تشهد ماليزيا يوم الأحد القادم انتخابات تشريعية تبدو أنها ستكون الأكثر تنافسية في تاريخ البلاد وستشكل اختبارا صعبا لتحالف الجبهة الوطنية الحاكم منذ عام 1957 وزعيمه رئيس الوزراء نجيب عبد الرازق الذي يتعرض لضغوط شديدة نتيجة التراجع المتواصل في شعبيه حزبه الحاكم والتصاعد الملحوظ للمعارضة. واتخذ تحالف الجبهة الوطنية الحاكم "التغيير" شعارا له في حملته الانتخابية التي بدأت منذ عدة أيام وذلك في محاولة منه لكسب أصوات الناخبين وإثبات قدرته في الحفاظ على الحكم وقطع الطريق أمام ائتلاف قوى المعارضة، بينما لجأت الأخيرة إلى رفع شعارات دول الربيع العربي في محاولة للتبشير بقرب حدوث "ربيع ماليزي" وإسقاط الحزب الحاكم من خلال صناديق الاقتراع. تراجع التحالف الحاكم وترجح آخر استطلاعات الرأي، التي أجريت خلال الأيام القليلة الماضية، فوز تحالف الجبهة الوطنية بأغلبية صغيرة لن تمكنه من استعادة أغلبية الثلثين التي خسرها لأول مرة خلال الانتخابات التشريعية لعام 2008، والتي كانت تمكنه من تعديل الدستور. ويرجع المراقبون هذا الأمر إلى التراجع الملحوظ في شعبية التحالف الحاكم خلال السنوات الأخيرة وذلك على الرغم من حزمة الإصلاحات السياسية التي أجرتها الحكومة منذ عام 2011، والتي كان أبرزها إلغاء 3 قوانين للطوارئ وتبني قانون جديد للأمن ينهي اعتقال الشرطة المشتبه فيهم لأجل غير مسمى، ويسمح بالتظاهر السلمي وفق ضوابط وشروط أهمها عدم التعرض للمصالح العامة والخاصة. ومع ذلك لم تلق تلك الإصلاحات قبولا من قبل المعارضة التي اعتبرت أنها تمثل خطوة إلى الوراء حيث أنها تهتم بالشكل أكثر من المضمون، ولا تعدو كونها جزءا من الحملة الانتخابية للحكومة ومن ثم فهي لا تنطوي على أي استعداد حقيقي للاصلاح، ونتيجة لذلك شهدت ماليزيا خلال الفترة الأخيرة العديد من الاحتجاجات ضد حكومة عبد الرازق كان آخرها في يناير الماضي، وضمت الآلاف من أنصار المعارضة والمجتمع المدني للمطالبة بإجراء إصلاحات في النظام الانتخابي قبل الانتخابات المزمع عقدها الاسبوع القادم. سمات مميزة وذكر مركز دراسات وابحاث الشرق الاوسط أن تلك الانتخابات تتسم ببعض الأمور التي تميزها عن غيرها من سابقتها أولها تركيز البرامج الانتخابية للمرشحين على قضايا تهم الشباب مثل تطوير تكنولوجيا المعلومات وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين ورفع الأجور والتعليم ومنح فرص للجيل الجديد. وبدا واضحا أن مرشحي التحالفين المتنافسين يهتمون بتوجيه رسائل مباشرة لفئة الشباب عن طريق وسائل الإعلام الجديد، ويحرصون على التواصل المستمر معهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة وأن مستخدمي الإنترنت في ماليزيا قد تجاوز نسبة ال 65%، كما أوضحت إحصاءات حكومية أن عدد المسجلين الجدد في سجلات الناخبين لهذه الانتخابات بلغ أكثر من 3 ملايين ناخب، وهو ما يمثل ربع عدد الناخبين، وغالبيتهم العظمى من الشباب. بالإضافة لذلك تضم قائمة مرشحي الحكومة والمعارضة ما بين 30 إلى 40% من الشباب الذين يتم ترشيحهم لأول مرة، وهو ما يعكس الأهمية التي تحظى بها تلك الفئة في الانتخابات المقبلة. ثاني الأمور التي تميز هذه الانتخابات هي المراهنة على قوى خارجية في التأثير على مجريات العملية الانتخابية، وظهر ذلك من خلال قيام الحزب الحاكم بالمراهنة على علاقاته الاقتصادية والتجارية التي تجمعه مع الصين، الشريك التجاري الأهم لماليزيا، في مقابل اعتماد المعارضة على الولاياتالمتحدةالأمريكية التي أصبحت أكثر اهتماما بمنطقة جنوب شرق آسيا، وهذا الأمر لم يألفه من قبل المشهد الانتخابي الماليزي ويعكس الأهمية الكبيرة التي أصبحت تحظى بها ماليزيا لدى كل من بكين وواشنطن. أما ثالث الأمور التي تميز هذه الانتخابات عن سابقتها هو الدور الذي يلعبه التنوع العرقي والديني، حيث بدا ملحوظا التنافس بين مختلف القوى السياسية في ماليزيا من أجل ضمان كسب أصوات الأقليات في الانتخابات، ومن المعروف أن ماليزيا تضم العديد من القوميات والديانات المختلفة فهي تضم 3 أديان ل 3 أعراق رئيسية، هي المسلمون الملاويون بأغلبية 53%، يليهم الصينيون البوذيون بأكثر من 25% ثم الهنود الهندوس ب15%. والواقع أن هذا التعدد العرقي كان كفيلا بإشعال البلاد وتحويلها إلى ساحة قتال دامية، غير أن القادة الماليزيين حرصوا قبيل استقلال البلاد عام 1957 على إنشاء تحالف من أكبر الأحزاب الملايوية والصينية والهندية أطلق عليه "تحالف الجبهة الوطنية" وهو الذي مثل ضمانة للاستقرار في البلاد ومكن التحالف من الحفاظ على حكمه لعقود طويلة، كما ساهم في حل المشكلات الطائفية والعرقية خلف الأبواب المغلقة، بعيدا عن الإثارة الإعلامية والاستعراضات السياسية. ورغم انخفاض نسبة تمثيل الصينيين والهنود، فإنهم ما يزالون يشكلون قوة انتخابية هامة، حيث حصدوا في تحالفي الحكومة والمعارضة عام 2008 أكثر من 55 مقعدا من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 222. حزب العمل وكشفت استطلاعات الرأي أن 80% من الصينيين سيصوتون في الانتخابات المقبلة لحزب العمل الصيني المعارض حيث يرون أن وقوفهم وراء الحزب المعارض القوي يضمن لهم مصالحهم وتحقيق مطالبهم، في حين ترى الأقلية الهندية أن مصالحها مصانة ومحفوظة بوقوفها إلى جانب التحالف الحاكم. وفي سابقة تعد الأولى من نوعها قامت الكنيسة الكاثوليكية في ماليزيا بدعوة الناخبين للتصويت للمعارضة، معللة ذلك بحاجة الماليزيين إلى التغيير. ويرى المحللون المتخصصون في الشأن الماليزي أنه من الصعب بمكان التكهن بما سيسفر عنه المشهد الانتخابي الماليزي غير أن السيناريو المرجح - وفقا لرؤيتهم ولاستطلاعات الرأي - يتمثل في فوز الائتلاف الحاكم بأغلبية صغيرة ويرجعون السبب في ذلك إلى أن المعارضة تعاني من تصدع واضح داخل صفوفها بسبب التباين في العديد من الرؤى والأفكار والاختلاف حول عدد من القضايا العرقية والدينية، وأصبح لا يجمعها هدف موحد إلا ضرورة إسقاط الحكومة وانتزاع السلطة من الحزب الحاكم، غير أن هذا الأمر لا يعد كافيا - من وجهة نظر المتخصصين - للوصول إلى سدة الحكم وإسقاط الائتلاف الذي ظل يحكم البلاد لأكثر من 4 عقود. إضافة لذلك فإن الوضع الاقتصادي المتميز الذي تشهده ماليزيا يعزز من فرص فوز الائتلاف الحاكم، فهي تعد أحد النمور الأسيوية التي شهدت نهضة اقتصادية كبيرة خلال العشرين سنة الماضية واستطاع اقتصادها أن يحقق أفضل الأرقام الاقتصادية في آسيا، حيث بلغ متوسط نمو الناتج المحلي نحو 5ر6% على مدار 50 عاما، فضلا عن التقدم التكنولوجي والصناعي وتقدم مستويات التعليم.