الشفقة والرحمة والرأفة بالأخر ، أقصى ما يمدح به الرجل الفاضل أن يحسن إلى من أساء إليه ، والشفقة هى مشاركتك غيرك فى الأحساس بألمه ، ادراك الأنسان لآلام أخيه ، ومعرفته له بما يكابد وقاساه ، فأنها تجعل الأنسان أهلاً لأن يدرك انفعال غيره ويحس ألمه ، فإذا شاهد الأنسان أخاه ، فى الأنسانيه ، على حالة التألم رجع البصر كرة إلى نفسه فأحس بخلوها منه ، تجلت له سلامته بجانب ألم صاحبه . كما يحس من بالشاطى سلامته عند مشاهدة الغريق يغالب الأمواج وهى تغوص به إلى قرار البحر ، تكون الشفقة ناشئة عن توقع حلول المكروه بنا كما وقع لأمثالنا ، فنفرض أنفسنا على مثل حالة المتألم ، فتكون شفقتنا عليه ، فى نفس أشفاقنا على أنفسنا ، وبكاؤنا عليه بكاء على أنفسنا ، لأن من أصول الشفقة ان يضع الأنسان نفسه فى منزلة غيره ، ويحل فى محله ، ويهتم بأحوال الناس ، أهتمامه بأحوال نفسه ، فيكره لهم ما يكره ، ويحب لهم ما يحب . وهذا هو معنى المساواة فى أكمل مظاهرها . وفى الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا اذا اشتكى منع عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) كثيراً ما نجد مريض يحتاج إلى جراحه عاجله ، فيماطل الطبيب حتى يستوفى أجره كاملاً ، متغاضى ، عن الألم بالمريض ، الذى هو سالم منه و بعيد عنه ، فلو وضع الطبيب نفسه منزلة المريض ، ومساواته نفسه بالمتألم ومشاركته فى التألم مما يتأثر به سواه ، فلا نقول أن هذا الطبيب مادى ، بل نقول كيف صار هذا القلب جماد خاليا من الشفقة . ( قال تعالى : إن الله يأمر بالعدل والإحسان ، والشفقة تكفنا عن مباشرة الأذى وتحجبنا عن أيقاع الإيلام بغيرنا ، فهى منبع العدل وذلك تعريفه ، وانها تبعث النفس على تخفيف الألام عن الناس وتدعو إلى فعل الخير معهم وهو أصل الأحسان ، والشفقة بين الأنسان والأنسان ، وبين الأنسان والحيوان ، فلا أبشع ولا افظع إيقاع الألم بالحيوان ، وعدم التأثر لم يقع على الحيوان الأعجم من الألم ، فإذا تبلد الناس واغفلوا عن الشفقة والتراحم والتلاحم حلت الأحزان والاضطرابات والاعتصامات