تضاربت الأنباء خلال الأيام الأخيرة عن مصير الزعيم الأفريقي الأشهر "نيلسون مانديلا" وذلك بعد وصف مكتب الرئيس الجنوب أفريقي "جاكوب زوما" حالته "بالخطيرة ، وتأكيد الناطق باسم الرئاسة أن حالته خطيرة جداً . وتعد هذه هي المرة الثانية التي يدخل فيها المستشفى خلال الشهرين الأخيرين، إذ كان قد أخرج من المستشفى في السادس من شهر أبريل الماضي بعد خضوعه للعلاج من عارض مماثل. أسطورة افريقية هو أحد رموز القارة السمراء، دافع عن الحق والعدل والمساواة بين البشر، بغض النظر عن ألوانهم ومعتقداتهم... إنه "نيلسون مانديلا" البالغ من العمر"94 عاماً" الذي أصبح اسمه من أبرز الأسماء المرادفة لأفريقيا، وهو من محبي وعشاق الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"، وظهر ذلك عندما أقام تمثالاً ضخماً في مدينة "جوهانسبرج" بجنوب أفريقيا، وأزاح الستار عنه في حضور أبناء الزعيم المصري الذين دعاهم الزعيم الأفريقي العظيم لحضور هذه المناسبة. هو من تصدى للتمييز العنصري في جنوب أفريقيا بكل شجاعة وحماس الشباب، وسجن 27 عاماً، وعلى الرغم منذ ذلك لم يستسلم خلالها لليأس؛ حيث استمر في دراسته وهو بين جدران السجن بمراسلة جامعة "لندن" حتى حصل على ليسانس القانون. وبعد أن خرج من السجن وهو شيخ في الثانية والسبعين من عمره بعد ضغط شعبي وأفريقي ودولي على النظام العنصري في جنوب أفريقيا... كان عليه أن يختار بين الانتقام من جلاديه وسجانيه، أو أن يمد إليهم يده بالعفو والصفح من أجل جنوب أفريقيا جديدة تطوي صفحة الماضي بكل مراراته، وتنطلق لآفاق المستقبل بكل طموحاته، ولكنه اختار العفو والصفح والانفكاك من أسر الماضي، ضارباً أروع الأمثلة لتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، على عكس ما يحدث في "مصر" اليوم من سيادة لغة الانتقام من الآخر. وبدأت قصة "مانديلا" عندما ولد عام 1918 في قرية صغيرة بجنوب أفريقيا، وكان يُعرف باسم قبيلته «ماديبا »، ثم أطلق علية مدرسه اسم "نيلسون مانديلا" كناشط إلى المؤتمر الوطني الأفريقي عام 1943، ومنذ ذلك الحين أصبح مؤسساً ورئيساً لرابطة الشباب في الحزب. وتزوج من زوجته الأولى "إيفلين ماس" عام 1944، ولكنهما انفصلا عام 1957 بعد أن أنجب منها ثلاثة أطفال. وفي عام 1958 تزوج "مانديلا" من "ويني ماديكيزيلا" التي كان لها بعد ذلك دوراً نشطاً في حملة طالبت بإطلاق سراح زوجها من السجن. واتجه "مانديلا" مع "أوليفرتامبو" كعضوين مؤسسين لعصبة شباب المؤتمر الوطني الأفريقي إلى إنشاء مكتب محاماة في "جوهانسبرغ" عام1952. ونظم الاثنان حملة ضد التمييز العنصري، ولا سيما بعد أن زاد التوتر المتعلق بالتمييز العنصري حدة عام 1960 عندما قتل 69 من السود على أيدي الشرطة في مذبحة «شاربفيل »الشهيرة، وأدى ذلك الحادث إلى نهاية المقاومة السلمية، وقاد "مانديلا" الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الحزب، حملة تخريب اقتصادي ضد النظام العنصري حتى ألقي القبض عليه. وفي عام 1956 اتهم "مانديلا" بالخيانة العظمي مع 155 ناشطاً آخرين، ولكن أسقطت التهم المنسوبة إليه بعد محاكمة استغرقت أربعة أعوام، كما اتهم بالتخريب المتعمد ومحاولة الإطاحة بالحكومة من خلال استخدام العنف، ولكنه دافع عن نفسه مروجاً لأفكاره بخصوص الديمقراطية والحرية والمساواة، وقال أمام هيئة المحكمة: "طالما سعيت من أجل مجتمع ديمقراطي حر، ينعم فيه كافة المواطنين بالسلام، وتتاح أمامهم فرص متساوية". لحظات صعبة وقد عانى "مانديلا" من لحظات صعبة، وتحديداً في عامي (1968، 1969)، حيث ماتت والدته وقتل ابنه الأكبر في حادث تصادم مروري، ولم يسمح له بحضور جنازتيهما، وظل في السجن بجزيرة «روين » ل18 عاماً. وعلى الرغم من المعاناة الكبيرة ل"مانديلا" وقيادات المؤتمر الوطني الأفريقي، الذين كانوا يعيشون إما في السجون أو في المنفى، فقد بذل هؤلاء الشباب السود قصار جهدهم للنضال ضد حكم الأقلية البيضاء، أدت إلى قتل المئات وإصابة الآلاف. ونظراً للمعاناة الكبيرة التي عايشها هؤلاء، أُطلقت حملة دولية لإطلاق سراح "مانديلا"، كما قام المجتمع الدولي بتشديد العقوبات ضد نظام التمييز العنصري التي كانت قد فرضت على جنوب أفريقيا عام 1967. وأثمرت تلك الضغوط وبخاصة في عام 1990 إلى رفع الرئيس «دي كليرك» الحظر المفروض على المؤتمر الوطني الأفريقي، وإطلاق سراح "مانديلا"، وبدأت محادثات حول تشكيل نظام ديمقراطي جديد يتسم بالتعددية العرقية. جائزة السلام وبعد هذا النضال الطويل، حصل "مانديلا" و"دي كليرك" على جائزة نوبل للسلام، وبعد خمسه أشهر أجريت انتخابات ديمقراطية في جنوب أفريقيا صوت فيها المواطنون بمختلف أعراقهم وانتخب "مانديلا" رئيساً بأغلبية الأصوات في ديسمبر 1993. واستمر "مانديلا" في منصبه كرئيس للبلاد حتى تنحى عن منصبه عام 1999، وأصبح أبرز سفير لجنوب أفريقيا، ونظم حملات ضد مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز، وشارك "مانديلا" الذي أصيب بمرض سرطان البروستاتا عام 2001 في مفاوضات سلام داخل "جمهورية الكونغو الديمقراطية" و"بوروندي" ودول أخرى في أفريقيا وخارجها. اعتزال وزواج وفي عام 2004 أعلن اعتزاله الحياة العامة ليتسنى له قضاء المزيد من الوقت مع عائلته وأصدقائه والاستغراق في جلسات تأمل هادئة، وعمل على حصول دولته على حق استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2010، ولم يظهر بعد ذلك سوى مرات قليلة، وربما يعد أبرز شيء قام به "مانديلا" خلال الأعوام الأخيرة إعلانه بعد وفاة ابنه "ماكجاثو" في أوائل 2005 أنه مات بسبب مرض الإيدز، داعياً المواطنين في جنوب أفريقيا إلى الحديث حول الإيدز، وجعله يبدو كمرض عادي. وفي عيد ميلاده الثمانين تزوج "مانديلا" من "غراسا ماشيل"، أرملة رئيس "موزنبيق". واستمر "مانديلا" يجوب العالم، ويلتقي بالزعماء ويشارك في المؤتمرات، ويحصل على الجوائز تقديراً لإنجازاته، وارتبط ظهوره بعد ذلك في الأغلب بمؤسسة "مانديلا" الخيرية التي أسسها، ومع بلوغه التاسعة والثمانين شكّل مجموعة الحكماء التي تضم شخصيات قيادية عالمية لتقديم الخبرات والإرشادات لعلاج «أصعب المشاكل في العالم». مصر وناصر يذكر أن "مانديلا" قد زار "مصر" عام 1962 قبل دخوله السجن بتهمة مناهضة النظام الحاكم والتمييز العنصري في جنوب أفريقيا... وخلال هذه الزيارة التقى "مانديلا" ووزير الإعلام الأسبق «محمد فائق» لطلب الدعم وتسليح حركة التحرير، كما كانت "القاهرة" أول عاصمة أفريقية يزورها عام 1990 بعد الإفراج عنه. وخلال زيارته للقاهرة عام 1990 واتصالاً بذكرياته عند زيارتها، حرص على زيارة مقر الجمعية الأفريقية في الزمالك، حيث توافد آلاف الأفارقة على الجمعية لاستقباله ورؤيته ومصافحته والاستماع إليه. ويعتبر "مانديلاً" من أشد المعجبين بالرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"، فقال عنه: "لو كان "جمال عبد الناصر" على قيد الحياة ودخلت "مصر" المنافسة أمام جنوب أفريقيا على شرف استضافة كأس العالم لكرة القدم 2010، لانسحبت جنوب أفريقيا على الفور، ولكن الظروف تغيرت الآن، و"مصر" لم تعد مصر ناصر". وختاماً، يجب أن نستفيد من كل ما نادى به هذا الرجل العظيم،- الذي ربما تفقده القارة السمراء في الأيام المقبلة -، وخاصة من خلال مقولة المشهورة: "من الأفضل أن تقود من الصفوف الخلفية، وتجعل الآخرين في المقدمة، وذلك عندما تحتفل بالنصر، أو بإنجازات جيدة تحققت... لكن عليك أن تتقدم الصفوف وقت الخطر، حينئذ سيقدر الناس قيادتك".