بعد أن فتحت مخازن السلاح على مصراعيها إبان الثورة الليبية ضد نظام الراحل معمر القذافي، باتت الكثير من الأسلحة بأيدي مجموعات من الثوار السابقين والمدنين، الأمر الذي دعا حكومة رئيس الوزراء على زيدان اعتبار معالجة أزمة انتشار السلاح وبناء الأمن والجيش على رأس أولوياتها، والدليل جاء على لسان رئيس الحكومة بأن "الوضعية المتأزمة في البلاد هي بسبب انتشار السلاح خارج جهازي الجيش والشرطة". وبات الملف الأمني الليبي من أهم الملفات التي تؤرق الحكومة الليبية، فانتشار السلاح وبقاؤه في أيدي مختلف التشكيلات المسلحة والمواطنين مع عجز الدولة عن السيطرة عليه، أدى إلى حدوث سلسلة من الاختراقات الأمنية والمصادمات التي أودت بحياة الكثيرين، مع العلم أن السلاح الموجود بحوزة المدنيين غير موثق ولا يعرف حجمه، الأمر الذي دفع الحكومة لاستيعابه وطرح خطط تجرم حمله دون ترخيص. وفي هذه الأثناء، شرعت رئاسة أركان الجيش الليبي في وضع خطة لجمع السلاح وتعويض أصحابه مادياً، بشكل يتوازى مع رغبة الشارع الليبي في القضاء على ظاهرة حمل السلاح والإتجار به. فالسلاح الموجود بحوزة الثوار المسجلين في تشكيلات وكتائب مسلحة يسهل جمعه وتسليمه متى توافرت الإرادة على ذلك، بحسب محللين عسكرين، لكن بعض الثوار السابقين لا يرغبون في تسليم أسلحتهم في ظل ضعف الثقة بينهم وبين الحكومة، ووضع أمني يرونه هشاً ومؤسسات عسكرية لم يكتمل بناؤها. ويتواجد في ليبيا مئات الميليشيات التي كانت تقاتل قوات العقيد الراحل معمر القذافي حتى مقتله في خريف عام 2011، لكنها استمرت في حمل السلاح، في مقابل ضعف مؤسستي الجيش والشرطة. ومن خلال هذا الملف نطرح هذا السؤال: كيف تؤثر قضية انتشار السلاح في أيدي المدنيين الليبيين على الأوضاع الأمنية والسياسية، وأيضًا على الأوضاع الإقليمية مع دول الجوار؟. تداعيات مخيفة هذا الملف المتداعي يعيد من جديد دائرة حول مدى سيطرة الحكومة على الأوضاع الأمنية في البلاد، وإمكانية تكرار مثل هذه المواجهات في مختلف المناطق، مع استمرار احتفاظ العديد من الجماعات والميليشيات بأسلحتها. كما يثير ذلك مخاوف المجتمع الدولي من إمكانية تحول ليبيا المتخمة بالسلاح إلى ساحة عمل ونشاط لجماعات إسلامية متطرفة، وهو ما حذر منه الرئيس التشادي إدريس ديبي. وعلى مستوى تداعيات الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة بني غازي من تفجيرات، أعلن الرئيس التشادي إدريس أن ليبيا على وشك الانفجار، وأصبحت ملاذاً لمن سماهم "الإسلاميين المتطرفين كافة"، ديبي مضيفاً أنه ليس لديه أدنى شك في علاقة هؤلاء الإسلاميين بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وقال: إن ليبيا قد "تنفجر في وجوهنا جميعاً، ولا يمكن مشاهدة هذا الوضع وتركه يتفاقم وينفجر في وجوهنا، داعياً المجتمع الدولي إلى مساعدة السلطات الشرعية في ليبيا". وطالب ديبي المجتمع الدولي بأن يعي هذا الخطر لإنقاذ ليبيا، وأشار إلى تدخل قوات فرنسية وتشادية وقوات أفريقية أخرى بداية العام الحالي؛ لطرد جماعات مسلحة كانت سيطرت على شمال مالي لعدة شهور. وبدوره، كان رئيس المؤتمر الوطني الليبي المستقيل محمد المقريف، قد أكد أن فوضى انتشار السلاح تهدد البلاد وتعرض أمنها للخطر، منوهاً بأن الشرعية تعبر عن الأمة، وأن استخدام السلاح خارج نطاق شرعية الدولة الليبية أمر غير مقبول فرضته جماعات ليبية منتحلة للشرعية الثورية. وأضاف المقريف في تصريحات له قبل إعلان استقالته أن هناك قسماً آخر في ليبيا يحمل السلاح هو "الثوار الحقيقيون"، ولكنهم انحازوا لاتجاهات قبلية أو جهوية، مشيراً إلى أن هؤلاء قاموا بالاستقواء بمناطقهم وقبائلهم لفرض آرائهم على الشرعية في ليبيا. ومن جانبها، حثت الأممالمتحدة الأسبوع الماضي جميع الأطراف المعنية في ليبيا على ضرورة ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وحل جميع الخلافات بشكل سلمي وعن طريق الحوار، وأعربت بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا "يونسمل" عن قلقها البالغ إزاء اندلاع أعمال العنف في بنغازي مؤخراً، والتي أسفرت عن مصرع (30) شخصاً، وإصابة ما يقرب من مائة آخرين. وانتقلت هذه الأصداء إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبر المشاركون عن تخوفهم من أثر الفوضى الأمنية التي تشهدها البلاد داخلياً وإقليمياً، ومن يتحمل المسئولية عن تلك الظاهرة التي عبر أيضاً المواطنون في الكثير من دول الجوار مثل تونس وتشاد وغيرها عن تخوفهم من أن تمتد هذه الفوضى الأمنية إلى حدود الدول المجاورة. يذكر أن السلطات الليبية أصدرت قراراً صارماً عقب أحداث بني غازي الأخيرة بتسليم مقار «درع ليبيا»، التي يشغلها آلاف من المسلحين لأفرع تابعة للجيش، وقالت مصادر في المؤتمر الوطني الليبي (البرلمان المؤقت): إن القرار سيسري على باقي الميليشيات المسلحة، لكنها أوضحت أن تنفيذ القرار بحذافيره قد يواجه بمقاومة من بعض التشكيلات التي لا تخضع للحكومة. وعلى ناحية أخرى من تداعيات هذه الأحداث التي سببتها فوضى حمل السلاح وانتشار الميليشيات في ليبيا، قرر رئيس الحكومة الليبية المؤقتة، الدكتور علي زيدان، فتح تحقيق في الحادث، وشدد على ضرورة إيجاد حل لمشكلة انتشار السلاح في البلاد، منعاً لتكرار مثل هذه الحوادث، بينما قدم رئيس أركان الجيش الليبي، يوسف المنقوش، استقالته للبرلمان. خطر حقيقي وفي النهاية، يمكن القول أن عدم توقف هذه المظاهر المسلحة، ينذر بوقوع الخطر الحقيقي ليصبح مقدمة لحرب أهلية كما حدث في أكثر من دولة سابقاً، ومنها لبنان في حربها الأهلية الشهيرة. فبينما يرى من يتمسكون بحمل السلاح أو اقتنائه أنه حماية للسلطة وثروة للبلاد، تراه الحكومة خروجاً عن القانون لابد من مواجهته من أجل الحفاظ على هيبة الدولة وإنهاء النزاعات المسلحة. وبالتالي، فإن استمرار بروز ثقافة الميليشيات في ليبيا، يعني أن مهمة المجلس الوطني الانتقالي بزعامة مصطفى عبد الجليل والحكومة المؤقتة برئاسة علي زيدان أصبحت صعبة، والمسألة أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الانفلات، والعودة إلى المربع الأول، ونسف كل جهود الثورة التي أطاحت بحكم العقيد معمر القذافي. وخلاصة الحديث، فإن طوق النجاة للثورة الليبية للخروج من هذا الملف الخطير يندرج ضمن خطة حكومية شاملة، تهدف إلى حل الميليشيات المسلحة، وإدماج عناصرها بشكل فردي في القوات النظامية، من أجل استعادة الأمن المفقود داخل الأراضي الليبية بسبب استمرار أعمال العنف.