ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول عام 571 ميلادية ، وفيه بعث وعرج به إلى السماء وفيه هاجر وفيه مات، ولهذا كان ليوم مولده صلى الله عليه وسلم قدسية خاصة لدى المؤمنين، الذين يرون الاحتفال به وإدخال السرور علي الناس فيه من أهم مظاهر الفرحة بمولده الكريم. ومع اختلاف الرؤى ما بين القديم والحديث، إلا أن الجميع اتفق علي أن الاحتفاء بميلاد سيد الخلق من الضروريات التي تعيد للأذهان السنة النبوية العطرة، فى ظل انشغال النفس البشرية بالكثير من مظاهر الدنيا الفانية، وذلك بشرط الابتعاد عن الحرمات والبدع. إنكار البدع ولانتشار البدع في الموالد أنكرها العلماء ، حتى أنكروا أصل إقامة المولد ، ومنهم الفقيه المالكي تاج الدين عمر بن على اللخمي الإِسكندرى المعروف بالفاكهاني ، فكتب في ذلك رسالته " المورد في الكلام على المولد". وقال الشيخ محمد الفاضل بن عاشور: وأتى القرن التاسع والناس بين مجيز ومانع ، واستحسنه السيوطي وابن حجر العسقلاني ، وابن حجر الهيتمي، مع إنكارهم لما لصق به من البدع ، ورأيهم مستمد من آية { وذكِّرهم بأيام الله } سورة إبراهيم : 5. وأخرج النسائي وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند ، والبيهقى فى شعب الإِيمان عن أبى بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر الأيام بنعم الله وآلائه وولادة النبي نعمة كبرى. وفى صحيح مسلم عن أبى قتادة الأنصاري قال : وسئل - النبي صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم الاثنين فقال " ذاك يوم ولدت فيه ، ويوم بعثت أو أُنزل علىَّ فيه " روى عن جابر وابن عباس، فالرسول صلى الله عليه وسلم نص على أن يوم ولادته له مزية على بقية الأيام ، وللمؤمن أن يطمع في تعظيم أجره بموافقته ليوم فيه بركة ، وتفضيل العمل بمصادفته لأوقات الامتنان الإِلهي معلوم قطعا من الشريعة، ولذا يكون الاحتفال بذلك اليوم ، وشكر الله على نعمته علينا بولادة النبي وهدايتنا لشريعته مما تقره الأصول ، لكن بشرط ألا يتخذ له رسم مخصوص ، بل ينشر المسلم البشر فيما حوله ، ويتقرب إلى الله بما شرعه ، ويعرِّف الناس بما فيه من فضل ، ولا يخرج بذلك إلى ما هو محرم شرعا. يجوز ويقول الشيخ عطية صقر "يجوز الاحتفال بموالد الأولياء ، حبًّا لهم واقتداء بسيرهم ، مع البعد عن كل المحرمات من الاختلاط المريب بين الرجال والنساء ، وانتهاز الفرص لمزاولة أعمال غير مشروعة من أكل أو شرب أو مسابقة أو لهو، ومن عدم احترام بيوت اللّه ومن بدع زيارة القبور والتوسل بها ، ومن كل ما لا يتفق مع الدين ويتنافى مع الآداب، فإذا غلبت هذه المخالفات كان من الخير منع الاحتفالات درءًا للمفسدة كما تدل عليه أصول التشريع، وإذا زادت الإِيجابيات والمنافع المشروعة فلا مانع من إقامة هذه الاحتفالات مع التوعية والمراقبة لمنع السلبيات أو الحد منها بقدر المستطاع". عذاب "أبي لهب" يقول الزرقاني في شرح المواهب للقسطلاني : إن ابن الجزري الإمام في القراءات والمتوفى سنة 833 ه علَّق على خبر أبى لهب الذي رواه البخاري وغيره عندما فرح بمولد الرسول وأعتق " ثويبة" جاريته لتبشيرها له ، فخفف الله عقابه وهو في جهنم فقال : إذا كان هذا الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة المولد فما حال المسلم الموحد من أمته حين يُسرُّ بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته فى محبته. وفي ذلك ينشد الحافظ شمس الدين محمد بن ناصر : إذا كان هذا كافرا جاء ذمه .. وتبَّت يداه في الجحيم مخلدا أتى أنه في يوم الاثنين دائما .. يخفف عنه للسرور بأحمدا فما الظن بالعبد الذي كان عمره .. بأحمد مسرورا ومات موحدا؟ شرك بالله تعالى ! وعلي النقيض، أكد عضو السلفية الجهادية "مرجان سالم الجوهرى" في فترات سابقة لإحدى الفضائيات إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف "شرك بالله تعالى"، وشريعة الإسلام تخالفه، مؤكداً أنه بدعة أدخلها الفاطميون لمصر، وهم مجموعة من الشيعة "الأثنى عشرية". وأضاف أن الإسلام لم يكن يعرف شيئاً اسمه الاحتفال بالمولد النبوي، وكلها أمور ابتدعها أعداء الدين الإسلامي، والرسول الكريم نفسه أمرنا بألا نحتفل إلا بعيدين فقط "الفطر والأضحى". وأمرت السلفية الجهادية بتحطيم جميع الأشكال المجسمة، التي ابتدعت للاحتفال بالمولد النبوى، من عرائس وأحصنة، لافتاً إلى أن مثل هذه الأشكال إذا وجدت بالمنازل تمنع دخول الملائكة، ويحسب أصحاب تلك المنازل من الكفرة، ويخرجون من ملة الإسلام ويجب استتابتهم. الحلوى ليست حراما ونقل عن السلف "أما عادات الأكل (حلوى المولد) فهى مما يدخل تحت قوله تعالى { كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله } البقرة : 172". وحول العرائس المصنوعة من الحلوى، فيرى الغالبية أنها ليست حراما كما أكدت ذلك فتوى لأمانة دار الإفتاء بقولها " يجوز شراء هذه الحلوى وأكلها ولا حرج في ذلك فالاحتفال بالمولد النبوي والاحتفاء به بشراء الحلوى والتوسعة على الأهل وذكر سيرته العطرة، ومجالس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وما إلى ذلك من مظاهر مندوبة ومباحة جائز شرعا". أما شراء العرائس المنتشرة للأطفال بغرض اللهو، فيقول أحد أئمة دولة الخرطوم "فلا حرج عليك في شراء العرائس ليلهو بها الأطفال سواء أكانت على شكل إنسان أو حيوان؛ لأن الرخصة ثابتة في جواز ذلك؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تلعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لها صواحب يلعبن معها. رواه مسلم، وروى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عند عائشة رضي الله عنها فرساً وله جناحان من رقاع فقال لها: ما هذا؟ قالت: فرس. قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان. فقال: فرس له جناحان! قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ قالت: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. المولد والشباب يقول الشيخ عطية صقر "ورأيى أنه لا بأس بذلك في هذا العصر الذي كاد الشباب ينسى فيه دينه وأمجاده ، في غمرة الاحتفالات الأخرى التي كادت تطغى على المناسبات الدينية ، على أن يكون ذلك بالتفقه في السيرة ، وعمل آثار تخلد ذكرى المولد، كبناء مسجد أو معهد أو أي عمل خيري يربط من يشاهده برسول اللّه وسيرته. الشعراوي يجيز وقال الشيخ محمد متولي الشعراوي في كتابه "مائدة الفكر الإسلامي" ص(295): "إذا كان بنو البشر فرحين بمجيئه لهذا العالم، وكذلك المخلوقات الجامدة فرحة لمولده، وكل النباتات فرحة لمولده، وكل الحيوانات فرحة لمولده، وكل الجن فرحة لمولده؛ فلماذا تمنعونا من الفرح بمولده ؟!" . لا يجوز وقال الشيخ عبد العزيز بن باز أن حب النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون بالموالد وإقامتها، وإنما حبه صلى الله عليه وسلم يقتضي إتباعه والتمسك بشريعته، والدعوة إليها، والاستقامة عليها، هذا هو الحب الصادق، كما قال الله عز وجل: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[1]، فحب الله ورسوله ليس بالموالد ولا بالبدع. ولكن حب الله ورسوله يكون بطاعة الله ورسوله وبالاستقامة على شريعة الله، وبالجهاد في سبيل الله، وبالدعوة إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمها، والإنكار على من خالفها، هكذا يكون حب الله سبحانه وحب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكون بالتأسي به، بأقواله وأعماله، والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام، والدعوة إلى ذلك، هذا هو الحب الصادق الذي يدل عليه العمل الشرعي، والعمل الموافق لشرعه.