سأل سائل عن حكمة المولى عز وجل من الزواج بأربع نساء بالتحديد، ولم يكن 3 أو 5 أو 7..، فكان رأي العلماء بدار الإفتاء المصرية ما يلي. الجواب: ما يمكن أن يجاب به إجمالاً عن حكمة مشروعية أن يجمع الرجل على ذمته بين أربع زوجات لا أكثر.. هو أن يقال: إن الله سبحانه وتعالى لما كان هو خالق الإنسان وخالق كل شيء وهو عالم الغيب والشهادة وعالم ما كان وما سيكون، وهو سبحانه وتعالى الذي ألهم الإنسان الصواب وأودع فيه الفطرة النقية وأسس العقل والفكر والقدرات الذاتية؛ علم سبحانه وتعالى ما يصلح عباده ويستقر به نظام معاشهم فشرعه لهم عونا وهداية، وعلم أيضاً ما لا يستقيم لهم معه صلاح فنهاهم عنه رحمة ولطفاً. ومن ذلك أن قدرات الرجل الأصل الغالب فيها أنها تهيؤه ليتحمل مسؤولية أربع من الزوجات بكامل حقوقهن، وذلك في الحالة الطبيعية ومع مراعاة العدل والمساواة والصحة والوفرة المالية، وما زاد عن ذلك فإما أن يترتب عنه ظلم للرجل وإجحاف به وتحميله ما فوق طاقته؛ وإما يترتب عليه ظلم لزوجاته وإهدار لحقوقهن أو على الأقل إخلال بحقوق بعضهن، ولهذا فمع مشروعية الزواج بأربع نسوة، استثنى الشرع الشريف حالة أن يخاف الرجل عدم العدل بين الزوجات فحينئذ يأمره الشرع بالاقتصار على زوجة واحدة، {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]. والإنسان بطبعه يميل إلى النسل والذرية وأن يكون له عزوة من أبنائه وكثرة من الأهل ومن تربطه بهم صلة قرابة أو نسب، فهذا بجانب أنه يشعر أرباب العائلة الواحدة بالأمان، فيه أيضا تنمية للموارد البشرية واستغلال لطاقة جميع أفراد العائلة في التكافل والتعاضد على مواجهة المخاطر ومصاعب الحياة. ولهذا فلو لم يشرع الزواج إلا بواحدة لكان في ذلك مضادة لفطرة الإنسان، ولا ينبغي أن ينظر للإنسان المخاطب بالشرع الشريف باعتبار ظروف العصر التي نحياها الآن فقط بل باعتباره إنسانا فحسب، أي بحيث تتحقق المصلحة لأكثر أفراد بني الإنسان بهذا التشريع الإلهي في كل زمان ومكان وتحت أي ظرف. يقول العلامة الطاهر بن عاشور في تفسيره [التحرير والتنوير 4/ 226- 227، ط.الدار التونسية للنشر]: «وقد شرع الله تعدد النساء للقادر العادل لمصالح جمة: منها أن في ذلك وسيلة إلى تكثير عدد الأمة بازدياد المواليد فيها، ومنها أن ذلك يعين على كفالة النساء اللائي هن أكثر من الرجال في كل أمة لأن الأنوثة في المواليد أكثر من الذكورة، ولأن الرجال يعرض لهم من أسباب الهلاك في الحروب والشدائد ما لا يعرض للنساء، ولأن النساء أطول أعمارا من الرجال غالبا، بما فطرهن الله عليه، ومنها أن الشريعة قد حرمت الزنا وضيقت في تحريمه لما يجر إليه من الفساد في الأخلاق والأنساب ونظام العائلات، فناسب أن توسع على الناس في تعدد النساء لمن كان من الرجال ميالا للتعدد مجبولا عليه، ومنها قصد الابتعاد عن الطلاق إلا لضرورة. ولم يكن في الشرائع السالفة ولا في الجاهلية حد للزوجات، ولم يثبت أن جاء عيسى عليه السلام بتحديد للتزوج. وأما الانتهاء في التعدد إلى الأربع فقد حاول كثير من العلماء توجيهه فلم يبلغوا إلى غاية مرضية، وأحسب أن حكمته ناظرة إلى نسبة عدد النساء من الرجال في غالب الأحوال، وباعتبار المعدل في التعدد فليس كل رجل يتزوج أربعا، فلنفرض المعدل يكشف عن امرأتين لكل رجل، يدلنا ذلك على أن النساء ضعف الرجال.. وقد أشار إلى هذا ما جاء في «الصحيح» : أنه يكثر النساء في آخر الزمان حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد» اه. ويقول ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين [2/ 64- 65، ط. دارالكتب العلمية] :«فصل الحكمة في قصر الزوجات على أربع دون السريات: وأما قوله: " وقصر عدد المنكوحات على أربع، وأباح ملك اليمين بغير حصر " فهذا من تمام نعمته وكمال شريعته، وموافقتها للحكمة والرحمة والمصلحة، فإن النكاح يراد للوطء وقضاء الوطر، ثم من الناس من يغلب عليه سلطان هذه الشهوة فلا تندفع حاجته بواحدة، فأطلق له ثانية وثالثة ورابعة، وكان هذا العدد موافقا لعدد طباعه وأركانه، وعدد فصول سنته، ولرجوعه إلى الواحدة بعد صبر ثلاث عنها، والثلاث أول مراتب الجمع، وقد علق الشارع بها عدة أحكام، ورخص للمهاجر أن يقيم بعد قضاء نسكه بمكة ثلاثا، وأباح للمسافر أن يمسح على خفيه ثلاثا، وجعل حد الضيافة المستحبة أو الموجبة ثلاثا، وأباح للمرأة أن تحد على غير زوجها ثلاثا، فرحم الضرة بأن جعل غاية انقطاع زوجها عنها ثلاثا ثم يعود؛ فهذا محض الرحمة والحكمة والمصلحة. وأما الإماء فلما كن بمنزلة سائر الأموال من الخيل والعبيد وغيرها لم يكن لقصر المالك على أربعة منهن أو غيرها من العدد معنى؛ فكما ليس في حكمة الله ورحمته أن يقصر السيد على أربعة عبيد أو أربع دواب وثياب ونحوها، فليس في حكمته أن يقصره على أربع إماء، وأيضا فللزوجة حق على الزوج اقتضاه عقد النكاح يجب على الزوج القيام به، فإن شاركها غيرها وجب عليه العدل بينهما؛ فقصر الأزواج على عدد يكون العدل فيه أقرب مما زاد عليه، ومع هذا فلا يستطيعون العدل ولو حرصوا عليه، ولا حق لإمائه عليه في ذلك، ولهذا لا يجب لهن قسم، ولهذا قال تعالى: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم} [النساء: 3] والله أعلم» اه. دار الإفتاء المصرية