احتدم التراشق السياسي بين "إخوان الجزائر" الذين يمثلون أكبر حزب سياسي من التيار الإسلامي، وحزبي السلطة في الجزائر حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" وحزب "جبهة التحرير الوطني". جاء هذا أثر اتهام رئيس مجلس الأمة الجزائري والأمين العام لحزب التجمع عبد القادر بن صالح حركة "مجتمع السلم" - الذراع السياسية لإخوان "الجزائر"-، بفقدان الأخلاق السياسية والسعي لمغالطة الجزائريين، على حد تعبيره. في الوقت ذاته لا يتوقف الحديث عن مرض الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ونقله للعلاج في باريس، وما يساوره من مخاوف ومخاطر فراغ سياسي يهدد البلاد، ويبعث من جديد الصراع القديم بين السياسي والديني والعسكري. وجاءت انتقادات صالح الذي يعد الرجل الثاني في الدولة، خلال اجتماع سياسي لحزبه تعليقاً على موقف "إخوان الجزائر" بشأن أزمة مرض الرئيس "بوتفليقة"، ودعوتهم إلى تنحيه من منصبه وفقاً للمادة 88 من الدستور الجزائري، التي تتضمن تدابير إقرار حالة خلو منصب الرئيس. وقال الأمين العام لحزب التجمع: "لعل من أغرب ما نراه في الساحة السياسية في "الجزائر" خروج بعض من كانوا (إلى وقت قريب) شركاء في المسئولية الوطنية على المستوى السياسي والأخلاقي، وهم الآن يحاولون فردياً وجماعياً، شراء عذر جديد للظهور أمام الرأي العام الوطني". وكانت حركة "مجتمع السلم" شريكة في الحكومة منذ عام 1994، وفي الائتلاف الرئاسي ضمن التجمع الوطني الديمقراطي وحزب جبهة التحرير الوطني، والذي يدعم الرئيسعبد العزيز بوتفليقة منذ عام 1999، قبل أن تقرر الحركة الخروج من الحكومة في 20 مايو 2012، عقب خسارتها القاسية في الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل عام. اتهامات متبادلة وأضاف بن صالح في انتقاداته الموجهة إلى "إخوان الجزائر"، قائلاً: "تابعتم جميعاً في الأسابيع الماضية خروج تجار الفتنة وباعة الوهم من جحورهم للاستثمار في مرض الرئيس "بوتفليقة"، أناس تقودهم الأنانية وحب الذات، سعوا من خلال مواقفهم، لإيهام الرأي العام بوقوع كارثة في البلاد وقيام معضلة يستحيل حلها". وفي المقابل ردت حركة "مجتمع السلم" على هذه الاتهامات، وقال رئيسها عبد الرزاق مقري: إن الحركة موقعها الطبيعي في المعارضة، وإن الثقافة والمستوى السياسي للأمين العام بالنيابة للتجمع الوطني الديمقراطي عبد القادر بن صالح، وطول مكوثه في ملذات السلطة، لا يسمح له بأن يتوقع بأنه يوماً ما يمكن أن يكون هو وحزبه في المعارضة، وغيره يمكن أن يكون مكانه في السلطة. وأضاف المقري: تصريحات "بن صالح" تؤكد أننا حقيقة في بلد غير ديمقراطي، وأنه لا يستطيع أن يفهم بأن الأحزاب يمكنها أن تكون تارة في الحكومة وتارة في المعارضة، مثلما هو الحال في الدول الديمقراطية"، مضيفاً أن "الحزب الذي ولد في مخابر السلطة عام 1997، وفاز بالانتخابات بالتزوير، لا يمكنه أن يدرك قواعد العمل السياسي، وعلى مسئولية أن يأخذوا دروساً استدراكية في الفهم السياسي". ومن جانبه، علق مسئول الشئون السياسية في حركة مجتمع السلم فاروق طيفور بالقول: "إن الحركة تأسف لخروج مسئول حزب التجمع الوطني الديمقراطي ورئيس مجلس الأمة عن القاموس السياسي، وجنوحه إلى استعمال عبارات من غير مفردات النقاش السياسي". خليفة بوتفليقة و منذ بداية أزمة مرض الرئيس الجزائري ، تصاعدت حدة النقاش والتراشق السياسي بين حزبي السلطة "التجمع الوطني الديمقراطي، وجبهة التحرير الوطني"، اللذين يدافعان عن منجزات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وبين أحزاب المعارضة من الإسلاميين والأحزاب الاشتراكية التي تتهم السلطة بالغموض في إدارة ملف أزمة الرئيس، وتطالب بتفعيل المادة 88 من الدستور. وعلى الرغم من ظهور الرئيس "بوتفليقة" بعد أكثر من شهر ونصف من الغياب في رحلة علاج بباريس، لا تزال كواليس السياسيين تعج بأحاديث الخلافة المقررة ربيع العام القادم، وبينما قلّص مرض "بوتفليقة" حظوظ العهدة الرابعة، فإنه في المقابل غذّى طموح الخلافة لدى تكتلات إسلامية ووطنية، خصوصاً أن السلطة لم تكشف بعد إن كانت ستقدم مرشحاً تدعمه في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وفي هذه الأجواء، قرر "إخوان الجزائر" بدء مشاورات سياسية غير مسبوقة في شأن ملف الرئاسة، كأولى التداعيات لاحتمال عدم ترشح "بوتفليقة" لولاية رابعة. وقاد هذه المشاورات عبد الرزاق مقري، رئيس "حركة مجتمع السلم"، والتي يُعتقد أنها تمهّد لطرح مرشح باسم الإسلاميين، ولم يكتف "مقري" بحزبي "النهضة والإصلاح" اللذين يشاركان "مجتمع السلم" في تحالف تحت اسم "تكتل الجزائر الخضراء"، بل وسّع من مشاوراته مع المعارض الإسلامي "عبد الله جاب الله" بعد قطيعة سنوات طويلة بين حركة مجتمع السلم وحزبي النهضة والإصلاح، اللذين قادهما "جاب الله" قبل أن يؤسس حزب "التنمية والعدالة" الذي يرأسه حالياً. واجتمع قادة تكتل "الجزائر الخضراء" بمقر حركة "مجتمع السلم" في الجزائر، وأعلنوا بحثهم أفكاراً محددة بخصوص الاستحقاق الرئاسي المقبل، وأنه تم الاتفاق على عرض تلك الأفكار على المؤسسات الحزبية. ووصف قادة التكتل هذا الاستحقاق الرئاسي بأنه فرصة ثمينة للشعب الجزائري لتحقيق التغيير السلمي الهادئ والمنشود، وتجنيب البلاد مزالق الفوضى والاضطرابات، مما يستوجب توفير كافة الشروط والضمانات لتكون شفافة ونزيهة وذات مصداقية، تؤهل الجزائر لخطوة مهمة نحو الازدهار والاستقرار وبناء دولة الحق والقانون. مجتمع السلم يذكر أن حركة "مجتمع السلم" التي تأسست على يد الشيخ محفوظ نحناح عام 1975، دعمت الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة منذ وصوله إلى الحكم عام 1999 في إطار ما يسمى ب"التحالف الرئاسي"، إلى جانب حزبي "جبهة التحرير الوطني الحاكم" والتجمع الوطني الديمقراطي"، لكنها فكت الارتباط بهما مطلع العام 2012، وبعدها غادرت الحكومة بسبب تحفظها على مسار الإصلاحات التي أطلقها "بوتفليقة". وحصلت حركة مجتمع السلم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في مايو 2012، ضمن ما يعرف باسم تكتل "الجزائر الخضراء " على 47 مقعداً من مجموع 462، ولكن هذا لا يعبر بالضرورة عن انخفاض شعبيتها بعد أن كانت قد حصلت بمفردها على 52 مقعداً في انتخابات 2007. كما أن شعبية الحركة شهدت تزايداً كبيراً بعد المؤتمر الخامس الذي عقد الشهر الماضي، حيث تقرر فيه تبني رؤية المعارضة، وهو الأمر الذي أدى إلى عودة العديد من الذين قاطعوا الحركة وعودة المنشقين.