مصر حائرة في كيفية التعامل مع غزة أندرو بروكس وقفت مجموعة من رجال الأمن المصريين يدخنون السجائر عند نهاية شارع صلاح الدين المليء بالوحل الذي تحول بين ليلة وضحاها إلى سوق عامر بالحركة ويعج بالحياة بعد تدفق مئات الآلاف من الفلسطينيين عبر الحدود إلى رفح المصرية. على بعد بضعة امتار حاوية معدنية ضخمة وضعت في منتصف الطريق وقد ملئت بالتراب واحيطت بالاسلاك الشائكة على مسافة قصيرة للغاية توجد الحدود المصرية مع غزة حيث وضعت أسلاك شائكة على سياج بارتفاع عدة امتار، وهي كثيفة إلى درجة تكاد تحجب رؤية العمارات السكنية القائمة على الجانب الفلسطيني من الحدود. الحدود المصرية عند رفح حاليا هادئة وكانت قد شهدت تدفق مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين عبروا إلى مصر بعد تدمير جدار معدني. كان ذلك كابوسا وسيناريو لم تتوقع القاهرة حصوله بهذه الصورة حيث اصابتها الحيرة في الكيفية التي يتوجب عليها التعامل مع الفلسطينيين في نزاعهم الدموي مع اسرائيل وهو نزاع يقع في ساحة مصر الخلفية. عززت القوات المصرية على الحدود، ووعد المسؤولون بأن ذلك «الإجتياح» لن يتكرر وان قدرا اكبر من القوة سوف يستخدم في المستقبل. ولكن حتى لو اغلقت الثغرة التي فتحت في الحدود، فإن الدوافع التي اثارت تلك الاحداث لا تزال على حالها دون تغيير. بعض المراقبين يقولون ان اجتياجا آخر للحدود يمكن ان يحدث في اي وقت تقرر فيه حماس ذلك وكانت مصر قد حذرت اكثر من مرة من امكانية حدوث هذا الأمر، وهي لا تزال حتى اللحظة تتناوبها الهواجس حول افضل الطرق والاساليب التي يمكن التعامل بها مع وضع متفجر ومعقد مثل هذا. يقول دبلوماسي غربي ان ديناميكية القضية لم تتغير، وتمتلك حماس المعدات والارادة لخرق الحدود في اي وقت تشاء. ترغب القاهرة من جانب في اظهار نفسها وكأنها تتعاطف مع القضية الفلسطينية، وتكره ان ينظر إليها وكأنها سجان يعمل في سجن اسرائيلي في الوقت الذي تعمل الدولة العبرية على ابقاء بل وتشديد حصارها للقطاع. في نفس الوقت تشعر القاهرة بقلق عميق تجاه أمنها والنفوذ الذي قد يتزايد للمنظمات الإسلامية الاقليمية والمحلية اذا خرجت حماس منتصرة في اي موقف أو قضية. فمصر لا ترغب في تقديم اي نوع من الشرعية لحماس الإسلامية. وتعلق مصر الآمال بالتحدث إلى إسرائيل والسلطة الفلسطينية وحماس والاتحاد الاوروبي من اجل العثور على طريقة يقبل بها الجميع من اجل فتح معبر رفح. وكانت الحدود قد اغلقت منذ سيطرة حماس على قطاع غزة، في يونيو الماضي وبموجب اتفاقيات سابقة يجب ان يكون هناك مراقبون اوروبيون ولكنهم سحبوا بعد ان تمكنت حماس من الحاق هزيمة منكرة بحركة فتح المنافسة. يقول مسؤول مصري ان عقلية وضع قطاع غزة تحت الحصار قد اثبتت عقمها. ان هذا الاسلوب غير عملي ولا يمكن اللجوء اليه في اي وقت دون دفع الثمن، ويضيف لدينا طرقنا في التعامل مع الوضع على الأرض وضمان عدم حدوث اي خرق للحدود مرة اخرى. لا يمكن النظر لهذا الأمر على أنه شيء منعزل بل لابد ان يرافقه مسار سياسي. الاخذ بحل معقول يبدو بعيدا حيث ان ذلك يعتمد على توصل الفصائل الفلسطينية إلى اتفاق توافق عليه اسرائيل فحماس تطالب بان يكون لها دور في تشغيل المعبر، ولكن فتح ومصر واسرائيل ترفض مجرد التفكير في هذه الفكرة ويتهم المسؤولون المصريون حماس باستغلال هذه الازمة لخدمة اهدافها وهناك قلق مصري وغربي من انه اذا ما تم الابقاء على معبر رفح مفتوحا مع بقاء المعابر الاخرى مغلقة، فإن هذا سيعطي اسرائيل الفرصة لدفع مشاكل غزة باتجاه مصر. وفي الوقت الذي يمكن لمصر وضع قواتها في حالة استعداد والتصدي لأي محاولة اختراق مسلحة الا ان هذا سيتحول إلى كابوس مفزع لو ان هذا الاختراق حدث من قبل مدنيين غير مسلحين دفعهم الجوع واليأس. يشكو المسؤولون المصريون منذ وقت طويل من قلة عدد القوات المسموح بوجودها على الحدود مع قطاع غزة الممتدة ل 14 كيلو مترا، وهي تطالب بمضاعفة تلك القوات من 750 جنديا حاليا إلى 1500 جندي من اجل حراسة الحدود. وقد ضوعف عدد نقاط التفتيش ولكن اسرائيل ترفض باصرار السماح بزيادة عدد القوات المصرية في الوقت الذي تتهم مصر بعدم فعل ما يكفي لوقف تهريب الاسلحة إلى القطاع عبر انفاق. هذه الاتهامات المتبادلة ساهمت في توتير العلاقات المصرية - الاسرائيلية. هناك عوامل داخلية ايضا يتوجب على مصر ان تأخذها بعين الاعتبار فقبل اختراق الحدود شهدت مصر مظاهرات منددة بحصار اسرائيل للقطاع وهناك خوف من ان يلجأ البعض وخاصة «الاخوان المسلمين» لاستغلال هذا الوضع لتحقيق مصالح تخدم حركة الاخوان. ومن الجدير بالذكر ان حركة الاخوان المسلمين هي حركة المعارضة الرئيسية في مصر، واقدمت السلطات على اعتقال العديد من اعضائها متهمة اياهم بتنظيم احتجاجات غير قانونية. يقول بلوماسي اوروبي ان مصر محشورة بين المطرقة والسندان وفهي من جهة تحاول ارضاء الشارع العربي، وتحاول في نفس الوقت ارضاء حلفائها في المنطقة. ان حركة حماس خرجت من رحم حركة الاخوان المسلمين والتأثير السلبي في مصر للقضية الفلسطينية يأخذ بعدا اعمق بكثير من مجرد دعم حركة دينية معارضة. فهذه القضية هي من القضايا القلائل التي يسمح للمصريين بتنظيم الاحتجاجات من اجلها. يقول البعض ان مشهد بعض المقاتلين الفلسطينيين وهم يتصادمون مع قوات الامن المصرية وهو شيء ركز عليه الاعلام الرسمي قد يخفف من التعاطف المصري مع الفلسطينيين ولكن لحين. عن صحيفة الوطن القطرية 1/3/2008