الخبز هو أساس الغذاء في العالم كله ، ورغم هذه الأهمية لتلك السلعة الأساسية نجد أن الكثير من الدول تتعرض لأزمة خبز تنحصر بين قلة تلك السلعة وبين زيادة أسعارها أو رداءتها . والخبز عند الجزائريين يعتبر سيد المائدة، فحتى لو كانت المائدة مليئة بكل ما لذ وطاب من مأكولات مشروبات، فإن الخبز سيظل ويبقى سيدها، وبدونه تكاد المأكولات الشهية الأخرى تصبح دون معنى، إلا أن هذه البلد شهدت أزمات متكررة وحادة في تلك السلعة الرئيسية ، حيث يبدأ المواطنون في رحلة بحث شاقة من حي لآخر بهدف الحصول على رغيف خبز، وعادت الأزمة مرة أخرى لتتصدر المشهد من جديد خلال الأيام الماضية . فقد بدأ الخبازون بالجزائر أمس إضراباً للضغط على الحكومة للمطالبة بتوسيع هامش الربح للعاملين في الأفران والمخابز لمساعدتهم على مواجهة ارتفاع أعباء المعيشة المستمر وزيادة أسعار المواد الأولية في صناعة الخبز. أزمة غير مسبوقة ويأتي هذا الإضراب احتجاجا على إصرار السلطات عدم إقرار زيادات في سعر الخبز من جهة، وعدم قيامها بأي جهد من أجل تخفيض قيمة المواد الأولية التي تدخل في صناعة الخبز، حتى تحافظ على هامش ربح معقول لفائدة الخبازين. كما يأتي قرار الإضراب الذي أعلن عنه اتحاد الخبازين بعد فشل المفاوضات التي دخل فيها الاتحاد مع السلطات بخصوص هامش الربح الذي يحققه الخبازون، والذي يبقى منخفضا على حد قول يوسف قلفاط أمين عام اتحاد الخبازين. وفي ظل هذه الاحتجاجات الشعبية عاشت البلاد يوما بلا خبز بعد إضراب المخابز حيث شهدت المدن الجزائرية أزمة خبز غير مسبوقة ، فقد أغلقت المخابز أمس الثلاثاء، أبوابها في الجزائر، وعاشت المدن الجزائرية أزمة خبز غير مسبوقة. ونظم الخبازون أنفسهم خلال الإضراب، وقاموا بتوزيع الخبر فجراً على مطاعم الجامعات والمستشفيات والمدارس والثكنات العسكرية المتعاقدة معهم، كما قرروا الإبقاء على مخبزة واحدة مفتوحة في كل منطقة، وفقاً للقانون الجزائري المنظم للإضرابات، والذي ينص على ضرورة ضمان الحد الأدنى من الخدمات. من جهته, رفض وزير التجارة الجزائري مصطفى بن بادة، إضراب الخبازين، واعتبر أنه لا يشكل حلاً للمشكلة القائمة، وأنه يقبل بالحوار لحل الأزمة. وقال بن بادة :"يوجد مشكلة حقيقية لسعر الخبز الذي بقي ثابتاً منذ 1996 والذي ينبغي معالجته، لكن اقتراح تخفيض سعر القمح اللين (الفرينة) إلى المستوى الذي يطرحه الخبازون خطير جداً، لأنه سيؤدي إلى زيادة في التبذير". نسبة المشاركين وذكر موقع "سكاي نيوز" أن الأنباء تضاربت حول نسبة المشاركين في إضراب العاملين في الأفران والمخابز الجزائرية الذي قيل انه سيستمر ل 3 أيام بدءا من أمس الثلاثاء، ففي حين قالت بعض المواقع الجزائرية أن نسبة الإضراب تجاوزت 80% من العاملين، أكدت مواقع أخرى أن الاضراب لم يتجاوز 10%. وقال الناطق الرسمي للاتحاد محمد الطاهر بولنوار ، إن الإضراب تجاوز في بعض الولايات ال 90% مثل وهران وعنابة وبشار والطارف وقسنطينة وتيزي وزو، فيما بقيت في العاصمة بنسبة 60% بسبب عدم الاستجابة نتيجة تعاقد الخبازين مع المطاعم المدرسية والمطاعم والمؤسسات العمومية. إلا أن رئيس اتحادية الخبازين يوسف قلفاط قدر نسبة الاستجابة لإضراب الخبازين ب10% فقط، قائلا إن إضراب أمس "لم يحدث" وإن معظم الخبازين لم يستجيبوا له. واعتبر قلفاط أرقام الجهة التي دعت للإضراب مغلوطة ولا أساس لها من الصحة، وأن معظم الخبازين لم يستجيبوا له، حيث سجلنا نسبا ضعيفة جدا، فولاية مستغانم سجلت نسبة استجابة 10 بالمائة، وفي البليدة 10 بالمائة . وذكر قلفاط أن الاتحادية اقترحت تخصيص فرينة بالألياف، أي تلك المصنوعة من القمح الكامل، توجه إلى صنع الخبز فقط وبيعها ب 1500 دج للقنطار، موضحا أن هذا النوع من الفرينة لا يمكن استخدامه إطلاقا في صنع مواد أخرى على غرار المرطبات أو العجائن، نافيا لجوء الخبازين إلى تنظيم إضراب وطني للضغط على الحكومة وتحقيق مطالبهم، مؤكدا أنها لا تزال في انتظار القرارات التي ستتخذها الحكومة بناء على النتائج التي ستسفر عنها اللجنة المكلفة بتقييم السعر الحقيقي للخبزة الواحدة. وان اختلفت الأرقام والتناقضات أيضا، لكن الأكيد أن الخبز تحول إلى مادة صراع بين رأسي اتحاد التجار. السعر الحقيقي هذا وتقدم اللجنة المختلطة المكلفة بتقييم السعر الحقيقي للخبز اليوم نتائج عملها بعد أن قامت بزيارات للمخابز المتواجدة عبر كل ولايات الوطن. وتتكون هذه اللجنة المختلطة التي تم تأسيسها خلال مارس الماضي بمقر وزارة التجارة من ممثلين عن وزارة التجارة ووزارة المالية ووزارة الفلاحة والاتحادية الوطنية للخبازين والديوان الجزائري المهني للحبوب والمجمع الصناعي الرياض. من جهته أوضح رئيس الاتحادية الوطنية للخبازين يوسف قلفاط للقناة الإذاعية الأولى أن اللجنة المختلطة المنصبة من طرف وزارة التجارة وانطلاقا من النتائج المعلنة ستحدد الحكومة هامش الربح الرسمي للخباز و المقدر ب 20 بالمائة. وحسب وزير التجارة فإن " السلطات العمومية تكفلت ببعض من انشغالات الخبازين " و ذكر بتخفيض الرسوم الجبائية التي انتقلت من 12 إلى 5 بالمائة و إلغاء الرسم على البيئة المقدر ب 9000 دج سنويا و كذلك التسهيلات البنكية الممنوحة للمخابز من أجل اقتناء مولدات كهربائية. هذا ويطالب الخبازون بزيادة ثمن الخبز و تحسين هامش الربح ليبلغ 20 بالمائة بدلا من 2 و 3 بالمائة و تقليص الرسوم الجبائية. كما طالبت هذاا لثلاثاء الفيدرالية الجزائرية للمستهلكين بعدم تغيير السعر الحالي للخبز المحدد قانونا ب 5ر8 دج مقترحة في بيان لها تخفيف الأعباء الضريبية وشبه الضريبية وإلغاء الرسم على القيمة المضافة لكل المواد التي تدخل في صناعة الخبز لضمان ربحية المهنة شريطة التزام و احترام الخبازين لوزن الخبز والحرص على جودته مع الوفرة. إن السعر الحقيقي للخبزة الواحدة هو ما بين 40 و70 دج (0.55 -0.96 دولار) حسب نوع الخبز ، ولكن لا زال الجزائري يدفع 8.5 دج ، لأن تدعيم الخبز يكلف الخزينة الجزائرية يوميا 2 مليون دولار، أي ما يفوق 700 مليون دولار سنويا، وهذا الرقم مرجح للارتفاع مع ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية مستقبلا فتقديم العلاوات مباشرة للفئات التي ذكرتها ذوي الدخل الضعيف أو المحدود قد يكلف الدولة سنويا 360 مليون دولار سنويا، وبفضل سياسة محكمة، يمكن تقليصه تدريجيا إلى 100 مليون دولار سنويا ، ويوجه الفرق لتشكيل الاحتياط من القمح الصلب واللين مستقبلا لغرض التحكم في الأسعار من جهة، وأن تحتاط الدولة لكل النتائج السلبية لمختلف السيناريوهات المتوقعة المتشائمة منها أو المتفائلة من جهة أخر. الأكثر استهلاكاً ويعتبر الجزائريون من أكثر الشعوب استهلاكا للخبز، وأن الأرقام الرسمية تشير إلى أنهم يستهلكون حوالى 50 مليون خبزة يوميا، بالنسبة لتعداد سكاني في حدود 37 مليون نسمة. وكانت الجزائر دولة مصدرة للقمح في قرون مضت لنتحول إلى دولة مستوردة له وبامتياز، فالجزائر في عهد الاحتلال الروماني كانت تلقب "بمطمورة روما " ونقل لنا مؤرخو ذلك الزمان أن الفلاحين كانوا يحصدون القمح مرتين في السنة، وفي العهد العثماني كانت الجزائر تزود جيوش نابليون بونابرت بأطنان من القمح لدعمه في حربه ضد الجيوش الأوروبية وهو ما يؤكد أن الجزائر كانت قوة اقتصادية يحسب لها حسابها بفضل الإنتاج الوفير من القمح الذي كانت الجزائر تستعمله كسلاح أخضر ضد أعدائها. واستهلاك الفرد الجزائري من القمح يقدر بنحو 220 كلم سنويا وهو ما يفوق المعدل الدولي ب 192 كلم سنويا، مما يضطر الجزائر إلى استيراد 4 مليون طن من القمح سنويا، في حين لم يتجاوز الإنتاج الوطني في أحسن الأحوال مستوى 4.6 مليون طن، أي أن الإنتاج الوطني يغطي ما بين 30 إلى 60? من الاستهلاك المحلي وهو بذلك خاضع إلى التقلبات الجوية. وتعود الجزائريون على استهلاك الخبز المسمى ب40% منذ الاستقلال، وهذا يعني أن 40 بالمائة من القمح يوجه لإنتاج الخبز و60 % يوجه للعلف (ما يعرف بالنخالة) بينما من المفروض العكس صحيح، وهو مقياس عالمي، وبذلك يفقد الجزائريون عند استهلاك الخبز القيمة الغذائية الرئيسية.