هل علينا شهر رمضان شهر الخير والبركات شهر العبادة و التدبر، الشهر الذى تمتلئ فيه المساجد بالمصلين فتجد كبار السن غير عابئين بسنهم أو أمراضهم فلا يمنعهم شئ من القدوم، والرجال والسيدات من كل الأعمار، كل الأهل والأحباب والجيران يجتمعون ويصلون سويا. وهناك أبطال شهر رمضان الأطفال الصغار أحباب الله فبرغم طول صلاة التراويح عليهم ولكنهم لا يتهاونون أبدا فى مصاحبة أهاليهم للمسجد لصلاة التراويح، فلا يسعك سوى أن تشعر بذلك الجو الرمضانى الجميل فكل من حولك يهنئك و يبتسم فى وجهك . فالمساجد هى بيوت الله فى الأرض ورغم عدم امتلائها فى الأيام العادية حتى تصل لتكون شبه خاوية فتجد على النقيض فى رمضان إقبال غير عادى، و كان أول مسجد بنى فى مصر و أفريقيا كلها مسجد عمرو بن العاص ويعد رابع مسجد فى الإسلام ، وكان يسمى أيضا بالمسجد العتيق، و الفتح، وتاج الجوامع ، و أمر عمرو بن العاص بإنشاءه فى عام 641م الموافق 20 هجريا . وأنشئ وقتها ليكون مركزا للحكم والدعوة الإسلامية و صفه أحد المؤرخين بأنه إمام المساجد وقطب سماء الجوامع، واحترق المسجد عندما أمر الوزير شاور بحرق مدينة الفسطاط تخوفا من احتلال الحملة الصليبية لها . و أعاد صلاح الدين الأيوبى بناءه من جديد، و أحدث ترميمات فيه فى عهد مراد بك ووافق افتتاحه بعد الترميم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان ، و من حينها أصبحت عادة أن يصلى فيه الملوك و الأمراء فى احتفال شعبى كبير فى آخر جمعة من رمضان. ومنذ بناء عمرو بن العاص له ولاه الأمراء والخلفاء اهتمامهم فأعيد بناءه والتوسع فيه و تجميله على مر العصور، فكان فى عصر بن العاص مساحته 50 ذراعا فى 30 ذراعا، ووصل الآن إلى 120 فى 110 متر أى حوالى 13200 م . و تستطيع أن تلاحظ الفرق بين الجزء الحجرى القديم من المسجد والجزء الجديد المبنى بالطوب وأعلاه شرفات مدرجة، وخلف الجزء القديم هناك أكتاف ساندة لتقوية الجامع من الخلف، و به مئذنتان و ثلاثة منابر . و الجامع مصمم بنظام الصحن فى المنتصف و أربع مظلات أى الاربع اتجاهات المحيطة بالصحن للصلاة و هو الافضل لما يحققه من تهوية للمكان، و به " مبلغ " فى الوسط كان قديما يقف عليه المبلغ ليردد الآذان و الخطبة بعد الأمام ليجمع الناس فلم يكن هناك ميكرفونات . وكان المسجد مركزاً علمياً رائداً و من أعمر المساجد بالناس والحركة، ولا يقل الموجودون فيه عن خمسة آلاف من طلاب العلم والغرباء والكتّاب، و الآن وعلى الرغم من اتساعه الهائل فتجده فى الأيام العادية لا يكمل فيه المصلون سوى بضعة صفوف . و لكن فى فى هذه الأيام المباركة تجده ممتلئ كما لم تراه من قبل وتكثر فيه الدروس عن الأيام العادية، وبه ركن للكتب من أجل الأجانب و السياح ليتعرفوا من خلالها على تعاليم الإسلام السمحة، فالمسجد يعد مزار سياحى و ثقافى و تعليمى تتعدد فيه حلقات الدرس . ومن أهم العلماء الذين ألقوا فيه دروسهم و خطبهم ليفيدوا الأمة من علمهم منذ بناءه وحتى الآن الأمام الشافعى و الليث بن سعد وابن هشام صاحب السيرة و الشيخ محمد الغزالى و أبى اسحاق الحوينى و محمد حسان . وعلى مر العصور مر على المسجد الكثير من المصلين و العلماء و الملوك و الأمراء و الرؤساء كلهم يأتون ليصلوا بداخله ويقفوا بين يدى العظيم طالبىن الرحمة و المغفرة .