جاء الإعلان مبكراً عن المناورات العسكرية البحرية في الخليج خلال الفترة من 6 30 مايو المقبل - والتي تجريها الولاياتالمتحدة بمشاركة أكثر من 30 دولة، في إطار التدريب الدولي على إجراءات مكافحة الألغام (آي إم سي إم ئي إكس) وحراسة السفن - بمثابة رد فعل سريع ومبكر أيضاً على فشل محادثات كازاخستان بين إيران ومجموعة "5+1" بشأن النووي الإيراني وتلويح الأخيرة المتكرر بإغلاق مضيق هرمز حال تعرضها لأية عملية عسكرية، سواء من جانب الولاياتالمتحدة، أو إسرائيل بمباركة الأولى. وأكد نائب قائد القوة البحرية المجمعة "سيمون انكونا"، أن التدريب الدفاعي المتعدد المهام سيركز على الأمن البحري للتجارة والتبادل التجاري من ميناء المغادرة وحتى ميناء الوصول.
قضية الأمن وهذه المناورات العسكرية البحرية تفتح من جديد قضية الأمن في الخليج، بعد عدم قدرة دول الخليج على التوصل إلى نموذج يحقق الأمن لكل دول المنطقة، على خلفية الاعتماد على البديل العربي للأمن الذي انهار مع الغزو العراقي للكويت، ومن بعده أصبحت الولاياتالمتحدة أحد أضلاع الأمن المحورية في الخليج، في ظل التهديد الإيراني للمنطقة.
وذكر مركز أبحاث ودراسات "الشرق الأوسط" أن قضية الأمن في الخليج تكتسب أهمية خاصة من عدة اعتبارات: أول هذه الاعتبارات، الأهمية الاقتصادية والإستراتيجية التي تمثلها منطقة الخليج على الصعيد العالمي، حيث تساهم دول الخليج بأكبر كمية من الإنتاج العالمي للنفط، ولديها أكبر حجم من الاحتياطي العالمي من هذه السلعة الإستراتيجية المهمة، والتي تؤكد تقارير ودراسات عديدة أن الاعتماد عليها سوف يستمر إلى عقود مقبلة رغم كثرة الحديث عن مصادر بديلة عن النفط، وتنوع الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف، وبالتالي فإن الازدهار الاقتصادي على الصعيد العالمي يتوقف في جانب مهم منه على حالة الأمن والاستقرار في منطقة الخليج.
ثاني الاعتبارات التي تُكسب قضية الأمن في الخليج أهمية محورية ، هو أن المنطقة لم تنعم بالأمن والاستقرار منذ أواخر سبعينات القرن العشرين ، حيث شهدت أربع حروب لا تزال تداعياتها مستمرة حتى الآن هي: الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت لقرابة عقد من الزمان، وكارثة الغزو العراقي لدولة الكويت، وحرب تحرير الكويت، والحرب الأمريكية البريطانية على العراق، التي انتهت بالإطاحة بنظام صدام حسين، ووقوع العراق أسير للرؤية الأمريكية التي أفضت إلى تفكيك أجهزة الدولة العراقية ومؤسساتها.
ولا شك أن كثرة الحروب والصراعات التي شهدتها وتشهدها المنطقة عمقت من الهواجس والمخاوف لدى العديد من الأطراف المعنية، مما أثر ويؤثر سلباً في فرص وإمكانيات بلورة صيغة مستقرة للأمن في الخليج.
في حين يمثل تزايد الوجود الأجنبي في منطقة الخليج ثالث الاعتبارات، نتيجة الأطماع في الثروة النفطية الضخمة للمنطقة جعلتها في بؤرة اهتمام القوى الدولية الكبرى.
النفط والحروب وليس من قبيل المبالغة القول إن النفط شكل عنصراً جوهرياً في مختلف الحروب التي شهدتها المنطقة. وكان من أبرز نتائج الغزو العراقي لدولة الكويت تزايد الوجود الأجنبي وخاصة الأمريكي في منطقة الخليج، حيث أصبح للولايات المتحدةالأمريكية وجودها العسكري المكثف والمباشر في المنطقة، وذلك من خلال قوات برية وجوية، وقواعد وتسهيلات عسكرية، ومخازن أسلحة، وأساطيل وحاملات طائرات تجوب مياه الخليج.
ومن هنا فقد أصبحت الولاياتالمتحدة لاعباً رئيسياً في التفاعلات السياسية والأمنية في المنطقة، والطرف الدولي الرئيسي في معادلة الأمن في الخليج. ولا شك في أن هذا التداخل المكثف والمعقد بين ما هو محلي وإقليمي ودولي في منطقة الخليج إنما يزيد من معضلة الأمن تعقيداً.
أما رابع الاعتبارات، فيتعلق بوجود قضايا ومشكلات متفجرة في المنطقة، تهدد بالمزيد من مخاطر عدم الاستقرار في حال عدم التوصل إلى حلول جذرية لها عبر القنوات والوسائل السياسية والدبلوماسية . ومن هذه القضايا : أزمة الملف النووي الإيراني وما يرتبط بها من إشكاليات وتجاذبات محلية وإقليمية ودولية، فضلاً عن شبح الإرهاب المخيم على بعض الدول، وحالة عدم الاستقرار في منطقة جنوب آسيا. وكل هذه المشكلات والقضايا تنطوي على كثير من عناصر التهديد لأمن الخليج.
خامس الاعتبارات المتعلقة بأمن منطقة الخليج ، أن دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء المملكة العربية السعودية، هي بصفة عامة دول صغيرة بمعايير المساحة وعدد السكان والقدرات العسكرية، ولكن لديها في الوقت نفسه ثروات نفطية كبيرة.
والمشكلة أن هذه الدول توجد في منطقة مضطربة وغير مستقرة من العالم، وخاصة في ظل وجود قوى إقليمية ودولية كبرى لها طموحات وتطلعات في هذه المنطقة. ومن هنا فإن مسألة الأمن تُعتبر أكثر حساسية بالنسبة للدول الصغيرة، وخاصة في ظل تعدد مصادر الخطر والتهديد الراهنة والمحتملة.
تحديات وفي ضوء التحديات المطروحة أمام قضية الأمن في الخليج، والتي غالباً ما تتوزع بين ثلاثة تحديات، الأول: التحديات الداخلية النابعة من البيئة الخليجية الداخلية نفسها، والحراك السياسي والمجتمعي التي تشهدها المجتمعات الخليجية. والثاني: التحديات الإقليمية النابعة من دول الجوار الجغرافي والجيوسياسي وتداعيات ذلك على دول الخليج، أما النوع الثالث من التحديات وهي الخارجية النابعة من بيئة القوى الدولية ذات التأثير والمصالح والقوى الآسيوية الصاعدة المرتبطة اقتصادياً واستراتيجياً بدول الخليج، بات من الضروري الاختيار بين ثلاثة نماذج يمكن طرحها في هذا السياق:
النموذج الأول: اتجاهات الأمن الذاتي: يتأسس النموذج على رؤية ذاتية خليجية خالصة قائمة على قيم الازدهار والنمو الخليجي في القرن الحادي والعشرين، باعتبار أن الإقليم سيكون فريداً من نوعه خلال الخمسة عشرعاماً المقبلة، وأن هذا الاتجاه يتم من خلال بناء تجربة تنموية متماسكة، ومحاولة التحول من دول مستوردة إلى دول صناعية متقدمة من خلال استراتيجية متدرجة، ولتكن البداية بالنفط والغاز الطبيعي والبتروكيماويات، باعتباره قطاعا مهما وحيويا، بالإضافة إلى النقل والزراعة الصناعية، ناهيك عن السياحة الجاذبة.
إضافة إلى ذلك، لابد من تطوير قوات درع الجزيرة نحو نموذج مشابه لحلف شمال الأطلسي وبناء قدرات عسكرية متطورة وقدرة قتالية استباقية سريعة مبنية على عقيدة عسكرية مستندة إلى نظرية القوة الجوية لبنائها. وبالتالي فإن الإجراءات التكاملية والتفاعل الخليجي الخليجي كفيلة بدعم وبناء نظرية الأمن والتنمية الخليجي الذاتي والتي أمامها 15 عاماً للتكاملية من أجل أن تكون فاعلة ومؤثرة.
النموذج الثاني للأمن في الخليج هو اتجاهات الأمن الخارجي: ويستند على العامل الخارجي والمتمثل في الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي تسعى من خلال هذا الاتجاه الاستراتيجي إلى تثبيت موطئ قدم للمصالح الاستراتيجية الأمريكية والمتمثلة في المكامن النفطية والقواعد العسكرية العملاقة للقيادة الوسطى.
وبذلك فإن هذه النظرية تحمل التكاليف غير المباشرة من خلال صفقات السلاح العملاقة مقابل الاستمرار في الترتيبات الأمنية الأمريكية ومحاولة دمج حلف شمال الأطلسي في إطار مبادرة اسطنبول 2004 والاجتماعات المتواصلة بين الحلف والقوى العسكرية الخليجية لبناء منظومة أمنية متكاملة تدار بواسطة العامل الخارجي والتخطيط الاستراتيجي القائم على التوظيف والشراكة بين الولاياتالمتحدة ودول الخليج العربية.
والنظرية الأمنية الخليجية خلال العشر سنوات المقبلة في ظل هذا الاتجاه ستبنى على التوظيف والشراكة في إطار الهندسة الخارجية لمعادلة الأمن الإقليمي الخليجي القائم على التفاعل السداسي أو محاولة الولاياتالمتحدة تحفيز مصالحها وأيضاً محاولة ترويض عراق ما بعد ثورات الربيع العربي وما يترتب عليها من آثار أمنية واستراتيجية، كأن تكون هنالك ترتيبات لنظرية الأمن الخليجي قائمة على معادلة (6 + 1 = الأمن الخليجي).
ولكن يبدو أن الاتجاه يسير ناحية بناء نظرية الأمن (6 + 2 (العراق، اليمن) = نظرية الأمن الخليجي) خلال السنوات المقبلة وفي إطار العمل على احتواء إيران بعد العقوبات المفروضة عليها من جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية ومعظم الدول الغربية، والتطورات التي تهدد بيئة الأمن الإقليمي.
أما النموذج الثالث للأمن في الخليج هو اتجاهات الأمن التشاركي: وهو يقوم على رؤية شراكة في مستويين: المستوى الأول، شراكة إقليمية (خليجية إقليمية) قائمة على معادلة تتمثل في الآتي: 9 دول (6 دول الخليجية + العراق واليمن) + 1 (إيران) = نظرية الأمن الإقليمي الخليجي خلال ال 15 عاماً المقبلة.
أما المستوى الثاني، وهو شراكة إقليمية (6 + 2) عالمية (الولاياتالمتحدة، القوى الأوروبية، القوى الباسيفيكية + حلف الناتو) = نظرية الأمن الخليجي التفاعلية التشاركية المتعايشة.
المصلحة التشابكية وتقوم هذه المعادلة على المصلحة الاستراتيجية التشابكية النفعية، فهنالك طاقة وتجارة ومواقع استراتيجية واستثمارات عملاقة وعملية إصلاح سياسي شاملة للمنطقة وأهداف متماثلة تتمثل في نزع السلاح، مكافحة الإرهاب، القرصنة، المساهمة في بناء الدول المأزومة، وغيرها من العوامل الدافعة للتعاون الاستراتيجي طويل المدى وتفرض اعتبارات الجغرافيا السياسية أن تتجه نظرية الأمن الخليجي في ما بعد الربيع العربي إلى أن تكون تشاركية من أجل التعايش في عصر العولمة وتفكك العقائد الاستراتيجية القائمة على العرق والدين واللغة والتحول نحو قواسم مشتركة وقيم عالمية ومصالح متبادلة باتت تحكم نظرية الأمن الخليجي في القرن الحادي والعشرين.
ويمكن القول أنه بالرغم من أن النظام الإقليمي الخليجي عرف في بعض مراحل تطوره شكلاً غير مستقر من توازن القوى المحلي، كان يبدو فيه العراق موازناً لإيران، بات هذا النظام الآن يفتقر لوجود أي نظام محلي مشترك للأمن يمكن التعويل عليه في حل النزاعات القائمة أو السيطرة عليها، وبالتالي الحيلولة دون تحولها إلى صراعات عسكرية.