- أدعو لتحويل السجون لوزارة العدل وتفرغ الشرطة للعمل الجنائي - الرئيس فشل في إعادة الشرطة للشارع - هناك ضباط كونوا ثروات طائلة ولم يطلهم القانون جراء الفساد - البطجية تمردوا علينا بعد الثورة
حاورته - سميرة سليمان هو لواء شرطة سابق، صدر له مؤخراً كتاب " الأمن من المنصة إلى الميدان" يتوقف فيه بالتفصيل عند حالة الأمن منذ اغتيال الرئيس السادات، حتى نهاية عصر مبارك، وبصفته في "مطبخ" الشرطة لعهد طويل، كان الأقدر على الحديث عن مواضع الفساد في الداخلية، وكيفية إعادة هيكلتها.
اللواء حمدي البطران تحدث في حواره مع "محيط" عن موقف الإخوان المتناقض من الشرطة قبل وبعد الحكم، رافضاً اعتبار تحية الضباط للعادلي في محاكمته الأخيرة مؤامرة، بل اعتبره من قبيل "ارحموا عزيز قوم ذل"! ..إلى نص الحوار.
في كتابك وصفت الأمن بعد اغتيال الرئيس السادات بال"متراخي"..فكيف تصفه الآن؟ البطران: الأمن في أعقاب اغتيال السادات كان متراخيا, لأنهم اعتقدوا أن الجماعات التي اغتالت السادات حلت نفسها, وتخلت عن نشاطها, وفضلا عن هذا لم يتم تتبعها والبحث عن جذورها التي تغلغلت في التربة المصرية . كما أن قوات الأمن وقتها كانت بكامل قوتها ولم تتعرض لشئ من الخسارة .
أما الآن، فلا أحد ينكر أن أجهزة الأمن تعرضت لنكسة خطيرة في أعقاب ثورة يناير 2011, كانت عنيفة وقاسية من حيث: تدمير وحرق وإتلاف وسرقة أكثر من 2000 (ألفي)سيارة تابعة للشرطة, ومن بينها سيارات مطافئ وسيارات نقل جنود وسيارات لا سلكي مجهزة، سرقة أكثر من 10 آلاف قطعة سلاح، تدمير محطات لا سلكي كاملة , في أكثر من 10 أقسام نجدة ولا سلكي، حرق أكثر من 55 قسم شرطة في محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية السويس والإسماعيلية.
تهريب أكثر من 17 ألف مسجون، تقديم قيادات الشرطة للمحاكمة، هجوم إعلامي مكثف علي الشرطة ورجالها من جانب بعض رجال الإعلام الذين تحولوا فجأة من تأييد مبارك إلي تأييد الثورة, وكانت صور ومظاهر هذا التأييد, هي الهجوم علي رجال الشرطة, وتضخيم أخطائهم . ووصل الأمر الي إهانتهم علي أيدي بعض المذيعين .
المحاولات المتكررة لاقتحام وزارة الداخلية, والاعتداء علي الضباط والمجندين، هجوم مجلس الشعب المنحل علي وزارة الداخلية, وتقديم طلبات استجواب, بحجة إطلاق الخرطوش علي الثوار, والتهديد بسحب الثقة من وزير الداخلية، كل تلك الأشياء ساعدت علي انهيار جهاز الأمن.
كما ساعدت احتجاجات بعض الفئات داخل الجهاز نفسه علي نشوء تجمعات تتمتع بالحماية, من أجل الحصول علي مكاسب مادية وتحسين ظروفهم المعيشية, ومنهم صغار الضباط, وأمناء الشرطة, وضباط الصف, والمجندين، وأصبح جهاز الأمن حاليا يتمتع بقدر كبير من التراخي .
ويمكن وصف الحالة الأمنية حاليا بأنها نوع متقدم من الانفلات الأمني, ومن مظاهره: عدم انتظام المرور في القاهرة والجيزة والإسكندرية وكافة عواصم المحافظات، وقوع حوادث سرقات بإكراه وخطف , واغتصاب وتحرش , في وضح النهار , وعدم ضبط الفاعلين، سرقات السيارات وسرقات المصانع الكبرى , والتهديد بفرض إتاوات، انتشار الرشوة والمحسوبية في أوساط بعض الموظفين, بشكل كبير، انعدام الإحساس بالأمن.
هل تلك الأزمات الأمنية لها حلول ؟ البطران: تقوم فكرة هيكلة الشرطة, أو إنشاء شرطة جديدة علي إجراء تغييرات شاملة وجذرية في المبادئ الأساسية الحاكمة لعمل الشرطة في المرحلة الحالية. وعملية التغيير تتكون من جزأين الأول يتعلق بالجانب الفلسفي؛ وهو مجموعة الأفكار والمبادئ التي تعتمد عليها فكرة إنشاء شرطة مصرية جديدة هي: تغيير عقيدة الشرطة، تغيير نظم مناهج التعليم، ونظم التدريب في كلية الشرطة .
فصل الأمن الجنائي عن الأمن السياسي، عدم تبعية جهاز الشرطة لرئيس الجمهورية أو أي فصيل سياسي يحكم، القبول بوزير مدني للداخلية.
تطبيق القانون بحسم علي الجميع، وهي فكرة تعتمد على مبدأ المساواة, فلا مجال للادعاء بحصانة للإفلات من تطبيق القانون. وتقوم الشرطة بتطبيق القانون علي الجميع سواسية دون أن يخشى رجل الشرطة من وزير أو ضابط أعلي أو يتم تهديده بالحضانات المختلفة والمتعددة في مصر. أيضاً تطبيق عقوبات مشددة علي المخالفين منهم.
كذلك تخليص وزارة الداخلية من المعوقات التي لحقت بها خلال المراحل السابقة , والتي جعلت منها نظاما مترهلا , وعلي سبيل المثال , إضافة السجون الي وزارة العدل , والتخلص من الإدارات التي لا تمت للعمل الشرطي , مثل المسطحات المائية والأحوال المدنية والجوازات وشرطة المرافق , وغيرها . ليتفرغ رجال الشرطة للعمل الجنائي فقط .
هل أنت مع إعادة هيكلة الداخلية؟
البطران: بالطبع . أنا مع إعادة بناء الشرطة من جديد , ولدي مشروع كامل عن تلك الهيكلة, والاستغناء عن قيادات الشرطة التي عملت مع حبيب العادلي كقيادات, لأنها تشبعت بعقيدة فاسدة , لا تصلح للتعامل مع الشعب . في الوقت الحاضر .
قلت في كتابك الأخير أن مبارك أوكل ملف الإخوان إلى الأمن .. هل ترى أن تعامل الإخوان مع الشرطة بعد وصولهم لسدة الحكم يسوده الانتقام؟
البطران: موقف الإخوان قبل الوصول إلي الحكم , وتمثل في وجودهم كأغلبية في مجلس الشعب المنحل, وقتها طالبوا بإعادة هيكلة الشرطة, وإعادة بناءها والاستغناء عن القيادات التي عملت مع حبيب العادلي, ورأينا هجومهم المستمر علي الشرطة, إلي حد التهديد بسحب الثقة من الوزير. وطالبوا بإعادة الهيكلة.
وقتها كانت البلاد تحت حكم المجلس العسكري وبعد أن وصلوا للحكم, وأصبح منهم الرئيس ورئيس الوزراء, لم يطالبوا بإنشاء نظام شرطة جديد, وتوقفوا عن المطالبة بهيكلة جهاز الشرطة, وإعادة بناءه, ولكنهم استفادوا من النظام القديم, من أجل قمع المعارضين. ولم يتم أي تغيير في أجهزة الشرطة. ولا تزال الشرطة علي حالها , ولم يتحقق وعد الرئيس بإعادة الشرطة خلال 100 يوم من حكمه الذي بدأ في أول يوليو 2012.
ما هي أوجه الفساد داخل الداخلية برأيك؟
البطران: الحقيقة فساد الداخلية عبارة عن نوع خاص من الفساد, يمكننا أن نسميه الفساد الرسمي , إلا أنه لا يصح إغفال أن الشرطة كانت تعمل ضمن منظومة دستورية وقانونية فاسدة . طال فسادها كل مؤسسات المجتمع, الفساد فيه مقنن ومنظم, والخروج على تلك المنظومة يعنى عدم الالتزام وهو أمر مرفوض حتما.
والحقيقة إن المجتمع لم يفسد لان الشرطة فسدت, والعكس صحيح, فان فساد الشرطة هو انعكاس طبيعي لفساد الدولة دستوريا وقانونيا وتنظيميا .
فأعضاء هيئة الشرطة لم يكونوا مميزين ومحصنين داخل المجتمع – فهم ليسوا أصحاب حصانه قانونية كأعضاء مجلس الشعب داخل البرلمان وخارجه والعاملين بجهات سيادية كالخارجية والأمن القومي او أعضاء الهيئات القضائية على منصة القضاء او بعيدا عنها الذي وصل لحد إعفائهم من العقوبات المقررة في قانون المرور حال مخالفتهم لنصوصه - هذا الحق الذي لم يتمتع به أيا من أعضاء هيئة الشرطة .
ولم يكونوا أصحاب دخول مادية مميزة كالعاملين في البنوك والبترول أو حتى شركات القابضة أو مؤسسات الدولة كالكهرباء والمالية أو حتى العاملين بمرافق عامة مثل النقل والمواصلات .ولم يكن أبنائهم يتمتعون بمزايا تفوق أو حتى تتساوى مع ما يتمتع به أبناء الهيئات القضائية , وأساتذة الجامعات , والعاملين في مجال البنوك , والبترول الذين تمكنوا من تعيين أبنائهم في ذات الوظائف التي يشغلونها حتى بعد نجاح الثورة , من خلال تظاهرات فئوية , وكانت هناك محاولة فشلت - بإصدار قانون الهيئات القضائية في غيبة مجلس الشعب بدعوى أقرار وتأكيد مبدأ استقلال القضاء الذي يتلخص مضمونه في عدم خضوع القضاء لتأثيرات من السلطة التنفيذية او التشريعية فيما تطرق إليه النص على عدم التعرض لأبناء أعضاء الهيئات القضائية , وكأن المعني المستفاد من مبدأ استقلال القضاء القول بأن القضاء يمتلك القضاء.
ومع ذلك فهناك فئات قليلة من رجال الشرطة استفادت من هذا الفساد الممنهج في تكوين ثروات , وأداروها بطريقة غريبة ومريبة , ومارسوا التجارة والاستثمار أثناء عملهم في الشرطة .ولم تصل إليهم يد العدالة . هل استعانة الشرطة بالبلطجية أمر مستمر إلى الآن بعد الثورة؟
البطران: موضوع البلطجية, موضوع كبير ومعقد, وقبل الثورة كان يحدث هذا, أما الآن بعد الثورة فقد تمردوا علي الشرطة, وأصبحوا يعملون لحسابهم, ولا سيطرة لأحد عليهم . وهناك اتهامات متبادلة بين الحكم والمعارضة باستخدام البلطجية.
لكن تبقي ملحوظة, وهي أن تكاليف استخدام البلطجية في الحاضر مرتفعة, والبلطجي يحتاج إلى تحقيق نوع المكاسب, لا تستطيع القوي السياسية تلبيتها، غير أنني أرجح أن كافة القوي السياسية تعتمد علي أنصارها من الشباب الذي من السهل توجيهه, واستخدام فكرة الطاعة المطلقة، أو الحمية الدينية, من أجل الاندفاع إلى أعمال تخريبية, وهو ما يحدث علي الساحة فعلا .
البطران: في كتابك وصفت العادلي بأنه قليل الطموح..كيف نجح في الاحتفاظ بمنصبه طوال هذه السنوات؟
البطران: هناك عوامل ساعدت العادلي علي الاحتفاظ بمنصبه, منها أنه جاء في فترة كانت هجمات الإرهابيين علي رجال الدولة قاسية, كما ساعدته الظروف الدولية والمحلية علي البقاء في الوزارة .
من ناحية الظروف الدولية جاءت أحداث سبتمبر 2001, والاعتداء المسلح علي أمريكا, وقيام أمريكا بحملة واسعة شملت تجنيد كل دول العالم من أجل تجفيف منابع الإرهاب.
أما الظروف الداخلية, فقد كان العادلي أحد كبار الدولة التي كانت تؤهل البلاد إلى توريث الحكم لجمال مبارك. وهم صفوت الشريف وزكريا عزمي وفتحي سرور وأنس الفقي وأحمد نظيف .
وبالفعل حاول الرئيس مبارك التخلص منه في أعقاب تفجيرات طابا, ولكن الأربعة الكبار حالوا دون اتخاذ الرئيس لهذا القرار.
بماذا تفسر تحية الضباط للعادلي أثناء محاكمته؟
البطران: الحقيقة لا أميل إلى التفسير التآمري لمسألة تحية الضباط للوزير, ولكنني أميل الي فكرة متأصلة فينا كمصريين مفادها , ارحموا عزيز قوم ذل . فالمسألة لا تتعلق بمسلك أو توجه وظيفي بقدر ما هي نوع من الاحترام لرجل كان يوما رئيسهم .
كتبت عن الإرهاب..هل تعتقد أن مصر في طريقها إليه الآن؟
البطران: الإرهاب بمعناه اللفظي والذي كان موجوداً في فترة نهاية الثمانينات وبداية التسعينات, لا يمكن أن يعود بالطريقة التي كان بها , ولكن هناك نوع من التطرف السياسي , قد يؤدي إلى قتال من أجل الوصول إلى الحكم, أو من أجل فرض عقيدة معينة, أو ممارسة نوع من الضغط علي طائفة بسبب معتقدات دينية. وخصوصا أن معظم الأحزاب السياسية القديمة والجماعات أصبح الآن لها ميليشيات منظمة. وبعض التيارات الإسلامية لها الآن ميليشيات. وهي قادرة علي فرض رأيها بالقوة, عن طريق ممارسة العنف والتخريب, والتحرش بالنساء أثناء تعبيرهن عن آرائهن.
وهو ما رأيناه مؤخرا في بورسعيد والمنصورة وأمام الاتحادية ومدينة الإنتاج الإعلامي وحصار المحكمة الدستورية , وحرق محكمة شمال القاهرة , وتهديد القضاء , والاعتداء علي أقسام الشرطة من أجل الإفراج عن المتهمين السياسيين .. كلها أمور تدخل في نطاق الإرهاب .والذي ينبغي أن تتصدي له الدولة . ما هو جديدك؟
البطران: أتبني موضوع إنشاء شرطة لمصر . نظام شرطي جديد جدا , يقوم علي عقيدة أن الشرطة تخضع للقانون والشعب , وأتمني أن تتاح لي الفرصة لنشره لأجل أن تفتنع المؤسسات السياسية لإمكان تطبيقه .
كما أنني أكتب في موضوعين جديدين هما "الملف القبطي في مصر", وكتاب آخر عن "حرية التعبير", وأتمني إنجازهما في فترة وجيزة.