في أي بلد يكون أساس الحزب السياسي هو اختيار رئيس أو قائد له ذو أيدولوجية معينة ورؤى محددة يقوم حزبه باتباعها ، فالرئيس هو العمود الفقري لأي تنظيم سياسي . إلا أن الوضع اختلف في الجزائر مؤخراً بعد تبني رؤية جديدة في قيادة الحزب تتمثل في وجود أكثر من قائد وهو ما قام به حزب جبهة القوى الاشتراكية المعارض «الأفافاس»، حيث قرر بعد استقالة زعيمه التاريخي حسين آيت أحمد اختيار خمسة اعضاء بينهم امرأة لرئاسته. ويبدو أنه عزّ على هذا الحزب أن ينتخب رئيسا له يخلف حسين آيت أحمد، لأنه في اعتقاد قيادة الأفافاس، لا يرتقي أي رجل في جبهة القوى الاشتراكية لخلافة آيت أحمد، الشخصية التاريخية والثورية الكبيرة والقديرة. وأعلن حسين آيت أحمد، الذي أسس الحزب وقاده منذ 29 سبتمبر/أيلول 1963 في رسالة وجهها إلى المؤتمر قبل يومين، تنحيه من رئاسة الحزب استجابة لما وصفها بدورة الحياة وقوانين الطبيعة، في إشارة إلى تقدمه في السن. وتعذر عليه الحضور إلى المؤتمر بسبب إصابته بإعياء شديد، ويبلغ آيت أحمد من العمر 86 سنة، وهو أحد قادة ثورة الجزائر. قيادة خماسية فقد ابتكر أكبر حزب سياسي جزائري معارض آلية جديدة في قيادته السياسية بتشكيل هيئة رئاسية جماعية تضم خمسة كوادر، حيث أقر المؤتمر الخامس لحزب جبهة القوى الاشتراكية، إنشاء "هيئة رئاسية" تتشكل من خمسة أعضاء لتعويض رئيس الحزب وزعيمه التاريخي حسين آيت أحمد الذي يطلق عليه لقب "الدا الحسين". ومن هنا تصبح القيادة التي أطلق عليها اسم «الهيئة الرئاسية»، بديلا لزعيمها التاريخي حسين آيت أحمد، الذي قرر تسليم المشعل للجيل الجديد. وقال المتحدث باسم المؤتمر أحمد بطاطاش، إن المؤتمرين وعددهم 1044مندوباً صادقوا على إنشاء هيئة رئاسية جماعية، لأنه لا أحد يمكنه أن يعوض بمفرده 70 سنة من نضال الزعيم حسين آيت أحمد. وتضم الهيئة وزير التجارة الأسبق والخبير الاقتصادي في الأممالمتحدة، محند أمقران شرفي، والسكرتير الأول السابق للحزب علي العسكري، إضافة إلى ثلاثة نواب في البرلمان هو سعاد اشلامن وعزيز بهلول ورشيد حاليت، وهذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها حزب سياسي في الجزائر إلى تشكل قيادة جماعية، تمثل هيئة الرئاسة. وتعد جبهة القوى الاشتراكية أقدم وأكبر أحزاب المعارضة في الجزائر، أسسه حسين آيت أحمد عام 1963 رفقة عدد من "كوادر" ثورة تحرير الجزائر، بعدما رفض انقلاب الجيش على الحكومة المؤقتة التي كانت تدير شؤون الثورة عشية الاستقلال في يوليو/تموز 1962. تجدر الاشارة إلى أن دستور الجزائر يسمح بإنشاء الأحزاب السياسية بشروط المادة 42 من الدستور . وتتمثل هذه الشروط في حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به ومضمون. ولا يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات الأساسية، والقيم والمكونات الأساسية للهوية الوطنية، والوحدة الوطنية، وأمن التراب الوطني وسلامته، واستقلال البلاد، وسيادة الشعب، وكذا الطابع الديمقراطي والجمهوري للدولة. - وفي ظل احترام أحكام هذا الدستور، لا يجوز تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي أو مهني أو جهوي. - ولا يجوز للأحزاب السياسية اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر المبينة في الفقرة السابقة. - يحظر على الأحزاب السياسية كل شكل من أشكال التبعية للمصالح أو الجهات الأجنبية. - لا يجوز أن يلجأ أي حزب سياسي إلى استعمال العنف أو الإكراه مهما كانت طبيعتهما أو شكلهما. - تحدد التزامات وواجبات أخرى بموجب قانون. مخاوف الانشقاق وعقد المؤتمر الخامس ل «جبهة القوى الاشتراكية» تحت شعار «من أجل إعادة بناء إجماع وطني». وانتخب أعضاء المجلس الوطني للحزب قبل اختتام أعمال المؤتمر. وكان آيت أحمد الذي يترأس أقدم حزب للمعارضة منذ تأسيسه قبل خمسين سنة تخلى عن رئاسة الجبهة خلال المؤتمر، داعياً الجزائريين إلى «البقاء متحدين من أجل تشييد دولة القانون والديموقراطية». وفتح إعلان الانسحاب باب التفكير مبكراً في من يخلف الرئيس التاريخي للجبهة، وتساؤلات عما إذا كان الحزب سيحافظ على خطه المعارض الذي تأسس معه، خصوصاً أن خروج آيت أحمد يعد بتصدعات عميقة في الحزب لوجود تيارات تختلف في تصور مستقبل الجبهة وعلاقتها بالسلطة ومرشحها أيضاً للانتخابات الرئاسية المقبلة. ويبدو أن الجبهة تجاوزت إلى حد كبير أزمة انشقاق أعلنها عشرات الأعضاء والكوادر يقودهم الأمين العام السابق للحزب كريم طابو الذي اتهم الحزب ب «الارتماء في صفقة مع السلطة». وردت قيادة الجبهة على خطوة المنشقين، بدعوة طابو إلى «إعادة العهدة البرلمانية للحزب». رئيس شرفي وفي ترتيب القيادة الجماعية الجديدة يتحول آيت أحمد إلى شخصية رمزية تتولى الرئاسة الشرفية للحزب. وكان حسين آيت احمد (86 عاما) الذي راس الجيهة منذ تاسيسها في 1963 استقال من منصبه الخميس ، وبسبب عدم تمكنه من المشاركة في المؤتمر لدواع "صحية"، فقد اعلن المعارض التاريخي استقالته من رئاسة الحزب في رسالة وجهها الى المشاركين في المؤتمر. وقرر المؤتمر الجمعة تعيين حسين آيت احمد رئيسا شرفيا للحزب. وآيت احمد هو الباقي الوحيد على قيد الحياة من كوكبة المناضلين الجزائريين الذين فجروا ثورة التحرير وحرب الاستقلال من الاستعمار الفرنسي في الاول من تشرين الثاني /نوفمبر 1954. ولد آيت احمد في 20 آب/اغسطس 1926 بعين الحمام في منطقة القبائل. وكان انتخب نائبا في اول جمعية وطنية جزائرية في 1962 لكنه عارض اول رئيس للجزائر المستقلة احمد بن بلة فاسس جبهة القوى الاشتراكية في 1963 وانخرط في المقاومة من جبال القبائل. وتم توقيفه في 1964 وحكم عليه بالإعدام ثم صدر عفو عنه. وفر في نيسان/ابريل 1966 واستقر بلوزان (سويسرا) التي عاد منها الى الجزائر في كانون الاول/ديسمبر 1989 بعد 23 عاما في المنفى. وجاءت عودته مع اعتراف السلطات بالتعددية الحزبية وبحزبه. وفي تموز/ يوليو 1992 عاد إلى المنفى ثم وقع في كانون الثاني/يناير 1995 اتفاق سانت ايجيدو بروما الذي طالب السلطات بمفاوضات لانهاء الحرب الأهلية. وبين الموقعين على الاتفاق جبهة الانقاذ الاسلامية التي تم حلها. وترشح آيت احمد للانتخابات الرئاسية في نيسان/ابريل 1999 قبل ان ينسحب مع خمسة مرشحين آخرين تنديدا بما اعتبروا انه تزوير لحساب عبد العزيز بوتفليقة. وهو يعيش منذ ذلك التاريخ في سويسرا. وجبهة القوى الاشتراكية التي قاطعت الانتخابات عشر سنوات، عادت وشاركت في الانتخابات التشريعية في ايار/مايو 2012 وفازت ب 27 مقعدا من مقاعد البرلمان ال 462. انسحاب ست قيادات وذكرت صحيفة «الخبر» لجزائرية انه بإعلان الزعيم التاريخي لحزب جبهة القوى الاشتراكية، حسين آيت أحمد، تنحيه عن رئاسة الأفافاس، ''استجابة لدورة الحياة، وضرورة تسليم المشعل لقيادات جديدة''، يكون عقد الستة قد اكتمل، ففي أقل من سنة، وفي خضم الاستعدادات للانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل 2014 عصفت التحولات السياسية في الجزائر بستة قيادات حزبية سيطرت على المشهد السياسي خلال العقد الأخير في الجزائر. قبل أكثر من سنة، أعلن مؤسس وزعيم حزب التجمع الجمهوري، رضا مالك، تنحيه من قيادة الحزب، بسبب ''رغبته في منح الفرصة للجيل الجديد''، وبسبب تقدمه في السن، ووجد رضا مالك نفسه مجبرا على التخلي عن قيادة الحزب الذي دخل منذ سنوات في غيبوبة سياسية. وقبل آيت أحمد ورضا مالك، كان زعيم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، سعيد سعدي، قد قرر الانسحاب الطوعي من قيادة الحزب خلال مؤتمر الحزب الذي عقد في مارس ,2012 وبرر سعدي قراره ب''ضرورة حصول التداول في قيادة الحزب، ومنح الفرصة للكوادر الشابة لتحمل مسؤولياتها''. ودفع الصراع الحاد بين أقطاب جبهة التحرير الوطني بالأمين العام للحزب، عبد العزيز بلخادم، إلى خارج قيادة الحزب، بعد خلافات عنيفة مع معارضيه، خلال هزيمته في معركة الثقة خلال دورة اللجنة المركزية للحزب التي انعقدت نهاية شهر جانفي الماضي. وبالصورة نفسها تقريبا، اضطر الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، إلى تقديم استقالته من منصبه، بعدما واجه انشقاقا حادا داخل الحزب، بعد تمرد عدد من الكوادر عليه، وقدم أويحيى استقالته في التاسع جانفي الماضي، وقال في رسالة الاستقالة إنه ''وجد أن هذا القرار هو الوحيد الذي يمكن أن يخدم وحدة الحزب''. ولم ينته الفصل الأول من السنة الجارية 2013 حتى أعلن رئيس حركة مجتمع السلم، أبو جرة سلطاني، تنحيه عن رئاسة الحركة، وانسحب طواعية من الترشح لعهدة ثالثة في قيادة الحركة خلال المؤتمر الخامس الذي عقد أول ماي الجاري. وطلب سلطاني الإعفاء من المؤتمرين، وقال إنه ''يؤمن بالتداول الهادئ على القيادة والسلطة، وأن حزبه جدير بتكريس هذا السلوك السياسي''. وبخلاف هذه القيادات، مازالت زعيمة حزب العمال، لويزة حنون، الوحيدة بين القيادات السياسية التي صمدت إزاء كل التحولات والمتغيرات السياسية الطارئة في البلاد، وأبقت على نفسها في المقعد المتقدم وفي أعلى هرم الحزب، بل وتقدمت من ناطقة باسمه إلى أمينته العامة، على عكس عبد الله جاب الله الذي رفض الخروج من المشهد، وتدحرج بين ثلاثة أحزاب أسسها حتى الآن، وهي حركة النهضة ثم الإصلاح ثم التنمية والعدالة. وفي النهاية نتساءل هل يمكن أن تحذو احزاب جزائرية أخرى حذو جبهة القوى الاشتراكية وتتبع هذا الاسلوب الجديد في القيادة وتقضي على فكرة «القائد الواحد» ؟ .