حين تخرج في كلية الشرطة عام 1960، لم يكن يدري أن القدر سيقوده إلى مجال آخر لا علاقة له على الإطلاق بمجال تخرجه.. إذ سرعان ما اكتشف بعد 7 سنوات من عمله كضابط شرطة أن هناك "قرارا مصيريا" ينبغي عليه اتخاذه.. وأن هذا القرار قد يغير "دفة" حياته تماما.. لكن المؤكد أن الرجل لم يكن يعلم أن قراره سيلعب دورا بارزا في نبوغه والتحاقه ب"قائمة المشاهير". قبل 77 عاما .. وتحديدا في ديسمبر من عام 1937 خرج ممدوح فؤاد الليثي إلى الحياة، ليحصل على بكالوريس الشرطة عام 1960، ثم على ليسانس الحقوق بعدها من جامعة عين شمس، ويمارس عمله كضابط شرطة على مدار 7 سنوات كاملة. فجأة.. وبدون مقدمات.. يقرر الليثي التمرد على حياة "الميري"، بعد أن ظل يكابد صراعا نفسيا داخليا بين حاسة و"مَلكة" الأديب بنزعاتها "الرومانسية"، و"صرامة" حياة رجل البوليس و"جمود" القانون.. ومن ثم لم يكن غريبا أن يولى وجهه صوب معهد السيناريو، الذي حصل على دبلومه عام 1964. وبعد قرار بهجرة "الميري" إلى المجال الفني والإبداعي، اتجه "الليثي" للعمل بالصحافة وكتابة القصة على صفحات مجلات "روز اليوسف" و"صباح الخير" و"البوليس" وجريدة "الشعب"، كما تدرج في العديد من المناصب، من بينها رئيس قسم السيناريو عام 1967، ومراقب النصوص والسيناريو والإعداد عام 1973، ومراقب للأفلام الدرامية ثم مديرا عاما لأفلام التليفزيون. وفي عام 1982 تقلد السيناريست القدير منصب مدير عام أفلام التليفزيون، ثم رئيس أفلام التليفزيون عام 1985، حتى أصبح مسئول الإنتاج في "ماسبيرو" بعد تقلده منصب رئيس قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون عام 1985، بالإضافة إلي اختياره في ديسمبر 1989 نقيبًا للمهن السينمائية، ورئيسًا لاتحاد النقابات الفنية. قدم الليثي مجموعة من الأعمال في مجال كتابة السيناريو والعمل التليفزيونى، أبرزت قدرته البارعة على اختيار موضوعات تتناول الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع، كما تميز أيضا بقدرته على المزاوجة بين الواقع والرمز.. فأمتع عشاق السينما بعشرات السيناريوهات لأفلام ما زالت محفورة في ذاكرة المشاهد المصري والعربي، وعلى رأسها: ثرثرة فوق النيل، السكرية، الكرنك، المذنبون، الحب تحت المطر، أميرة حبى أنا، لا شىء يهم، امرأة سيئة السمعة، أنا لا أكذب ولكنى أتجمل، استقالة عالمة ذرة، السكرية، الكرنك، المذنبون، ميرامار، سندريلا الشاشة ، معالي الوزير، والطريق إلى إيلات. وسيظل تاريخ الأدب والسينما يذكر لليثي أنه أحد أبرز القلائل الذين نجحوا في تجسيد شخصيات "أديب نوبل" العالمي نجيب محفوظ إلى شخصيات حية على الشاشة، تجسد أحوال وشرائح المجتمع المصري بصدق خلال النصف الأخير من القرن الماضي. أما على الشاشة الصغيرة، فمازال مشاهدو التلفزيون يتذكرون مسلسلات: شرف المهنة، المتهم الرابع، لماذا أقتل، بلا شخصية، تاكسي، جريمة الموسم، الكنز، ضمير أبله حكمت.. فضلا عن 164 فيلماً درامياً تليفزيونياً و600 فيلم تسجيلى، وما يزيد على 1500 ساعة دراما عبارة عن مسلسلات وسهرات. وعلى مدار حياته السينمائية، حصل "فارس السيناريو"على العديد من الجوائز عن كتابة سيناريو وإنتاج بعض الأفلام، من أبرزها سيناريو"فيلم السكرية" عام 1974 وسيناريو "فيلم أميرة حبى أنا" عام 1975 وسيناريو "فيلم المذنبون" عام 1976، وجائزة الدولة التقديرية فى الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام 1992. وفجر أمس الأربعاء، ترجل الفارس عن جواده، ليرحل ممدوح الليثي عن عالمنا عن عمر يناهز 77عاماً، بعد صراع طويل مع المرض، ولتشيع جنازته عقب صلاة الظهر من مسجد مصطفى محمود بالمهندسين وسط دموع تلاميذه ومحبيه.