بعد نزولة للشارع لنشر فنه وسط الجمهور مباشرا أثناء اعتصام وزارة الثقافة، بعدما تطاول به أحد نواب مجلس الشورى السابق في ظل حكم الرئيس المعزول على هذا الفن الراقي الذي يقاس به حضارة وتقدم الشعوب. تألق الراقص الأول لفرقة بالية القاهرة الفنان هاني حسن في أول عرض له بعد الاعتصامات والاضرابات وعزل الرئيس والذي استغرق عدة شهور، ليعود بعرض بالية "زوربا" لجمهوره في المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، بيته ومسكنه كما قال سابقا؛ ليشهده المتلقي مرة أخرى بنكهة جديدة بعد أن قام هاني بتحدي الجهل والفقر النفسي والمرض العقلي الذي كان يظن أن بإمكانه العصف بهذا الفن الذي ابتدعه المصري القديم ومدون برسومه على جدران معابده، وقام هاني برقص "زوربا" في الشارع مرارا وتكرارا ليشهد المجتمع على رقي هذا الفن وليتعرف عليه ما لم يكن يعرفه من قبل، محتكا بالجمهور مباشرا في حالة حميمية ليتعرف على بعض من الحركات الإيقاعية الراقصة لهذا الفن، والتي تخلو تماما من أي ابتذال كما أدعى صاحب النفس الضعيفة الذي كان يريد إلغاء هذا الفن من مصر وتخفيض ميزانيته. عاد عرض بالية "زوربا" لبيته الأساسي لمدة يومين، ليكتسح الجمهور المسرح الكبير وينهي جميع تذاكره قبل بدأ العرض بأيام، تلك الحالة التي لم تكن جديدة على تذوق الجمهور لهذا الفن، بل شهدت أيضا العديد من عروض البالية هذا التدفق الجمهوري في حفلات سابقة، كعرض بالية "كسارة البندق" الذي تنتهي تذاكره هو الآخر قبل بدأ العرض بأيام، وغيره من العروض الأخرى. إلا أن الجمهور استقبل "زوربا" هذه المرة بحفاوة كبيرة، يمكن إرجاع ذلك لتعوده على النجم المصري لهذا الفن هاني حسن والذي تعرف عليه في الشارع منذ شهور قليلة، يرقص بجانبه ويعلم من لم يتعرف على هذا الفن كيفية تذوقه. وكانت المفاجأة قبل بدأ العرض عندما منحه أحد النحاتين المصريين المميزين تمثالا له يحمل عنوان "زوربا"، وهو الفنان الدكتور أسامه السروي أستاذ النحت بكلية التربية الفنية، والمستشار الثقافي المصري في روسيا، ضمن أساتذتي الذي تتلمذت على يده كاتبة هذه السطور، وقد سلمته له زوجته القديرة الأستاذة بجامعة "مصر"، ليهديه هاني مرة أخرى إلى دار الأوبرا المصرية بيته الرئيسي، وتأمر الفنانة القديرة رئيسة الأوبرا د. إيناس عبد الدايم بوضع التمثال في أحد الأماكن المميزة بالأوبرا. وبدأ العرض الذي استمتع به الجميع وكان أكثر من رائع بجميع عناصره كالموسيقى، والتشكيل من ديكور وملابس وإضاءة وإكسسوارات ومكياج، واللغة الراقصة التي عبرت عن المضمون الدرامي للعرض بإتقان شديد. وكانت الموسيقى بقيادة الملحن الكبير هشام جبر، والتي استطاعت أن تعبر عن موضوع البالية بكل دقة، فحينما تموت حبيبة جون تبعث نغمات الآلات الموسيقية حالة من الحزن الشديد على المشاهد تؤديها حركات الراقصين ببراعة تقشعر حينها الأجساد من خلال قوى التعبير الموسيقي والأداء الحركي للراقصين. أما الديكور فكان يتميز بالعمق والبساطة في آن واحد، فهو تمثل في مشهد لبيوت قرية لم يتغير خلال فصلي العرض، والذي أوضح بسهولة للمشاهد أن هذه الرقصة تقع أحداثها في إحدى القرى اليونانية، التي يتعرف عليها المتلقي من خلال الموسيقى اليونانية التي تحمل طابعا شرقيا. ويتناول المضمون الدرامي لبالية "زوربا" في فصله الأول قصة سائح أمريكي يسمى "جون"، يصل إلى إحدى القرى اليونانية ويحاول الاختلاط بأهل القرية لكنهم يرفضون، ويحب جون الأرملة "مارينا" التي يحبها أحد شباب القرية وهو "يورجوس" وتبارك القرية هذا الحب. ثم يظهر "زوربا" رجل في منتصف العمر، مؤمن بالحرية ومفعم بالحب والحيوية وهو الآخر غريب عن القرية ليكون صديقا لجون، ويعلمه المعنى الحقيقي للحياة وهو أن نحياها ونستمتع بها. وعلى الجانب الآخر نجد مدام "أورتانس" وهي فنانة عجوز ترى في زوربا كل ماضيها وحبها القديم فتتقرب إليه لكنه لا يستطيع الارتباط بها لأنه لا يؤمن سوى بالحرية. وفي الوقت نفسه يشتعل الحب بين جون ومارينا. أما في الفصل الثاني من "زوربا" فتبدأ الأحداث بموجة غضب عارمة من أهل القرية لرفضهم حب جون ومارينا. وتحلم مدام أورتانس بأنها تتزوج زوربا في حضور جميع أهل القرية. ثم يلاحظ يورجوس وأهل القرية توطد علاقة الحب بين جون ومارينا ويشتد بهم الغضب حتى يقتلوا مارينا، وعندما يحاولون الفتك بجون يقوم زوربا بإنقاذه، ولكنه ينهار لفقده حبه. وتدرك مدام أورتانس أن حب زوربا ما هو إلا وهم وأنها شخص وحيد فتمرض وتموت وفي نفس الوقت يشعر زوربا بحب جارف تجاهها لشعوره بمدى تعاستها الناتجة عن وحدتها مثله تماما ولكن بعد فوات الأوان. ويرفض زوربا بعد وفاة مدام أورتانس الحياة، ولكن جون يذكره بما تعلمه منه من حكمة الحياة حتى يخرجه من حزنه ويأسه، فيؤديا معا رقصة "السيرتاكي" اليونانية الشهيرة وينضم إليهم أهل القرية ليشاركوهما الرقص. وينتهي العرض بموجة عارمة من التصفيق الحاد، وحفاوة كبيرة من الجمهور؛ حيث ظل استمرار التصفيق قرابة العشرة دقائق، يهتفون لهاني حسن الراقص الأول للفرقة، ويشيدون بجميع راقصي العرض الذين تميزوا في أداء أدوارهم حتى خرج العرض بهذا الشكل الرائع الذي أمتع الجميع. ويبقى "زوربا" بأجوائه الأصلية عالقة بأذهان الجمهور، الذي لم ينسى بعضهم "زوربا" المصري الذي حضروه وشاركوه الرقص في الشارع.