يمثل إقرار قادة دول مجلس التعاون الخليجي في ختام قمتهم ال 33 بالمنامة والتي عقدت يومي 24 و25 ديسمبر الجاري، بإنشاء قيادة عسكرية خليجية موحدة، تقوم بالتنسيق والتخطيط والقيادة للقوات البرية والبحرية والجوية المخصصة والإضافية ومقره البحرين، تطورا نوعيا مهما وخطوة جديدة نحو إدراك طبيعة التهديدات الأمنية التي تواجه دول المجلس الحالية والمستقبلية. وعلى الرغم من أن الوثائق المتعلقة بنشأة مجلس التعاون لدول الخليج العربية الأساسية لم تشر صراحة إلى وظيفة أمنية للمجلس ولم تتحدث بحرف عن تكامل دفاعي بين دول الخليج العربية، لكن التحديات الهائلة منذ نشأته وحتى الآن تستدعي هذا التكامل.
وقد كانت لسلطنة عمان مبادرتها بشأن إنشاء قوة دفاعية، لكنها لم تقابل بحماسة من الدول أعضاء المجلس، وكان هناك من لا يعترف أصلا بجدوى وجود قوة دفاعية خليجية في ظل الخلل الكبير في ميزان القوى بين الدول التي تمثل مصادر للخطر من ناحية والدول الأعضاء في المجلس من ناحية أخرى.
وإذا كان المجلس قد حقق بعض الإنجازات الاقتصادية على اعتبار أن العوامل الاقتصادية كانت هي الهدف الرئيسي من إنشاء المجلس بحيث يصبح إطارا لتجميع القدرات المالية الهائلة للدول الست بما يساعد على تعزيز تلك القدرات في مواجهة أي أخطار، إلا أن المجلس لم ينجح أن يكون قوة إقليمية دفاعية لديها القدرة على التصدي للأخطار الخارجية، وبالتالي ظل هدف إنشاء قوة خليجية دفاعية موحدة حلما ماثلا أمام قادة دول المجلس، فضلا عن التداعيات الأمنية الأخرى التي رتبتها ظاهرة الإرهاب.
إنجازات فعلى صعيد إقامة القوة العسكرية الخليجية الموحدة ..فقد تحققت العديد من الإنجازات العديدة في هذا الشأن، منها تشكيل لجنة في عام 1993 لتنفيذ قرارات الدفاع الجماعي والتعاون العسكرية، فضلا عما تضمنه البيان الختامي للقمة ال18 في الكويت عام 1997 من حيث الموافقة على الخطوات العملية الخاصة بربط دول مجلس التعاون الخليجي بشبكة اتصالات مؤمنة للأغراض العسكرية والتغطية الرادارية والإنذار المبكر، وصولا إلى إقرار القمة الخليجية ال 21 المنعقدة في البحرين عام 2000 لاتفاقية الدفاع المشترك بين دول المجلس والتي تعد نقلة نوعية مهمة في التعاون العسكري والأمني بين دول المجلس حيث ترتكز على مبدأ الدفاع الجماعي.
وبموجب تلك الاتفاقية جرى الاتفاق على تعزيز القوات المسلحة الخليجية، لاسيما قوات درع الجزيرة إذ تم الاتفاق على زيادة عدد أفراد هذه القوات إلى 25 ألفا يمثلون تشكيلات متتالية من جميع الدول، ولكن ظل تحدي إقامة قوة أمنية فاعلة أحد أهم التحديات التي واجهت مجلس التعاون الخليجي.
في ضوء ما سبق، ثمة مجموعة من العوامل ظلت طوال الوقت تمثل عنصرا ضاغطا على قادة دول المجلس، تدفعهم نحو المضي قدما في التوصل إلى صيغة أمنية محددة للحفاظ على هوية الأمن في الخليج.
يأتي في مقدمة هذه العوامل الضاغطة، الواقع الجديد الذي خلفته الحرب الأمريكية على العراق، والذي أدى إلى إحداث تحولات مهمة في هيكل ميزان القوة العسكرية في منطقة الخليج، فالعراق لم يعد قوة إقليمية كبرى بعد حل الجيش العراقي ، وتكوين جيش جديد قوامه 40 ألف جندي فقط بما يوازي 10% فقط من حجم الجيش العراقي في عهد صدام حسين.
وكشف ذلك عن النوايا الأمريكية لمنع بروز العراق كقوة إقليمية عربية فاعلة مرة أخرى، سواء من خلال حرمانه من امتلاك القوة العسكرية اللازمة أو من خلال بقاء الوجود الأمريكي في العراق عبر بعض القواعد العسكرية واللوجستية الدائمة، وبالتالي فإن صورة العراق الجديد الآن هي عراق ضعيف عسكريا تابع سياسيا للولايات المتحدةالأمريكية.
وتأسيسا على ما سبق، فقد كان ولا يزال من أهم الإفرازات التي تركتها الحرب الأمريكية على العراق تأسيس واقع جديد لميزان القوى، يميل مرحليا إلى حد ما لصالح دول مجلس التعاون الخليجي مقارنة بالعراق، إلا أنه على الجانب الآخر يبرز إيران كقوة إقليمية في المنطقة مقارنة بالعراق من جانب ودول المجلس من جانب آخر.
معادلة أمنية والأمر الذي لا شك فيه أن هذه المعادلة الأمنية المختلة قد لا تحقق الأمن والاستقرار في المنطقة، لأنه لا يمكن تصور الأمن الإقليمي بعراق من دون جيش وطني إلى جانب أن إيران تمتلك جيشا قوامه أكثر من 500 ألف جندي يملكون خبرات قتالية واسعة ومجهزين بأسلحة تقليدية وغير تقليدية.
وقد ظهرت تداعيات هذا الاختلال في ميزان القوى متمثلة في المحاولات الإيرانية لفرض رؤاها الأمنية على دول المنطقة، سواء في سعيها إلى تكريس احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، أو في تأكيدها على أنها القوة الأولى في الخليج وأنها الأحق بصياغة الترتيبات الأمنية فيه أو أن تكون صاحبة دور رئيسي في هذه الترتيبات.
ولا تتوانى إيران في بعث رسائل لجيرانها من دول الخليج حول هذا المعنى، من خلال المناورات والتدريبات العسكرية والبحرية التي تجريها من حين لآخر، فعقب انتهاء البيان الختامي لقمة المنامة والذي طالب إيران بعدم التدخل في الشئون الداخلية لدول المجلس، بدأت قوات الحرس الثوري الإيراني تدريبات بحرية في الخليج في مضيق هرمز الذي يمر عبره ثلث النفط المصدر بحريا وذلك من أجل إظهار قدراتها البحرية.
وقال قائد القوات البحرية الأميرال حبيب الله سياري، إن السلاح البحري النظامي يبدأ اليوم الجمعة تدريبا أطلق عليه "ولاية 91" يستمر لمدة 6 أيام في مضيق هرمز وبحر عمان حتى المحيط الهندي، وأن غواصات وقطعا حربية ستشارك في هذه المناورات التي ستتيح أيضا للبحرية اختبار أنظمة صاروخية ودفاعية، إضافة إلى أساليب للدورية والاستطلاع.
كما ساهمت عوامل أخرى في إخفاق دول منطقة الخليج في التوصل إلى رؤية مشتركة واحتضان نظام أمني خليجي، بعضها يتعلق بعدم التوازن بين مصادر القوة المادية المتمثلة في النفط لدول المجلس، وبين مستوى قوتها العسكرية، وبين مصادر القوة والثروة لدول إقليمية أخرى في المنطقة في إشارة إلى إيران وباكستان والهند، حيث وقعت الأخيرة على عدة اتفاقيات عسكرية مع روسيا، فقد وقد وقع الطرفان يوم 24 ديسمبر الجاري على عقدين جديدين للتسلح، يتضمنان شراء الهند 71 مروحية من طراز (إم 17 في 5) بقيمة تصل 3ر1 مليار دولار أمريكي، وتزويد روسيا للهند بالمعدات اللازمة لتجميع 42 طائرة من طراز "سو خوي 30) بقيمة 6ر1 مليار دولار.
ومن بين العوامل أيضا ما يتعلق بمحدودية القاعدة الديموغرافية لدول المجلس، مما يحد من بناء قوات مسلحة قوية وفعالة، الأمر الذي فرض على دول المجلس خيارات صعبة، مثل الاستعانة بالقوى الخارجية، والبعض الآخر يتعلق دوما باستمرار تباين الرؤيتين الإيرانية والخليجية للأمن الإقليمي؛ حيث تريد إيران خليجا مغلقا على دوله في مجال الأمن، في حين يريد مجلس التعاون خليجا منفتحا على العالم ومرتبطا بالقوى الإقليمية والدولية.
الأمن الإقليمي كما أن بنية الأمن الإقليمي بعد حرب الخليج الثالثة، تعرضت لتغيير جوهري، بعد أن أصبحت الولاياتالمتحدة جارا إقليميا أو بالأحرى أحد أطراف النظام الإقليمي الخليجي، بل هي الطرف الأقوى القادر على صياغة أي ترتيبات أمنية، ودلالة ذلك التطور أنها أصبحت تتعامل مع قضية أمن الخليج باعتباره شأنا داخليا أمريكيا ومصلحة أمنية إستراتيجية.
وكل هذه العوامل وغيرها مثلت ضغوطا قوية مفروضة على قادة دول مجلس التعاون الخليجي من أجل إقرار الآلية المناسبة لتحقيق الأمن الذاتي لمنطقة الخليج.
غير أنه ثمة تحديات مؤجلة أمام إمكانية تطبيق فكرة القيادة العسكرية الخليجية الموحدة باعتبارها تمثل اختبارا قويا لحدود الدور الأمني لمجلس التعاون الخليجي.
ومن أبرز هذه التحديات المؤجلة المتوقعة، كيفية التوفيق بين الأمن الذاتي الخليجي وبين الاتفاقيات الأمنية الدفاعية الثنائية الموقعة مع الدول الكبرى مثل الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا، فضلا عن ارتباط 4 دول خليجية وهي الكويت والإمارات وقطر والبحرين بحوار استراتيجي مع حلف الناتو وذلك ضمن مبادرة اسطنبول عام 2004 وقد وضح خلال جولات الحوار دور الناتو في تحقيق الأمن في الخليج،الأمر الذي قد يخلق نوعا جديدا من التحالفات الأمنية في المنطقة، وتكون مرتكزة على الطرح الخليجي الجديد "الاتحاد الخليجي" المقرر بحثه في قمة خاصة قد تعقد بالرياض في وقت لاحق. مواد متعلقة: 1. اليمن يشارك في اجتماعات وزراء خارجية التعاون الخليجي غدا 2. قمة "المنامة" تناقش حماية الخليج من أخطار المفاعلات النووية 3. القمة الخليجية في المنامة تبحث التحول من التعاون إلى الاتحاد