مع كل أحداث فتنة تظهر، ومع كل أحداث للاحتجاجات أو الاعتصامات في مصر بعد الثورة، أتساءل ما السبب؟.. وما الذي جعل كل هؤلاء العمال والموظفين والسلفيين والأقباط يسكتون طيلة 30 عاماً، وفجأة يحتجون ويعتصمون في وقت لا تحتمل فيه مصر أي أحداث استثنائية، فشعبها كالمقاتل الجريح، الذي شارك في معركة طويلة جداً أنهكته، ولكن كلما استراح ليضمد جرحه وجد عدواً آخر.. مرة المرتبات، ومرة الفتنة، ومرة.. ومرة.. ومرة. غالباً لا أجد عن تساؤلي أية إجابات، فلا أحد يملك سبباً مقنعاً، أو بالأحرى من يحركون الأحداث لا يجيبون بطريقة مريحة، بالتأكيد ليس كل المصريين لا يفهمون ما يحدث، ولكن الأغلبية هم الذين لا يفهمون ما يجري.
بالأمس، كانت أحداث الفتنة، قتل العشرات، وجرح المئات، مدنيين وعسكريين أبرياء، بعد أن تحولت مسيرة الأقباط من دوران شبرا إلى مبنى التليفزيون في ماسبيرو، ولكن ما السبب وراء وقوع كل هؤلاء الضحايا إذا كانت المسيرة سلمية؟.. دعنا نبدأ الأحداث من الأول.
البداية في محافظة أسوان حيث وافق المحافظ اللواء مصطفى السيد على إعادة بناء مضيفة للأقباط كانت من الخشب والبوص بارتفاع تسعة أمتار، ولكن الأقباط تجاوزوا ذلك وعلوا في البناء، وهذا ما أدى إلى غضب المسلمين في قرية المريناب، واعترف الأقباط بهذا التجاوز ووعدوا بإزالة الأمتار الزائدة، إلا أن التنفيذ تأخر كثيراً، وهو ما أغضب أحد الشيوخ فقام بتجميع الشباب عقب صلاة الجمعة لإزالة الارتفاع الزائد بأنفسهم.
تمام.. طبعاً الأقباط غضبوا، وقرر اتحاد شباب ماسبيرو بقنا تنظيم وقفة أمام مطرانية الأقباط الأرثوذوكس للاحتجاج على هدم الكنيسة، وتضامن معهم عدد كبير من المسلمين، وظل عدد المسلمين المتضامين يتزايد إلى أن بدأت المواجهات بين المسيرة التي خرجت من دوران شبرا إلى ماسبيرو، حيث تحولت الأمور إلى ما يشبه المعركة.
التليفزيون المصري بدأ التغطية.. ورددت كلمات أثارتني أنا شخصياً، من شاكلة: "الأقباط يعتدون على الجيش".. "المسيحيون بيموتونا".. وكدت أن أنزل إلى ماسبيرو حتى أخلص الجيش من قبضة الأقباط، ولكن عندما غيرت القناة، غيرت رأيي، بعد أن وجدت ضحايا كثيرين جداً من الأقباط نتيجة للضرب المبرح بالهراوات.
المواجهات تزيد اشتعالاً، يقع المزيد من الضحايا، تسيل الدماء بعرض شارع الكورنيش، وألسنة النيران تشق السماء، وتصريحات هنا وهناك، وغضب من الإسلاميين، وغضب من الأقباط، وغضب من الجيش، ومن القوى السياسية الأخرى.
أنا حقيقة لا أجد تفسيراً لما حدث، وأعترف أنني "مش فاهم حاجة" لذلك أعرض بعض التساؤلات وأرجو أن أجد من يجيب عليها من المسلمين والمسيحيين والمجلس العسكري والحكومة.
أولها موجه لشيخ الجامع الذي جمع الشباب –بحسب ما تم نشره- لهدم الزيادة في الكنيسة، يا عم الشيخ "هما بيبنوا الكنيسة فوق دماغك؟ ومن كلفك أنت ومن معك بالتحرك وهدم الكنيسة؟.. ما الذي جعلك تترك دار عبادتك لتعتدي على دار عبادة أخرى؟.. وهل تقبل أن يعتدي مسيحيون على المسجد حتى لو كان مخالفاً؟
وإلى الأقباط، إذا كانت مسيرتكم سلمية فلماذا سقط ضحايا من الجيش؟.. ولماذا تحرقون سيارات الجيش وتستفزونه؟.. ما ذنب الجنود الأبرياء الذين قُتلوا؟.. وما تفسير التهديدات التي أطلقتموها إلى محافظ أسوان وإلى المجلس العسكري؟
أما المجلس العسكري.. هل يعقل أن يموت ما يقرب من 20 شخصاً مسيحياً بالهراوات فقط؟..
وفي ظل هذه المواجهات الساخنة، والأرواح التي تُزهق يخرج علينا الدكتور عصام شرف ببيان لا يسمن ولا يغني من جوع..
ما الذي يخفيه كل فريق من الذين يعلمون.. كي يخبرونا نحن الذين لا يعلمون، بدلاً من أن يتركونا هكذا و"ما حدش فاهم حاجة".