وسط استعدادات وحالات تأهب قصوى، تواجه أوروبا أسوأ فيضانات منذ 10 سنوات، حيث جاءت بعد أيام من الأمطار الغزيرة التي أسفرت عن وفاة شخص وغمرت المنازل والطرق السريعة. ولم يشهد وسط أوروبا فيضانات بهذا الحجم منذ 2002 حين قتل 17 شخصا في جمهورية التشيك وبلغت الخسائر المادية حينها حوالي 20 مليار يورو "26 مليار دولار"، حيث غطت مياه الفيضانات مساحات من الأراضي بعد أن اجتاحت وسط اوروبا واتجهت نحو ألمانيا حيث أجبرت أكثر من عشرة آلاف شخص على مغادرة ديارهم الثلاثاء. وبعد اتساع نطاق الفيضانات، التي شملت ألمانيا والنمسا والتشيك وغيرهم من البلدان الأوروبية، انتشرت حالات التأهب القصوى، وإعلان حالات التعبئة العامة بالجيش، كما لجأ المتطوعون إلى أكياس الرمل لحماية المناطق التاريخية، هذا وشاركت فرق تابعة للصليب الأحمر في إنقاذ المواطنين بمدينة باساو الألمانية. حماية التاريخ وأسفرت هذه الفيضانات عن حوالي عشرة قتلى بأوروبا، وعدد كبير من المفقودين، هذا بالإضافة إلى أضرار مادية لا حصر لها، حاولت جميع السلطات بالدول الأوروبية السيطرة عليها بمعاونة المواطنين، وكان الهم الشاغل للجميع هي المحافظة على المناطق التاريخية. ففي وسط العاصمة التشيكية براج، أقام متطوعون حواجز من أكياس الرمل لحماية المنطقة التاريخية من الغرق في مياه الفيضان الاثنين، بعد مقتل ما لا يقل عن ثمانية أشخاص وإغلاق مصانع وجلاء الآلاف السكان عن ديارهم بسبب الفيضانات في شتى أنحاء أوروبا الوسطى. كما نصب عدد من العمال حواجز على ضفاف نهر الدانوب في منطقة مروره في العاصمة التشيكية براتسلافا واغلقت الشرطة عدة طرق. وقال مسئولون ببراج التي أدرجتها منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونسكو» ضمن مواقع التراث العالمي: "إنهم لا يتوقعون ان يصل منسوب المياه في نهر فالتافا الذي يمر في وسط العاصمة إلى نفس منسوب عام 2002". لكنهم حرصوا على اتخاذ كافة التدابير الاحترازية، حيث أغلق المسئولون شبكة المترو وقام جنود بوضع حواجز معدنية متحركة في الشوارع القريبة من النهر ووسائل دفاع ضد الفيضان صدرت اوامر بها بعد كارثة 2002. واقام متطوعون في اماكن اخرى حواجز من أكياس الرمال، وأعطيت مواد مخدرة للنمور في حديقة حيوان براج واخرجت من حظيرة معرضة لخطر مياه الفيضانات، وأجبر أكثر من ثلاثة آلاف شخص على ترك منازلهم غربي التشيك، وأغلق جسر تشارلز وهو مكان مفضل للسائحين يعود إلى القرن الرابع عشر، وطفت جذوع أشجار في المياه التي عكرها الطمي. وفي المجر التي شيدت عاصمتها بودابست أيضا على ضفاف الدانوب نقلت وسائل الاعلام الرسمية عن جورجي باكوندي مدير الهيئة الوطنية للتعامل مع الكوارث قوله: "إن 400 شخص يشاركون في اقامة الحواجز لدرء خطر الفيضانات". وقال رئيس الوزراء المجري فيكتور اوربان: "إن حكومته حشدت أكثر من عشرين ألفًا من رجال الطوارئ، وقوات الدفاع والشرطة في محاولة لدرء خطر الفيضان". ولم يتضح بعد ما إذا كانت الحواجز الوقائية الجديدة التي جرى تركيبها ستكون كافية لصد المياه المتدفقة من ضفاف الأنهار. أضرار وقتلى ومن بين اكثر المناطق التي تضررت بالفيضانات تلك الواقعة على ضفتي نهر الدانوب الذي ينبع من ألمانيا ويمتد عبر دول منها النمسا وسلوفاكيا والمجر ليصب في البحر الأسود، وتضخم النهر بمياه أمطار غزيرة هطلت في مطلع الاسبوع. وكانت توقفت حركة الملاحة في أجزاء من نهري الدانوب والراين في ألمانيا واللذين يمثلان شريانين مهمين لنقل الحبوب والفحم وسلع اخرى وذلك بسبب ارتفاع منسوب المياه. وقتلت الفيضانات خمسة أشخاص في جمهورية التشيك في مطلع الأسبوع وزاد عدد القتلى إلى ستة الاثنين، حيث قالت وكالة الانباء التشيكية "سي.تي.كيه" أن الكهرباء صعقت عاملا كان يحاول وقف تشغيل محول كهربائي غمرته المياه على بعد 50 كيلومترا الى الشرق من براج، واعلنت حالة الطوارئ في حين قتل شخصان في النمسا وفقد اثنان آخران. وفي مدينة سالزبورج في النمسا وضع 160 راكبا أثناء الليل في ثكنة عسكرية بعد أن احتجزت الفيضانات قطارهم، وقال وزير الخارجية النمساوي مايكل شبيندلجر للصحفيين: "إن الموقف في بعض المناطق ينطوي عل مخاطر كبيرة". كما يشار إلى أن السلطات النمساوية قامت بإخلاء العديد من المنازل بسبب الفيضانات، وثارت المخاوف الاثنين، من ان تسلك الفيضانات مسار نهر الدانوب إلى دول اوروبية اخرى تقع على مساره. وقال رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو: "ترد إلينا أنباء سيئة من ألمانيا والنمسا، يتعين أن نبذل أقصى ما في وسعنا لحماية العاصمة". وتسببت الفيضانات التي أثرت أيضا على أجزاء من ألمانيا وسلوفاكيا والمجر وبولندا في انخفاض أسهم شركتي ميونيخ ري وهانوفر ري لإعادة التأمين بنحو 2.5 بالمائة حيث تتوقع الأسواق أن يتقدم أصحاب العقارات بعدد كبير من المطالبات للحصول على التأمين فور انحسار المياه. وأغلقت شركة فولكسفاجن لصناعة السيارات بصفة مؤقتة مصنعها في تسفيكاو بولاية ساكسونيا بشرق ألمانيا لأن الفيضانات حالت دون وصول العمال إلى المصنع كما غمرت المياه اجزاء من مدينة باساو الالمانية عند التقاء نهر الدانوب مع نهرين آخرين. وفي مدينة باساو الألمانية وصلت مياه الفيضان إلى مستوى لم تشهده المدينة منذ القرن السادس عشر، لكنها بدأت في التراجع. «ميركل» تتفقد وحول ما تواجهه ألمانيا من أسوأ أزمة فيضانات خلال 500 عام، أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن تقديم مساعدات عاجلة للمناطق التي تضررت من هذه الفيضانات، خاصة مع توقعات بأن الفيضانات ستسوء بشدة في المناطق الشمالية بالبلاد. وتعهدت ميركل بتقديم مساعدات بقيمة مائة مليون يورو إلى المناطق الألمانية التي تضررت من الفيضانات خلال زيارتها الثلاثاء، إلى البلدة التاريخية باساو بولاية بافاريا الواقعة بالقرب من الحدود النمساوية. وحذرت ميركل: «أن الساعات الأصعب لاتزال قادمة»، وتأتي تحذيراتها بعد أن اضطرت النمسا وسلوفاكيا والمجر أيضًا إلى تعزيز دفاعاتهم ضد الفيضانات استعدادًا لمواجهة خطر تدفق المياه من نهر الدانوب. وتفقدت ميركل على متن مروحية الوضع في ولاية بافاريا، وعلقت بعد ذلك قائلة إنها تفاجأت بالوضع المأساوي، وأضافت: " كنا نعتقد أن الأوضاع عام 2002 فادحة، لكن الوضع الآن أكثر مأساوية من الفيضانات السابقة". وستؤثر جولة ميركل في المدن المنكوبة، وتجاوبها السريع مع الموقف، وتعهدها برصد 50 مليون يورو كمساعدات مباشرة وعاجلة للمنكوبين، على نتائج الانتخابات العامة التي ستجرى في سبتمبر /أيلول المقبل. ومن جانبه قال المتحدث باسم الحكومة ستيفن شيبرت إن وزير الداخلية توجه جوا الاثنين، إلى المناطق المتضررة من الفيضانات. الجيش والتعبئة ولمواجهة هذه الكارثة، أعلن الجيش الألماني التعبئة العامة، وبدأت الوحدات العسكرية العمل لإنقاذ المتضررين، وإقامة الجسور لوقف الفيضانات وتقوية الجسور ومنعها من الانهيار. وفي المناطق الشمالية، تعاني منطقة "ساكسونيا" من ثورة عارمة لنهر "إلب" الذي ارتفع إلى مستويات مخيفة، حيث تنهمر المياه بشدة من دولة التشيك، مما أدى لغرق العديد من ألمانيا. وغرقت مدينة "ميسين" بالكامل وأصبح وسط المدينة تحت المياه، كما أغلقت مدينة دريسدن الجسور والكبارى الكبرى التي أغرقتها المياه بالكامل. وقررت الحكومة المحلية إعلان حالة الطوارئ ورفع درجة الاستعداد لمواجهة المزيد من الفيضانات مستقبلا، وهو ما حدث أيضا في جمهورية التشيك التي تأتي منها المياه نتيجة انهمار الأمطار الغزيرة على البلاد. هذا وقد أعلنت السلطات النمساوية عن استدعاء قوات من الجيش، لمساعدة الأجهزة المدنية على مواجهة آثار تلك الفيضانات. ونقل تليفزيون ال "بى بى سى" البريطانى عن السلطات قولها: "إن مهمة الجنود الأساسية هى إزالة آثار الانهيارات الأرضية وتمهيد الطرق حتى يمكن المرور عليها"، وأعلنت السلطات عن اعتبار أجزاء من اقليم بينزجاو بمثابة منطقة كوارث. وأخيراً فقد أشار بعض علماء المناخ إلى صلة محتملة بين ظواهر متطرفة مثل السيول والتغير المناخي. فكلما كان الهواء أكثر دفئا كلما زادت الرطوبة التي يحملها. وقالت دراسة أجرتها هيئة علماء من الأممالمتحدة العام الماضي أن هطول الأمطار بغزارة سيصبح أكثر شيوعا في القرن الحالي.