- تعلم العزف على العود وفشل كشاعر - لم يستخدم قلمه فى إهانة شخص -كان وفدىاً قديماً .. وسقط عدة مرات كمرشح للإخوان "أخذت على نفسى عهدا بألا أسىء الى أى إنسان بكلمة نابية حتى ولو كنت معارضا له فى سياسته وحتى لو آذانى " هكذا تحدث عمر التلمسانى التي تمر اليوم 22 مايو ذكرى رحيله عن نفسه فى كتاب "ذكريات لا مذكرات". ولد عمر التلمسانى المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين فى 4 نوفمبر 1904 فى الغورية ، وهو من أصل جزائرى ؛ فعائلته من الجزائر من بلد تلمسان التى احتلها الفرنسيون بعد دفاع أهلها المستميت عنها ، وهذا ما جعل الفرنسيون يخصصوا جناحا خاصا فى متحف اللوفر به كل الأسلحة التى دافع بها التلمسيون عن أنفسهم وهذا سر لقبه ، ثم هاجرت عائلته إلى مصر واشتغلوا بتجارة الحبوب والأقمشة بين مصر والخرطوم وسنغافورة. قصة انضمامه للإخوان "إنها لأكبر سعادة لا قيتها فى حياتى أن أكون من الإخوان المسلمين ، إننا لم نلتق على البنا أو الهضيبى؛ إنما التقينا على الله ، ولم نبايع البنا أو الهضيبى لكننا بايعنا الله". أخذت السياسة من التلمسانى وهو فى الجامعة اهتماما كبيرا ، فقد كان وفديا بكل كيانه ، وكان كثير التردد على بيت الأمة ، وبدأت علاقته بالإخوان حينما اتخذ مكتبا فى شبين الكوم بالقناطر وطلب أن يقابله بعضهم ، وسأله أحدهم ماذا تفعل هنا ؟ فأثاره السؤال وأجاب ساخرا : "أُربى كتاكيت" ، ولكن إجابته لم تستفزهم بل أخبروه أن هناك من يريد التربية أكثر من الكتاكيت ، وهم المسلمون الذين بعدوا عن دينهم ، ولكن التلمسانى فى البداية لم يهتم بل أخبرهم أن الأزهر هو من يتولى هذه المهمة ، لأنه بمفرده لن يستطع فعل شئ ، فأخبروه أن هناك هيئة إسلامية شاملة اسمها جماعة الاخوان المسلمين ويرأسها مدرس ابتدائى اسمه "حسن البنا "، وسوف يحددوا له موعدا ليقابله ويتعرف إلى ما يدعو إليه ويريد تحقيقه ، فشبت العاطفة الدينية الكامنة فى دخيلة نفسه إلى الرضا ، ووافق على مقابلة البنا. وفى لقائه تحدث البنا معه عن الدعوة وأن أول مطلب له وآخره هو المطالبة بتطبيق شرع الله وتوعية الشعب الى هذه الحقيقة التى لن يتحقق الخير إلا عن طريقها، كما أخبره أن التنظيم السرى للإخوان قام لمحاربة إسرائيل وليس لاغتيال الوزراء كما يعتقد الناس، ولما أنهى حديثه سأل التلمسانى : هل اقتنعت ؟ لا تجب الآن وأمامك أسبوع تراود نفسك فيه فإنى لا أدعوك لنزهة ولكنى أعرضك لمشقات ؛ فإن شرح الله صدرك فتعال فى الاسبوع القادم للبيعة وإن تحرجت فيكفينى منك أن تكون صديقا للإخوان المسلمين ، فعاد التلمسانى فى الموعد وبايع . وقد رشح التلمسانى نفسه لمجلس النواب كأخ مسلم ، ولكنه لم يفز رغم تكرار المحاولة لأنه لم يكن خبيرا فى الانتخابات ، ويفجر التلمسانى مفاجأة ويقول: أن حسن البنا بصوفيته هو صانع انقلاب 1952، وينفى أن الإخوان ناصبوا نظام 23 يوليو العداء بل قال إنهم عملوا على دعمه وحماية البلاد من عمليات التخريب انتصارا لإرادة التغيير ، أما السلطة فقد سجنت الإخوان واعتقلتهم واغتالت مرشدهم لأنه كان يعمل ظاهرا وهم يعملون فى الخفاء. وقد دخل السجن في عام 1948 ثم عام 1954م وأفرج عنه في آخر يونيو 1971م جاءه ضابط المعسكر وقال: لقد أفرج عنك، فاجمع حاجتك لتخرج، وكان الوقت بعد العشاء، فقال للضابط: ألا يمكن أن أبيت الليلة هنا، وأخرج صباحًا فإني قد نسيت طرقات القاهرة!. وقد اختير التلمساني مرشدًا للجماعة بعد وفاة المستشار الهضيبي ثم قبض عليه السادات مع المئات من مفكرين وأقباط وأساقفة وكتاب وغيرهم في عام 1981م. أحبّ الموسيقى .. وفشل أن يصبح أديباً أقبل التلمسانى على الحياة بكل مباهجها ، فتعلم الرقص الأفرنجى فى صالات عماد الدين ؛ وكان تعليم الرقصة الواحدة فى مقابل ثلاث جنيهات ، فتعلم الدن سيت والشارلستون والتانجو ، كما تعلم العزف على العود ، وكانت له محاولات فى كتابة الشعر والأدب ، فبالرغم من أنه وعي على الدنيا ؛ فوجد نفسه يصلى ويصوم ، ورغم بدء حفظه للقرآن وبعض الأحاديث والكتب الدينية فى سن صغير ، فقد كانت تستهويه أعمال البطولة وحماية الشرف والعشق والهيام . كان أول ما قرأ أبى زيد الهلالى وعنترة بن شداد ، ثم تدرج إلى قراءة روايات اسكندر ديماس وابنه ، وكان يحب كل ما يكتبه المنفلوطى ويبكى بحرارة مع مآسيه ، ورغم كل هذا العشق للأدب ، لم يستطع أن يكون أديبا أو موسيقيا رغم حبه للموسيقى وعزفه على العود لسنين ، ولم يستطع أن يكون شاعرا رغم كل محاولاته ، حيث عرض ما كتب من الشعر على بعض الشعراء ، فقالوا له أن ما يكتبه كلام مسجوع فى أبيات وليس شعراً. حبه الوحيد "أغار عليها من الشمس أن تلقى عليها أشعتها ، ومن الهواء أن يلامس طرف ملابسها" فى حياة الشيخ عمر إمرأة واحدة أحبها من قلبه وهام بها عشقا، وكان متطرفا فى غيرته عليها إلى درجة جعلته يمنعها من سماع أغنيات الموسيقار رياض السنباطى ؛ لشغفها بألحانه بل إنه ذهب إلى أكثر من ذلك بأن حرمها من أن تزوره فى السجن عشر سنوات كاملة ؛ حتى لا يراها ضباط السجن ورفاقه من المسجونين عند زيارتها له . وقد تزوجها، وقد دام هذا الزواج ثلاثة وخمسين عاما فى سعادة حتى توفيت زوجته ، وجلس يبكيها بحرقة كلما مرت ذكراها بخاطره ، أو ذكرها أحد أمامه ، ولم ترق فى عينه أى امراة سواها. وفاة التلمسانى "مات عمر التلمسانى .. صمام الأمان لجماعة وشعب ووطن " هكذا قال عنه ابراهيم سعده رئيس تحرير أخبار اليوم ؛ حيث توفى التلمسانى يوم الأربعاء 22 مايوم 1968 ، بعد معاناة مع المرض عن عمر يناهز 82 عاما ، وكان تشييعه فى موكب شارك فيه أكثر من نصف مليون نسمة من الجماهير، فضلا عن الوفود التى جاءت من خارج مصر. قالوا عنه : الشيخ محمد الغزالي عليه رحمة الله عنه : "السمة العامة التي كنا نعرفه بها: وجهه البشوش وأدبه الجم وصوته الهادئ، وظاهر من حالته أنه كان على جانب من اليسار والسعة لا يسلكه في عداد المترفين، وإنما يخصه من متاعب الكدح ومعاناة التطواف هنا وهناك، ويحفظ عليه حياءه الجم". وقال عنه مصطفى أمين تحت عنوان "فكرة": "لو كان عمر التلمساني على قيد الحياة لاستنكر إحراق المسارح ومحلات الفيديو ومحل بقال في الزمالك، فالإسلام الذي سمعته من فمه دين يدعو إلى الحب والتسامح والبناء والتعمير، ويرفض العنف والحرق والتدمير. ولا إكراه في هذا الدين ولا حقد ولا بطش ولا انتقام ، وقد أمضيت سنوات طويلة مع التلمساني في سجن ليمان طرة . وكانت زنزانته في مواجهة زنزانتي، كنت أراه كل يوم وأتحدث إليه ، وكان التلمساني يرى أن الإسلام يلعن الطاغوت، أي الذي يفرض إرادته على الناس، ويكتم أنفاسهم ليتكلم، ويقيدهم ليتحرك فوق أشلائهم. وكان يعارض الاغتيالات وأعمال العنف. ويرى أن مقاومة الطاغية تكون بالصمود والإيمان والثبات. وقال الشيخ عبدالحميد كشك الداعية الإسلامي الكبير: "الراحل الكريم، يرحم الله جهاده، ويرحم الله صبره بعد الإرهاب والسجون والمعتقلات، ظل في السجون سبعة عشر عامًا فما لانت له قناة، وما انحنى إلا لله، وما ركع إلا لمولاه، وما سجد إلا للواحد الديان، يا عمر نم هادئًا بجوار الحق سبحانه، نم إلى جوار ربك بعد أن صبرت واحتسبت نشهد أنك والحمد لله قد صبرت واحتسبت وبلغت وأديت فإلى جوار الله في جنات ونهر".