لكونها تتسع يوماً بعد يوم، وتنذر بآثار كارثية على مستوى الأمن والاستقرار، حذر العديد من الخبراء والمسئولين من جرائم الاتجار بالبشر، وتوجسوا من تناميها وتشابك آثارها وتعقيداتها في العالم العربي من المحيط إلى الخليج. فقد أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية - في تقريرها السنوي السابع عن الاتجار بالبشر - عدداً من دول الخليج العربي (البحرين وقطر وسلطنة عمان) ضمن اللائحة السوداء للاتجار بالبشر، بسبب ممارساتها الاستعبادية وخاصة في مجال الاستغلال الجنسي. كما أدرجت دولاً أخرى إلى اللائحة وهي: ماليزيا والجزائر وغينيا الاستوائية، ثم أضيفت تسعة دول أخرى هي مصر والعراق، والسعودية، وسوريا، والسودان، وإيران وفنزويلا، وكوبا، وكوريا الشمالية، وأوزبكستان، وبورما. وفي هذا الصدد سنبحث في الأسباب التي أدت إلى تنامي تلك الظاهرة، ولا سيما في منطقة الخليج العربي، من أجل التوصل إلى الحلول والمقترحات الخاصة بهذا الشأن. استغلال وأرقام ويقصد بجرائم الاتجار بالبشر بأنها عملية استغلال الإنسان، عبر التهديد أو الابتزاز، واستغلال ظروف الشخص المستهدف، بقصد التربح من ورائه من خلال البغاء، أو العمل الإجباري، أو نقل الأعضاء. كما تشمل الجرائم التي اعتبرها القانون اتجارا بالبشر: الاستغلال الجنسي، والسخرة، والخدمة قسراً، والاسترقاق، والممارسات الشبيهة بالرق، واستئصال الأعضاء والأنسجة البشرية. وبحسب تقرير وزارة الخارجية الأمريكية للاتجار بالأشخاص المنشور في الرابع من يونيو من عام 2008 على موقع الوزارة، فإن عدد ضحايا الاتجار بالبشر الذين يتم نقلهم عبر الحدود يقدر ب (800.000) شخص سنويًا. وأشار التقرير أيضاً إلى أن أكثر من مليون طفل يتم استغلالهم جنسيًا في كل عام، في أرجاء المعمورة، وحوالي (80%) من البشر الذين يتم الاتجار بهم ونقلهم سنويًا هم من النساء، يعمل أكثر من (70%) منهن في تجارة الجنس، و(30%) منهن ضحايا للعمل القسري. ويبلغ عدد البلدان المعنية بالاتجار بالبشر (161) دولة، منها (127) بلدًا مصنفة كدولة منشأ لهذه الجريمة، و(98) بلدًا مصنفة كدولة عبور، و(137) دولة كوجهة نهائية، وذلك طبقاً لمكتب الأممالمتحدة للمخدرات والجريمة، كما يصل عدد ضحايا الاتجار بالبشر بالاتحاد الأوروبي إلى (23623) شخصاً خلال الفترة ما بين عامي 2008 و2010، طبقاً لإحصائيات قدمتها المفوضية الأوروبية. لائحة سوداء وبالرغم من انضمام دول الخليج العربي للاتفاقيات الدولية لمكافحة الاتجار بالبشر، إلا أن هذه الجريمة لا تزال حاضرة وبقوة في هذه الدول، حيث أدرج التقرير سالف الذكر أن "البحرين" و"قطر" و"سلطنة عمان"، على لائحة سوداء تضم (16) بلداً لم يحصل فيها أي تقدم في مواجهة الاتجار بالبشر. وأوضح التقرير أن خمساً من دول الخليج الست مدرجة على اللائحة السوداء للاتجار بالبشر بسبب ممارساتها الاستعبادية. أسباب مختلفة وفي محاولات البحث عن أسباب ازدهار تلك التجارة، يرى معظم المراقبين أن السبب الرئيس في ذلك يكمن في القصور العربي المتعلق بتعريف هذه الجريمة قانونيًا، حيث يرون بأنه ليس جهدًا شاملاً بين دول الخليج كافة. فعلى سبيل المثال، تتداخل عدة عوامل ثقافية وقانونية فيما يتعلق بالإتجار بالبشر، مثل مسألة زواج الصغيرات في السن، التي تصنف في القانون الدولي على أنها استغلال غير تجاري للجنس، في حين تفضل بعض دول الخليج العربي هذه الممارسة. فضلاً عن التفاوت التشريعي بين دول الخليج العربي فيما يتعلق بجريمة الإتجار بالبشر؛ حيث إن هنالك تفاوتاً في البنية التشريعية والثقافية فيما بين دول منظومة مجلس التعاون الخليجي. فعلى الرغم من إقرار الدول الخليجية للقوانين والأنظمة المعنية بمكافحة الإتجار بالبشر، "الإمارات" في عام 2006، و"البحرين" و"عمان" في عام 2008، و"السعودية" في عام 2009، وإنشاء المنظمات والجهات المعنية بمكافحة هذه الجريمة، والإشراف على تطبيق القوانين المعنية، إلا أن هناك بعض الممارسات التي لا تزال قائمة ومسيطرة على بيئة العمل، ومن ذلك ساعات العمل الطويلة، وغياب التنظيم فيما يتعلق بالأجازات الأسبوعية أو السنوية (خصوصًا فيما يتعلق بالعمالة غير المدربة)، والتجاوزات اللفظية والجسدية، والتأخر في دفع المستحقات، والتحرش الجنسي، والأذى الجسدي، وتقييد حرية التنقل، وتغيير العقود في دول الخليج مثل "السعودية"، و"الكويت" و"الإمارات" و"قطر"، والتي باتت تمثل عاملاً مهماً في انتشار تلك الجريمة. ومن ناحية أخرى تفتقد دول مجلس التعاون الخليجي إلى الطابع الإلزامي، مما يعكس عدم انسجام الأنظمة والقوانين الخليجية المعنية بمكافحة جريمة الإتجار بالبشر، فلا توجد هيئة موحدة لمتابعة أو مراقبة الأنشطة الإجرامية المتعلقة بالإتجار بالبشر بين هذه الدول. ومن هنا يمكن القول أنه بالرغم من وجود التشريعات والقوانين التي تجرّم هذا العمل، إلا أن المصالح المتشعبة والبنية الاقتصادية لا تسمح بمراقبة دقيقة ومتقنة لهذه الجريمة، وأن العمالة الوافدة إلى منطقة الخليج العربي (أكثر من أربعة عشر مليون وافد)، باتت تشكّل بيئة خصبة لممارسة الاتجار بالبشر. مواجهة وحلول ولمواجهة تلك الجريمة، ينبغي على مؤسسات المجتمع المدني أن تكثف جهودها، حيث يمكن تقسيم دوره إلى نوعين: الأول: تعزيز الرقابة ورفع مستوى الشفافية، والثاني: رفع مستوى التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص فيما يتعلق بزيادة الوعي والتدريب على التعامل مع جريمة الإتجار بالبشر، بحيث تعمل مؤسسات المجتمع المدني على المساعدة في تحديث الأنظمة والتشريعات بشكل دوري، وعلى المساعدة في رفع الطاقة الإنتاجية لآلية العمل. ولا يقتصر دور مؤسسات المجتمع المدني على مكافحة جريمة الإتجار بالبشر بشكل مباشر، بل يمتد إلى العمل بشكل مساند فيما يتعلق بالإطار الشامل لهذه الجريمة (بقية الجرائم المصاحبة للإتجار بالبشر، كغسيل الأموال مثلاً). ومن ناحية أخرى، يستوجب على دول الخليج العربي أن تتعاون فيما بينها على توحيد الجهود، حيث إن من مصلحتها أن تتكاتف وتتعاون للقضاء على (أو الحد من) هذه الجريمة، وذلك لكون عملية التنقل للضحايا أو للمجرمين المرتبطين بالإتجار بالبشر، يعني عبور الحدود الخليجية. ختاماً، يشكّل الحضور الكبير للأيدي العاملة غير الخليجية، بيئة خصبة لممارسات الإتجار بالبشر، هذا بالإضافة لعوامل أخرى مثل الضعف الأمني والاقتصادي بين كافة الدول. وإذا ما أردنا عدم انتشار وتضخم تلك الظاهرة أكثر مما ينبغي، يجب التعاون الشامل بين دول الخليج العربي والعالم بأسره.