المعابر والمنافذ الحدودية... ليست مجرد بوابات للدخول والخروج من دولة إلى أخرى، ولكنها ذات طبيعة خاصة، لكونها تتعلق بالأمن الوطني، وباعتبارها مظهراً من مظاهر السيادة التي تمارسها الدولة على أراضيها، فتسعى الدول إلى تحديد حدودها مع الدول الأخرى من خلال الاتفاقيات المتبادلة، وأي اختراق لها تنظر إليه الدول على أنه شكل من أشكال التهديد لأمنها واستقرارها. وعلى الرغم من كونها قاعدة عامة، ولا خلاف عليها بين الدول المستقلة وفقاً لمبدأ التكامل الإقليمي للدولة، غير أن قضية المعابر (معبر رفح) لديها طبيعة خاصة بين مصر وفلسطين. وتوجد علاقة خاصة بين قطاع غزة ومصر تمتد لسنين طويلة ولاعتبارات تتجاوز الاعتبارات الأمنية، لتشمل الأبعاد الإنسانية والاجتماعية والمسئولية القومية والوطنية، التي تحكم علاقة مصر، بغزة". وقد أثيرت تلك القضية بعد قيام الحكومة المصرية بإغلاق المعبر لمدة خمسة أيام، إثر أحداث سيناء الأخيرة واختطاف سبعة من الجنود، ثم إعادة فتحه بعد انتهاء الأزمة، الأمر الذي أدى إلى دعوة رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنيّة السلطات المصرية إلى انتهاج سياسة جديدة ومحددة في التعامل مع المعبر، وإعادة النظر في اتفاقية "كامب ديفيد" الموقعة مع إسرائيل أو إلغائها، خاصة ما يتصل بالملاحق الأمنية لها، ومن ثم سنتناول حالة الحدود المصرية الفلسطينية وتحديداً معبر "رفح"، والسيناريوهات المتوقعة بخصوصه. وفي البداية، نود الإشارة إلى أن هناك عدة أطراف مشاركة في تلك القضية وعلى رأسها مصر، فهي تمتلك القدرة الفعلية على فتح معبر "رفح"، وبالتالي لها الحق في إغلاقه. حصار إسرائيلي ومن خلال المتابعة للمشهد الفلسطيني وخاصة قطاع غزة، فنجد أنه يُفرَض عليه منذ عدة سنوات إغلاق شبه مطبق، ما عرض مليون ونصف المليون شخص إلى العزلة وافتقاد حرية الحركة والتنقل. ويرجع ذلك نتيجة محاصرة إسرائيل القطاع تدريجياً على مدى بضع أعوام، تخللها اعتماد نظام خروج خاضع للتصاريح، وبناء جدار، وفرض إغلاق يطبَق بشكل متواصل على المعابر البرية، علاوة على حظر الحركة الجوية والبحرية. وفي ضوء هذه الظروف، تَحوّل معبر "رفح" - الذي يصل بين قطاع غزة ومصر إلى مَنفذ بالغ الأهمية لسكان القطاع للخروج من القطاع والدخول إليه، وإلى معبر لا يقتصر فقط على كونه قناة تصل بين قطاع "غزة" و"مصر"، بل ليصبح بوابةً بين القطاع والعالم الخارجي عموماً، وحتى الضفة الغربية. واستمر إغلاق معبر "رفح" لأطول مدة في الفترة 2004، 2005، بعد وقوع حادث قَتل الفلسطينيين خلاله خمسة جنود إسرائيليين، وجُرح عدد مماثل في تفجير نفق تم حفره تحت موقع حراسة إسرائيلي في المعبر، حيث بقي معبر "رفح" بعد الحادث مغلقاً لمدة 40 يوماً من جهة الدخول، ولمدة 52 يومًا من جهة الخروج، مما أسفر عن حظر التنقل بين المنطقتين على آلاف الفلسطينيين، الذين كانوا ينتقلون بين مصر والقطاع في تلك الفترة. كما تم إغلاقه في أكثر من مرة عام 2006، ولاسيما مع قيام مسلحين فلسطينيين بمهاجمة موقع عسكري تابع للجيش الإسرائيلي في "كرم أبو سالم"، وخطف الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، وقامت إسرائيل في اليوم نفسه بإغلاق "رفح"، وأوقفت تطبيق اتفاق المعابر مُبقية المعبر مغلقاً بشكل عام. اعتبارات إنسانية ومن هنا، نلاحظ تدخل العديد من الأطراف في أزمة معبر "رفح"، وينبغي معرفة المواقف المختلفة من القضية، وخاصة موقف كل من مصر وإسرائيل". وبالنسبة ل"مصر"، فنجد أنها تسير وفقاً لأمنها القومي وأمن حدودها، علاوة على الاعتبارات الإنسانية، حيث تحكم العلاقة المصرية الفلسطينية اعتبارات قومية ووطنية تتجاوز البعد الإنساني في فتح "المعبر"، ويتضح ذلك في الموقف المتوازن الذي اتخذته "مصر" من الخلافات بين حركتي فتح وحماس، ودعوتها الدائمة للحوار بينهما، والاتصالات المستمرة التي تجريها مصر لرفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، وخاصة ما يتعلق بمعبر رفح، وإعادة فتحه بطريقة منضبطة قانونيًا وبشكل منتظم. وفيما يخص إسرائيل، فهي تسير وفقاً للاعتبارات الأمنية فقط، ومن ثم تستبعد أي اعتبارات إنسانية، وهو ما يجعلها تنتهج مواقف متشددة تجاه فتح المعبر. جوهر الأزمة وحول أزمة معبر رفح، يشير المحللون إلى أن الأزمة الحالية هي أزمة سياسية بمعناها الدقيق، وتعكس الأزمة الفلسطينية في بعدها الداخلي، وأزمة حدود مع مصر بعدها الثاني، وفي بعدها الثالث أزمة احتلال مع "إسرائيل"، وفي بعدها الرابع أزمة مواقف دولية وعدم قدرة على المبادرة وحل الصراع، وهي انعكاس لموقف عربي إسلامي غير متوافق حول القضية. ومن هنا فهي أزمة تتجاوز أزمات الحدود المتعارف عليها، وبالتالي فهي تحتاج إلى حل سياسي شامل، نظراً لتعقدها وتعدد عناصرها. سياسات واحتمالات ومع السياسات المتقلبة تجاه التعامل مع معبر "رفح" خلال العديد من الأزمات، توجد عدة احتمالات ترسم مستقبل التعامل مع المعبر، لاسيما بعد غضب العديد من الفلسطينيين من الأحداث الأخيرة والأوضاع المتقلبة. ويدور السيناريو الأول حول انتهاج الحكومة المصرية سياسة جديدة تجاه المعبر بعد موافقة الحكومة الفلسطينية على تلك السياسة، بشرط أن تأخذ السلطات المصرية كافة احتياطاتها للحد من الجرائم، ومنع تهريب البضائع غير الشرعية، مما يخلق نوعاً من التوافق يحقق المصلحة لجميع الأطراف، الأمر الذي قد يؤدي إلى حل قضية المعبر نهائياً. وهو الحل الأمثل؛ لأنه في حالة تطبيقه سيحدث نوع من الدعم الوطني والشعبي فلسطينياً، وسيزيد من التلاحم بين الشعبين. بينما يدور السيناريو الثاني نحو فتح المعبر بالقوة من قبل حركة حماس في حالة إغلاقه مرة ثانية، وفشل كافة المفاوضات في الوصول إلى سياسة مصرية واضحة ومحددة تجاه المعبر، ولكن يصعب تحقيق هذا السيناريو؛ لأنه يعرض العلاقات مع مصر إلى مزيد من التوتر والخلاف وهذا ليس في صالح حركة حماس ومن شأنه أن يقود إلى تداعيات سياسية وأمنية خطيرة ولرفض شعبي مصري. بينما يذهب السيناريو الأخير، إلى استمرار التدخل الإسرائيلي في تلك القضية، مما يزيد من تأزم القضية، لاسيما خلال الأزمات. وخلاصة القول، إن حل الأزمة الحالية لن يكون بالأمر السهل، فهو يتوقف إلى حد كبير على عدة عوامل منها ما هو فلسطيني وإسرائيلي، وما هو عربي وآخر دولي وأوروبي. وعلى المستوى الفلسطيني، فيرى المحللون أنه في حالة حدوث قدر من التوافق السياسي بين حركتي فتح وحماس، كلما كان ذلك دافعًا قويًا لحل الأزمة، وكلما كان وسيلة جيدة لرفع حالة الحصار المفروضة على الشعب الفلسطيني عبر معالجة الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها الشعب الفلسطيني. وعلى المستوى الإسرائيلي، فنجد أيضاً أن هناك عدداً من العناصر كلما تحققت، زاد التمكن من حل تلك القضية ومنها: حسم الموقف الداخلي تجاه التسوية، وعدم التهرب من استحقاقات العملية التفاوضية، وإيقاف إطلاق الصواريخ الإسرائيلية، لما تشكله من تهديد. وعلى الصعيد الدولي، ينبغي أن تنتهج "الولاياتالمتحدةالأمريكية" نهج العدالة في المنطقة، من خلال طرح مبادرات سياسية جادة لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، كما يجب على الاتحاد الأوربي، وضع القضية الفلسطينية على رأس أولوياته. وعلى الصعيد العربي والإسلامي، يجب أن يتماسك النظام العربي، وذلك من خلال معالجة الأزمات العربية مع الأزمة الفلسطينية مثل لبنان "العراق" وكذلك الملف السوري والملف النووي الإيراني.