يمتاز معبر رفح الذي يصل بين قطاع غزة ومصر بطبيعة خاصة منذ ماضٍ بعيد، وازدادت في الفترة الأخيرة بتحوله إلى مَنفذ بالغ الأهمية لسكان القطاع كبوابة وحيدة على العالم الخارجي، ولاعتبارات الأمن القومي المصري خاصة في ظل تدهور الأوضاع الأمنية في منطقة شمال سيناء، فضلاً عن استناده إلى العلاقة الخاصة التي تمتد لسنين طويلة بين فلسطين وقطاع غزة من جانب، ومصر من جانب آخر. فالمعابر والمنافذ الحدودية ليست مجرد بوابات للدخول والخروج من دولة إلى أخرى، ولكنها ذات طبيعة خاصة، لكونها تتعلق بالأمن الوطني، وباعتبارها مظهراً من مظاهر السيادة التي تمارسها الدولة على أراضيها، فتسعى الدول إلى تحديد حدودها مع الدول الأخرى من خلال الاتفاقيات المتبادلة، وأي اختراق لها تنظر إليه الدول على أنه شكل من أشكال التهديد لأمنها واستقرارها. وعاد الجدل حول قضية معبر رفح بعدما أعلنت حكومة حركة حماس المقالة في قطاع غزة أن السلطات المصرية أبلغتها بفتح المعبر بصورة جزئية في أول أيام شهر رمضان، بعد قيام السلطات المصرية بإغلاقه لمدة خمسة أيام على التوالي بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة التي تمر بها مصر، لا سيما في منطقة شمال سيناء. لذا ففتح هذا الملف في ذلك الوقت على الجانبين المصري والفلسطيني، يأتي كمحاولة لإبراز معايير الموازنة بين دواعي الأمن القومي المصري والاعتبارات الإنسانية التي يمر بها قطاع غزة، في ظل معاناته الاقتصادية التي تتفاقم حتى قبل قرار الإغلاق الفعلي للمعبر. دواعي أمنية وعلى الجانب الأول من التحليل، تبرز دواعي الأمن القومي المصري خاصة بعد تفاقم الأوضاع الأمنية في سيناء، وبالأخص المنطقة الشمالية في مدينة العريش ورفح المصرية. ووسط هذه الأزمة المستحكمة في سيناء، إلى جانب تدهور الأوضاع السياسية وتداعياتها على الأرض في القاهرة والمحافظات المصرية، يشير المحللون إلى أن أزمة معبر رفح هي أزمة سياسية بمعناها الدقيق، وتعكس الأزمة الفلسطينية في بُعدها الداخلي، وأزمة حدود مع "مصر" في بعدها الثاني، وفي بعدها الثالث تعكس أزمة احتلال مع "إسرائيل"، وفي بعدها الرابع تندرج تحت أزمة مواقف دولية وعدم القدرة على المبادرة وحل الصراع، وهي انعكاس لموقف عربي إسلامي غير متوافق حول القضية، ومن هنا فهي أزمة تتجاوز أزمات الحدود المتعارف عليها، وبالتالي فهي تحتاج إلى حل سياسي شامل، نظراً لتعقدها وتعدد عناصرها. وانطلاقاً من هذه الاعتبارات الأمنية، فإن قوات الجيش المصري بدأت تنتشر وبكثافة مصطحبة آليات عسكرية ثقيلة على طول الحدود مع قطاع غزة وتشن بين الحين والآخر حملات أمنية لهدم وإغلاق الإنفاق المنتشرة أسفل الحدود، وهو ما فاقم أيضاً من أزمات الوقود وتحديداً النقص الحاد في السولار والبنزين ومواد البناء. اعتبارات إنسانية وعلى المستوى الثاني من التحليل الذي يستند إلى الاعتبارات الإنسانية، يعد معبر رفح البري على الحدود المصرية مع قطاع غزة المنفذ البري الوحيد على العالم الخارجي لسكان قطاع غزة البالغ عددهم قرابة مليون وثماني مائة ألف نسمة، في ظل إغلاق إسرائيل لباقي المعابر باستثناء معبر "كرم أبو سالم" التجاري، والذي تقوم بفتحه أيام محددة في الأسبوع. ووفق مصادر فلسطينية في قطاع غزة، فإن إغلاق المعبر يفاقم معاناة آلاف الفلسطينيين من المرضى والعالقين في الأراضي المصرية وطلبة الجامعات الدارسين في الخارج، إضافة إلى مئات المعتمرين العالقين في السعودية. ويشار إلى أنه إضافة لمئات المرضى والطلبة العالقين في داخل قطاع غزة ممن يريدون السفر لمصر، يوجد أيضا المئات من حملة الإقامة والمتضامنين الأجانب والمغتربين الذين وصلوا غزة في وقت سابق. ووفقاً لما ذكره مسافرون من القطاع، فإن غرفة الترحيل في مطار القاهرة الدولي تكتظ بعشرات الفلسطينيين من سكان القطاع ومن القادمين للقطاع منذ بداية الأزمة في مصر، وأنه لا يسمح لهم مغادرة المطار مع استمرار إغلاق معبر رفح. ومن جانبها، التزمت حركة حماس الصمت حيال ما يدور في مصر طوال الفترة الماضية، إلا أنها أدانت مؤخراً ما وصفته بالمجزرة التي ارتكبت بحق المتظاهرين المؤيدين للرئيس المعزول محمد مرسي، وعبرت الحركة عن ألمها وحزنها الشَّديدَين على سقوط هؤلاء الضحايا داعية في الوقت ذاته إلى حقن دماء الشعب المصري. سياسة المعبر ومن خلال المتابعة للمشهد الفلسطيني وخاصة قطاع "غزة"، فنجد أنه يُفرَض عليه منذ عدة سنوات إغلاق شبه مطبق، مما عرض مليون ونصف المليون شخص إلى العزلة وافتقاد حرية الحركة والتنقل. ويرجع ذلك نتيجة محاصرة إسرائيل القطاع تدريجياً على مدى بضع أعوام، تخللها اعتماد نظام خروج خاضع للتصاريح، وبناء جدار، وفرض إغلاق يطبَق بشكل متواصل على المعابر البرية، علاوة على حظر الحركة الجوية والبحرية. وفي ضوء هذه الظروف، تَحوّل معبر رفح - الذي يصل بين قطاع غزة ومصر - إلى مَنفذ بالغ الأهمية لسكان القطاع للخروج من القطاع والدخول إليه، وإلى معبر لا يقتصر فقط على كونه قناة تصل بين قطاع غزة ومصر، بل ليصبح بوابةً بين القطاع والعالم الخارجي عموماً، وحتى الضفة الغربية. واستمر إغلاق معبر رفح لأطول مدة في الفترة (2004، 2005)، بعد وقوع حادث قَتل الفلسطينيين، وجُرح عدد مماثل في تفجير نفق تم حفره تحت موقع حراسة إسرائيلي في المعبر، حيث بقي معبر رفح بعد الحادث مغلقاً لمدة 40 يوماً من جهة الدخول، ولمدة 52 يومًا من جهة الخروج، مما أسفر عن حظر التنقل بين المنطقتين على آلاف الفلسطينيين، الذين كانوا ينتقلون بين مصر والقطاع في تلك الفترة. كما تم إغلاقه في أكثر من مرة عام 2006، ولا سيما مع قيام مسلحين فلسطينيين بمهاجمة موقع عسكري تابع للجيش الإسرائيلي في "كرم أبو سالم"، وخطف الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، وقامت إسرائيل في اليوم نفسه بإغلاق رفح، وأوقفت تطبيق اتفاق المعابر مُبقية المعبر مغلقاً بشكل عام. احتمالات وأبعاد ومع السياسات المتقلبة تجاه التعامل مع معبر رفح خلال العديد من الأزمات، توجد عدة احتمالات ترسم مستقبل التعامل مع المعبر، لاسيما بعد غضب العديد من الفلسطينيين من الأحداث الأخيرة والأوضاع المتقلبة. ويدور السيناريو الأول حول انتهاج الحكومة المصرية سياسة جديدة تجاه المعبر بعد موافقة الحكومة الفلسطينية على تلك السياسة، بشرط أن تأخذ السلطات المصرية كافة احتياطاتها للحد من الجرائم، ومنع تهريب البضائع غير الشرعية، مما يخلق نوعاً من التوافق يحقق المصلحة لجميع الأطراف، الأمر الذي قد يؤدي إلى حل قضية المعبر نهائياً. وهو الحل الأمثل؛ لأنه في حالة تطبيقه سيحدث نوع من الدعم الوطني والشعبي فلسطينياً، وسيزيد من التلاحم بين الشعبين. بينما يدور السيناريو الثاني نحو "فتح المعبر بالقوة" من قبل حركة حماس في حالة إغلاقه مرة ثانية، وفشل كافة المفاوضات في الوصول إلى سياسة مصرية واضحة ومحددة تجاه المعبر، ولكن يصعب تحقيق هذا السيناريو؛ لأنه يعرض العلاقات مع مصر إلى مزيد من التوتر والخلاف وهذا ليس في صالح حركة "حماس" ومن شأنه أن يقود إلى تداعيات سياسية وأمنية خطيرة ولرفض شعبي مصري. ولكن على النقيض الإيجابي من السيناريو السابق في حين أن الأزمة في مصر مرشحة للتصاعد، وأن فتح معبر رفح بالكامل أمر مستبعد في المدى المنظور، فإن على حركة حماس التزام مواقف إيجابية تؤكد عدم وقوفها إلى جانب أي طرف من أطراف الصراع السياسي في القاهرة. وخلاصة القول، إن حل الأزمة الحالية لن يكون بالأمر السهل، فهو يتوقف إلى حد كبير على عدة عوامل منها ما هو فلسطيني وإسرائيلي، وما هو عربي وآخر دولي وأوروبي.