبة توقيع بيان 11 مارس للحكم الذاتي للاكراد. وفوجئنا بان الطائرة الهيليكوبتر التي أقلتنا الي المنطقة كانت واحدة من طائرتين متشابهتين، مع وجود فارق واحد في الطائرة الأخري عن طائرتنا، وهو وجود صدام حسين شخصياً فيها! وتبين فيما بعد إن مهمتنا كانت تغطية زيارة صدام، وكان نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة في حينه. إلا ان المفاجأة الثانية كانت إكتشاف المسئولين ان الدائرة المحددة لهبوط الطائرتين في إحدي المزارع القريبة من سد "دوكان" وسط الجبال كانت مليئة بالالغام الارضية التي كان الاكراد قد زرعوها لأعاقة تقدم الجيش العراقي خلال سنوات التمرد الكردي في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. ولا أعرف كيف تم إكتشاف الألغام، إلا ان مسئولاً عسكرياً قال لي بعد إنتهاء الزيارة ان طائرة صدام كانت مزودة بأجهزة لكشف المتفجرات علي الأرض! ولولا ذلك لحدثت مجزرة وتغير وجه تاريخ المنطقة ولما كان بامكاني ان أسرد هذه الحادثة! وبعد الحادثة، التي لم تقع، بساعتين كنا نتناول طعام الغداء علي ضفاف بحيرة "دوكان"، وكان صدام يقف أمام "صينية" قوزي مشتركة ويأكل بيده بينما أقف أنا أمامه مباشرة أأكل بالملعقة! ومنذ تلك الحادثة إمتلأت أراضي العراق بالألغام المزروعة والقنابل غير المتفجرة التي يقدر عددها بالملايين. وذهب ضحية هذه الأسلحة الفتاكة مئات الأطفال والنساء وخاصة من رعاة الأغنام سواء في شمالي أو جنوبي العراق. فبالاضافة الي الحرب العراقية الايرانية التي إستمرت ثماني سنوات وحرب الكويت في عام 1991 ثم حرب الاحتلال الامريكي في عام 2003 شهدت الاراضي العراقية أسلحة مدمرة أخري هي إشعاعات اليورانيوم المستخدم في القذائف والدبابات وبعض الدروع والأسلحة الأخري التي تسببت في أمراض سرطانية غريبة وتشوهات جنينية بدأت تنتقل من جيل الي آخر. وقد هبّت الأممالمتحدة ومنظماتها الدولية الي حملة واسعة لنزع هذه الالغام ومعالجة ما يسمي بالارض المحروقة. وللحقيقة فان بعض هذه الالغام وضعه الجيش العراقي في المناطق الحرام الفاصلة بين العراق وإيران. وكانت القوات الايرانية تلجأ الي الأطفال والحمير لتفجير الألغام أمام قواتها المسلحة، وهو أمر يؤكد وحشية النظام الايراني سواء في التعامل مع البشر أو الحيوان! وآخر الأخبار ان العراق لن يستطيع أن يفي بالموعد المحدد لتطهير جميع الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة بحلول عام 2018. وكان العراق قد وضع لنفسه هذا الهدف عام 2008 عندما انضم إلي اتفاقية أوتاوا التي التزم بموجبها بعدم استخدام أو إنتاج أو حيازة أو تصدير الألغام الأرضية. لقد رسم العراق خرائط مفصلة للمناطق الملوثة بالألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة، ولكن وفقاً لمسئول حكومي، من المرجح ألاّ يتم تطهير تلك المناطق في الموعد المحدد بحلول عام 2018. وأفاد بأن عدم وجود خرائط مفصلة للألغام الأرضية يمثّل أحد المشكلات الرئيسية، نتيجة لحل منظومة الجيش العراقي السابق بعد الاحتلال الامريكي. وأول المحافظات التي سيتم فيها رسم خريطة للألغام هي محافظة ذي قار التي تبعد 400 كيلومتر جنوب بغداد، حيث تم التأكد من أن مساحة 98 كيلومتراً مربعاً في المنطقة تعد منطقة خطرة. وسيستمر الخبراء بالعمل خلال هذا العام في المحافظات الجنوبية الأكثر تلوثاً مثل البصرة وميسان والمثني وواسط، وهي محازية للحدود السعودية والكويتية والايرانية وتمثل 80 بالمائة تقريباً من المناطق الملوثة علي مستوي العراق. وتعتبر المنطقة الممتدة لمئات الكيلومترات علي الحدود مع إيران أكبر المناطق تلوثاً بالألغام. كما تنتشر كميات كبيرة من الذخائر غير المنفجرة في جميع أنحاء المدن. ووفقاً لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي، يعد العراق الآن أحد أكثر البلدان تلوثاً بالألغام في العالم، حيث تغطي الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة مساحة 1730 كيلومتراً مربعاً فيه. وتسبب تلك الألغام أضراراً لحوالي 1.6 مليون عراقي في 1600 مجتمع محلي، وهي مأساة حقيقية لان ضحاياها في معظم الأحيان أطفال. واذا إستمر التلكؤ والبطء في معالجة هذه المخاطر المطمورة فان الأمر قد يحتاج الي 25 سنة أخري قبل تطهير الاراضي العراقية.. هذا اذا لم تحدث حرب أخري!