أصدر مشروع "كلمة" للترجمة التابع لهيئة أبو ظبى للسياحة والثقافة كتاباً جديداً بعنوان: "تاريخ الدبلوماسية" للمؤلف "جيريمى بلاك"، ونقله إلى العربية د.أحمد على سالم. يقدم هذا الكتاب تلخيصاً موجزاً لتاريخ الدبلوماسية خلال القرون الخمسة الأخيرة، لكن أهم إسهاماته هو تحدى المفهوم المتعارف عليه للدبلوماسية باعتباره بالغ الضيق لأنه يركز فقط على النموذج الغربى فى إقامة سفارات دائمة ومبانى خاصة بالسفارات وبروز الحصانة الدبلوماسية، وهذا المفهوم الضيق هو مجرد واحد من موضوعات هذا الكتاب. إذ تشمل الموضوعات الكبرى فى الكتاب أيضاً تطور الدبلوماسية المهنية فى دبلوماسية القرن العشرين. كما يناقش الكتاب الإمبراطوريات والدبلوماسية، والدبلوماسية المهيمنة، والعلاقة بين الدبلوماسية والنظم الشمولية، ودور كل من المؤسسات عابرة للحدود والمنظمات غير الحكومية. ويؤكد الكتاب على تعقد التطورات بهدف التحذير من الاعتماد المبالغ فيه على نماذج شاملة وجامدة فى التحليل، وذلك فى ظل التحدى الرهيب لكتابة تاريخ يمتد لفترة طويلة من الزمن ولمساحات شاسعة من العالم، إذ يغطى الكتاب على النصف الثانى من الألفية الأخيرة، ليس لأن الحداثة وصلت مع القرن السادس عشر، ولكن – حسب المؤلف – لأن التوسع الأوروبى أدى إلى زيادة كبيرة فى سرعة الاتصال بالمجتمعات البعيدة، مما خلق حاجة أكبر لوظائف الدبلوماسية، وهى جمع المعلومات والتمثيل والتفاوض، وكذلك درجة من التوتر بين هذه الوظائف والأهداف. ويقدم المؤلف العمل الدبلوماسى كمجال متميز من النظم العامة لجمع المعلومات والتمثيل والتفاوض. ومن ثم يختلف مع الرأى القائل بأن الخصائص المميزة للدبلوماسية هى تنفيذ السياسة بأسلوب الإقناع الذى يمارسه الدبلوماسيون المعتمدون، لأنه لا يرى فرقاً واضحاً بين صنع السياسة وتنفيذها، ولا يرى الإقناع أسلوباً وحيداً فى العمل الدبلوماسى، ولا يرى الدبلوماسيين المعتمدين هم وحدهم من يقوم بدور فى ذلك العمل. فالدبلوماسية جانب من جوانب جمع المعلومات، وكذلك التمثيل والتفاوض، وليست الدبلوماسية الأداة الوحيدة لتحقيق أى من هذه المهام. وبالفعل فإن جانباً من تاريخ الدبلوماسية هو بيان مدى إدارة هذه العمليات من خلال أجهزة الدبلوماسية الرسمية، أو تحت سيطرتها. وتشير الممارسة العملية إلى أن هذا المدى ظل محدوداً دائماً. ويسعى هذا الكتاب للدفاع عن أربع أطروحات تمثل كل منها تحدياً للمقولات السائدة فى الأدبيات الغربية عن الدبلوماسية وتاريخها. أولى هذه الأطروحات هى الحاجة لمناقشة الدبلوماسية فى العالم غير الغربى، وعدم الاقتصار على دراسة عناصر الاستمرارية والانقطاع فى الدبلوماسية داخل أوروبا. إذ يرى المؤلف ضرورة تغيير الطريقة التقليدية التى تناقش تاريخ الدبلوماسية بالرجوع إلى تطور الدبلوماسية فى أوروبا حتى صارت تشمل العالم بأسره فى القرن العشرين. فيجب أن نعطى نصيباً عادلاً من الاهتمام بالعالم غير الغربى سواء فيما يتعلق بتاريخ الدبلوماسية فى العالم غير الغربى أو طريقة النظر للدبلوماسية من قبل الدبلوماسيين غير الغربيين. وثانى أطروحات الكتاب الرئيسية هى أن الخصائص المميزة للعمل الدبلوماسى شهدت قدراً من الاستمرارية لا يقل عن قدر التغير الذى شهدته طوال نصف الألفية الأخير. ويمكن ملاحظة مظاهر الاستمرارية جيداً حتى بعد الأحداث التى يقال عادة إنها أحدثت تحولات رئيسية، مثل الثورة الفرنسية. فمثلاً هناك ميل لرؤية العولمة والسياسة العامة والانقسام الأيديولوجى والمنظمات غير الحكومية كمظاهر للعالم الحديث، رغم أن هذه الرؤية مضللة، إذ كانت الدبلوماسية الكنسية مثلاً جزءً من دبلوماسية المنظمات غير الحكومية بالتعريف الواسع فى العصور الوسطى. كما أن الدبلوماسية كانت ولاتزال تخدم المصلحة الوطنية، فهذا أمر مستمد من أعراف المهنة وفكرة وجود خدمة مدنية غير سياسية، وهذا التوجه للدبلوماسية واقع فى معظم الدول، ويمثل استمرارية من العصور السابقة على البيروقراطية وصولاً إلى الاحتراف المهنى فى العمل الدبلوماسى المعاصر. وثالث الأطروحات الأساسية فى الكتاب هى أن مسار التغير فى الدبلوماسية لم يكن تقدمياً على الدوام، بل كان يشهد تحسينات وانتكاسات. فعملية التغيير كانت دائماً تتسم بالفوضى. ولذلك قدم المؤلف الدبلوماسية وفق ترتيب زمنى لكى يكون ممكناً مناقشة التغيرات وتقديم تعليقات نوعية على العمليات الدبلوماسية، كما نظر إلى التاريخ البعيد للدبلوماسية من أجل تجنب المنهج التقليدى القائم على دراسة الموضوع من منظور تقدمية التاريخ. وقد وجد المؤلف ذلك التاريخ البعيد ذا صلة كبيرة بتحقيق ذلك الهدف. ورابع الأطروحات الرئيسية فى الكتاب هى أن الحاجة إلى الدبلوماسية والدبلوماسيين حالياً تزداد ولا تقل، ذلك أن القائلين بتراجع قوة الدولة ينتقدون الوسائل التقليدية لنشاط الدولة، ومنها الدبلوماسية التى باتت تتعرض لتحدٍّ من جانب المساعدات الدولية كشكل مؤسسى لحل المشكلات والتمثيل الوطنى. هذا الحديث عن الدبلوماسية التقليدية تكرر مراراً، ليس من جانب نظرى وحسب، بل فى ظل الضغوط التى تواجهها وزارات الخارجية والدبلوماسيون لإجراء تخفيضات فى ميزانية العمل الدبلوماسى، لاسيما تقليل شبكات التمثيل وبيع مبانى السفارات وخفض النفقات. جيريمى بلاك هو أستاذ التاريخ فى جامعة إكستر بالمملكة المتحدة. حصل على الدرجة الجامعية الأولى (الليسانس) من جامعة كامبريدج، وأتم مرحلة الدراسات العليا بجامعة أكسفورد. عمل مدرساً ثم أستاذاً فى جامعة درهام قبل أن ينتقل لجامعة إكستر عام 1996. ألقى العديد من المحاضرات فى أستراليا وكندا والدنمرك وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ونيوزيلاندا والولايات المتحدة التى عمل فيها أستاذاً زائراً فى جامعات ويست بوينت، وجامعة تكساس المسيحية، وكلية ستيلمان. كان عضواً فى مجلس الجمعية التاريخية الملكية، وهو الآن زميل كبير فى معهد بحوث السياسة الخارجية. كان أو مازال عضواً فى المجالس التحريرية لعدد من الدوريات العلمية، منها مجلة التاريخ العسكرى، معهد الخدمات المتحدة الملكى، وتاريخ الإعلام، والمراجعة التاريخية الدولية، والتاريخ اليوم، وكان محرر مجلة الأرشيفات. له أكثر من 100 كتاب، خاصة عن السياسة البريطانية والعلاقات الدولية فى القرن الثامن عشر. أحمد على سالم هو أستاذ مشارك بمعهد دراسات العالم الإسلامى فى جامعة زايد بدولة الإمارات العربية المتحدة. حصل على الدرجة الجامعية الأولى (البكالوريوس) فى العلوم السياسية من جامعة القاهرة، والدرجتين العلميتين الثانية (الماجستير) والثالثة (الدكتوراه) فى الدراسات الأفريقية والعلاقات الدولية على التوالى من جامعة إلينوى فى إربانا- شامبين بالولايات المتحدة التى عمل فيها مدرساً وباحثاً قبل أن ينتقل لجامعة زايد عام 2006. له عشرات الأعمال المنشورة باللغتين العربية والإنجليزية، من كتب وفصول فى كتب ودراسات فى دوريات علمية محكمة مطبوعة أو إلكترونية وترجمات من وإلى اللغتين العربية والإنجليزية، فضلاً عن أوراق مقدمة فى عشرات المؤتمرات وحلقات النقاش المحلية والدولية