ألف لماذا؟ طلال عوكل فيما إسرائيل تعدّ العدّة، لارتكاب عدوان واسع وتصعيدي ضد قطاع غزة، يعتمد أساساً على الطيران الحربي والمروحي، والقذائف الذكية، وبعض التوغلات على المناطق القريبة من الحدود، أعلنت حركة حماس عن استعدادها للتهدئة المتبادلة بعد أن رفضت مبادرة الرئيس محمود عباس، لإنجاز تهدئة، لأنه كما قال الناطق باسم حماس يساوي بين المقاومة والمحتل. قبل ذلك وحتى الآن رفضت حركة حماس مبادرة السلطة والرئيس عباس بشأن فتح المعابر تحت مسؤولية وإدارة السلطة، رغم أن هذه المبادرة كانت قريبة المنال بسبب الدعم الذي حظيت به ولا تزال من قبل الرباعية الدولية، والمجموعة العربية. وفي الواقع ثمة تركيز من قبل بعض الأطراف على معبر رفح فقط دون المعابر الأخرى، خصوصاً بعد كل ما جرى على حدود قطاع غزة مع مصر وانتهى بإعادة بناء السياج الحدودي، وإغلاقه بالكامل. الحصار على قطاع غزة عاد مشدداً، وعادت المعاناة والآلام الناجمة عن هذا الحصار فيما اسرائيل تستعد لاستكماله بحصار ناري، عبر عدوان وحشي ظالم يستهدف كل قطاع غزة، وعبره كل المشروع الوطني الفلسطيني ووحدة الشعب والقضية. ويبدو أن الاتجاه الواقعي السائد في قطاع غزة يتجه مرة أخرى، نحو اجتياح الحدود مع مصر، لفك الحصار، وليس في اتجاه البحث عن حلول شاملة ومستقرة لموضوعة معبر رفح وبقية المعابر بما يؤدي الى رفع الحصار من ناحية، وفتح خطوط التواصل بكل أشكاله بين قطاع غزة والضفة الغربية في إطار وحدة الجغرافيا والشعب والقضية. وبرأينا فإن الأزمة في الأساس ليست أزمة معابر، أو أنها ليست بالضبط أزمة معبر رفح، إذ هل يمكن أن نتصور الوضع فيما لو جرى باتفاق أو بتداعيات الأمر الواقع، فتح معبر رفح أمام حركة الناس، فهل ستكون الأزمة قد حلت؟ أتساءل هنا عن الجانب الاقتصادي والتجاري وما يتصل بالبنية التحتية، فهل ستقبل اسرائيل فتح المعبر أمام حركة السكان، فيما تواصل تحمل المسؤولية القانونية والاقتصادية والأخلاقية عن قطاع غزة أم أنها ستدفع الأمور الى خيارات أخرى مرتبطة بمصر؟ وماذا لو حصل وذهبت تداعيات الأمر الواقع نحو نقل المسؤولية الاقتصادية عن قطاع غزة الى مصر، ألن يكون ذلك مقدمة، وواقعة أخرى نحو تحقيق ما تريده اسرائيل وتدفع نحو تحقيقه بحيث تتهرب من مسؤولياتها كدولة احتلال عن قطاع غزة؟ ماذا سيتبقى من وحدة الوطن ومن المشروع الوطني في حال نجحت اسرائيل بدفع قطاع غزة، الى كيان مستقل أو شبه مستقل، مرتبط بمصر بشكل أو بآخر، ألن يكون القطاع قد انفتح بحساب على العالم الخارجي، فيما أغلق على نفسه كل سبل التواصل الجغرافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي مع مكونات الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة؟ قد يبدو رفض فتح معبر رفح، على حركة السكان بعيداً عن اليد الإسرائيلية وكأنه يصب في خانة تمكين وتأبيد الاحتلال. وهذا أمر مؤسف، غير أن الأمور ليست على هذا النحو، إذ من غير الممكن انطلاقاً من المصلحة الوطنية أن نقبلل حرية حركة سكان القطاع، بثمن خسارة القضية، والمشروع الوطني، ولا يمكن القبول، بالاستفراد بالقدس وبالضفة الغربية التي لإسرائيل فيها مخططات قديمة جديدة تستهدف مصادرتها وتمزيقها، وإلقاء أقل من 05% منها نحو خيارات أخرى شبيهة بما تريده اسرائيل لقطاع غزة. إذاً، أزمة معبر رفح لا يمكن أن تحل على أساس وطني دون ارتباطها ببقية المعابر وبموضوع الحصار الشامل، كما لا يجوز السماح تحت وطأة الحصار، بعزل قطاع غزة عن الضفة الغربية، ومن أجل تحقيق مشاريع خاصة لا تلتقي مع المشروع الوطني الذي يمثل خلاصة المصالح الوطنية الفلسطينية. إن وجود حركة حماس كقوة في صفوف الشعب الفلسطيني ليس في غزة فقط هو أمر واقع لا يمكن ولا ينبغي تجاوزه، وهي في كل الحالات، سواء نجحت في دفع الآخرين بما في ذلك اسرائيل الى التعامل المباشر معها أم لم تنجح فهي موجودة وقوية وفاعلة، وهي التي تسيطر على قطاع غزة، ولذلك ينبغي الانتباه الى أن يتم التعاطي مع كل الأزمات انطلاقاً من ترابطها القوي مع المشروع الوطني ووحدة الشعب والقضية. مؤلم حقاً أن يتم البحث عن مكاسب خاصة، ارتباطاً بمشاريع خاصة لا نعرفها ولا يحرص أصحابها على مصارحة الشعب بها، ولا نستطيع فهمها إلا عبر ما يصدر عن اسرائيل، وما تعلن عن أهداف تتوخى تحقيقها. وبصراحة وبالرغم من خصوصية المعاناة التي يكابدها أهل غزة، منذ الرابع عشر من حزيران العام الماضي، والحاجة لتركيز الجهد من أجل معالجة هذه الأزمة وتخفيف معاناة أهل غزة، إلا أن العدوان الإسرائيلي لا يقع على قطاع غزة فقط حتى يجري تركيز الإعلام إلى هذا الحد الطاغي على ما يجري ضد قطاع غزة دون ما يجري في القدس، وفي بقية أنحاء الضفة الغربية. لماذا لا يجري الاهتمام بقدر كاف، بالتوغلات والاجتياحات الإسرائيلية اليومية التي تتناوب على كل مدن وقرى الضفة الغربية، وتعود اليها فيما يشكل عدواناً مستمراً دون توقف؟ لماذا لا يجري التركيز بقدر كاف على أن اسرائيل تمارس يومياً الاعتقال السياسي ضد العشرات من أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة، ودون تمييز، لا بل إن الجزء الأكبر من هؤلاء المستهدفين هم في الأساس من حركة فتح والكتائب التابعة لها؟ لماذا لا يجري التركيز على الإعلانات الإسرائيلية المتكررة، لتوسيع وتضخيم الوجود الاستيطاني داخل القدس التي تخضع لعملية تهويد حثيثة ومستمرة، وفي بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية؟ ولماذا تتوقف المقاومة عن اطلاق الصواريخ من قطاع غزة، بحيث يشمل كافة المناطق الفلسطينية المحتلة، وأيضاً بما يشمل كافة أشكال النضال ضد المخططات الاسرائيلية والعدوان المتواصل؟ أليست الضفة أكثر أهمية بالمعنى الاستراتيجي بالنسبة لنا وبالنسبة للمشروع الإسرائيلي الذي يصرّ على ادعاءاته التاريخية فيها، فلماذا لا يجري تصعيد المقاومة هناك، ومن هناك يمكن للصواريخ أن تكون أكثر فاعلية وتأثيراً بحكم قرب بعض المناطق والمدن من المدن الاسرائيلية؟ هذا التساؤل لا يحمل قناعة بضرورة استخدام الصواريخ من مدن الضفة، بقدر ما أنه ينبه الى ضرورة الحرص على المشروع الوطني والأهداف الوطنية، وأن لا يجري استخدام "المقاومة"، لتحقيق المشاريع الخاصة على حساب المشروع الوطني. إن الحرص على وحدة الشعب والقضية والمشروع الوطني يستدعي التعاطي الإيجابي مع مبادرتي الرئيس محمود عباس بشأن المعابر كل المعابر، وبشأن التهدئة، مع قناعتنا بضرورة أخذ وضع حركة حماس ودورها ومتطلباتها بعين الاعتبار، وباتجاه رفع الحصار، ورفع اليد الاسرائيلية ما أمكن عن حركة الفلسطينيين. في هذا الإطار، أيضاً، فإن المطلوب من الشقيقة مصر، لا يقف عند حدود الاستجابة اللحظية للمتطلبات الإنسانية لسكان القطاع، أو اغلاق الحدود ومعبر رفح بقدر ما أن المطلوب دور مصري قوي وفاعل في إطار موقف عربي موحد للضغط على اسرائيل من أجل رفع الحصار، ووقف عدوانها على الشعب الفلسطيني. هل نتذكر كل الوقت ما قاله نائب وزير الدفاع الإسرائيلي ماتان فلنائي من أن اسرائيل ستواصل تقنين الوقود والكهرباء عن غزة حتى يتم عزلها تماماً؟. عن صحيفة الايام الفلسطينية 14/2/2008