مضت الآن أكثر من ثمانية أشهر على ثورة 25 يناير العظيمة ، وأكثر من 7 أشهر على الإعلان الدستوري الذي حدد مراحل الانتقال إلى الدولة العصرية الديمقراطية، والذي انبنى على الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي وافق عليه غالبية الناخبين المصريين . وعلى الرغم من أن التعديلات الدستورية التي وافق أغلبنا عليها قد حددت بدقة مراحل التحول الديمقراطي وتوقيتات، فإننا منذ ذلك التاريخ ونحن كمن يتقدم خطوة ويتراجع خطوات. فتم تأجيل الانتخابات، بحيث يدعى إليها في شهر سبتمبر بدلاً من إجرائها في ذات الشهر، وترتب على ذلك بالطبع تأجيل انتخابات مجلس الشورى، وكذلك تأجيل تشكيل الجمعية التأسيسية المعنية بإعداد دستور ما بعد الثورة، والتي ينتخبها أعضاء مجلسي الشعب والشورى من غير الأعضاء المعينين من المجلس العسكري. وجاءت أحداث ماسبيرو الدامية، التي صدمت المصريين جميعاً، بل أقلتهم على وحدتهم التاريخية الفريدة، لتعيد المخاوف إلى مزيد من التراجع والتقهقر عن التحول السياسي الديمقراطي الذي قامت ثورة يناير أساساً اعتراضاً على غيابه. وكانت أولى عمليات التقهقر هذه المطالبةَ بالتراجع عن نتيجة الاستفتاء لمجرد أنها خالفت آراء النخبة المصرية التي ظهرت في عهد مبارك، على الرغم من وضوح وقوف غالبية الناخبين مع التعديلات، وظهرت نداءات الدستور أولاً بشكل صاعق في وسائل الإعلام المصرية، في محاولة لوأد أول تجربة ديمقراطية بعد الثورة. ثم ظهرت بعد ذلك دعوات وضع مواد فوق دستورية أو ربما مواد حاكمة للمواد الفوق دستورية، تعلو هذه أحكامَ الدستور، في بدعة سياسية ليس لها مثيل في أي دولة من دول العالم المتقدم أو المتخلف. وحتى بعد أن أعلن المجلس تاريخ الدعوة للانتخابات التشريعية آخر شهر سبتمبر، ظهرت دعاوى تأسيس الدستور قبل الانتخابات الرئاسية، وكأن الشعب المصري قد استُفتي للتصويت على مواصفات الرئيس ونوابه وجنسياتهم وجنسيات آبائهم وأمهاتهم ليكون كل ذلك بلا معنى! وكانت نتيجة هذه التقهقرات أو الدعوات للتقهقر أننا نشتكي من الصعب، بعد أن أنجزنا المستحيل! لقد أسقطت مصر بشبابها نظاماً قمعياً متسلطاً، ظل مستبداً بالحكم طوال عقود، وكان هو ثاني أكبر متلق للمعونات الأمريكية في العالم، وعلى الرغم من ذلك لم يستطع الصمود أكثر من 18 يوم أمام إصرار المصريين ووحدتهم. كيف يمكن أن نخاف على هؤلاء الشباب وعلى هذا الشعب من بلطجة فلول حزب أو القدرة التنظيمية لجماعة، إن من يصنع المستحيل لا يشتكي من الصعاب، ومن يريد الديمقراطية، عليه أن يدفع مهرها وضربيتها. ضريبة الديمقراطية هي النزول للناخبين وإقناعهم، وليس طلب الشرعية والدستورية من مجلس عسكري. ضريبة الديمقراطية هي الخوف من الهزيمة وليس النكوص عنها بعد النتيجة التي لا تروق لنا. لأنه لن تكون هناك نتيجة تروق لجميعنا، وإلا لما كان هناك معنى لحكم الأغلبية، مع مراعاة حقوق الأقلية. علينا الآن الانطلاق من الخطوة الوحيدة التي بدأت الآن للتو، وهي فتح باب الترشح للانتخابات التشريعية، ومراقبتها جيداً، كي لا تسرق من بلطجية أو فلول أو مموَلين أو خادعين، كي تكون العملية الانتخابية سليمة وشرعية في مراحلها كلها، الترشح والدعاية والتصويت، قبل أن نفاجأ بأحداث سوداء أو فتنة جديدة تعود بنا شهوراً أخرى للوراء.