يرى الفنان الدكتور سيد القماش أستاذ التصوير بكلية الفنون الجميلة بالمنيا أن الأعمال الفنية التي عرضت حتى الآن عن ثور 25 يناير لن يكون لها أثرها الفعال في تأكيد روعة الثورة لأنها شحنات سريعة، مؤكدا أن النقل من الصور الفوتوغرافية الصحفية لا يؤرخ للثورة . وهو يؤكد في حديثه ل"محيط" أن فن الثورة سيظهر لاحقا كما حدث بالفنون العالمية جميعا . ويتذكر القماش مقولة الشابي الشهيرة " إذا الشعب يوما أراد الحياة .. فلابد أن يستجيب القدر" وهو ما أكدته ثورة 25 يناير، وخاصة أنها استخدمت التكنولوجيا كسلاح جمع القوى الشعبية في بوتقة واحدة . والحروب والثورات الحديثة تننتهي بكسر أصنام المجتمع .
لقد ظهرت حركات فنية جديدة عقب الحرب العالمية الأولى 1914، وبعد الثورة البلشفية الروسية والمكسيكية المليئة بالحركات الشعبية الثورية، وفي حالة روسيا ظهرت اتجاهات للفردانية والتحرر من الرسم بالأساليب التقليدية، كما ظهرت حركة "الدادية" في مدينة "زيورخ" في ألمانيا، وطالبت بألا يصبح الفن واقعيا .
وقابلت نزعات الفن العالمية الحديثة قوى الرجعية التي واجهتها بالسخرية والسخط وسوء التفسير، وحدث ذلك مع الحركات الفنية التالية كالسريالية والمستقبلية والتعبيرية والتجريدية .
وتسببت الحرب العالمية الثانية في ظهور فنانين كبار كبريتون وشاغال وآرنست وموندريال وغيرهم، وكان لهم دور كبير في بعث التلقائية والتي تحوي أشكالا من أعماق اللاشعور عند الفنان، وبسبب تلك الحرب كانت نيويورك البديل لمدرسة باريس الفنية العالمية آنذاك.
أما عن الثورة المكسيكية ، قال القماش : ظهرت هنا موجة الفن الجداري، وعملت الثورة على إعادة صياغة الوضع الاجتماعي عام 1917، وكان من بين طلائعها عدد من الفنانين التشكيليين الحريصين على أن ينقلوا إلى رجل الشارع كل المعاني التي تتضمنها رسالة الثورة، مرسومة بكل دقة في الآداء والتمكن من التعبير . وقد تواجدت تلك الجداريات في أماكن تجمعات العمال والطلبة وفي المصانع، المدارس، الجامعات، قصور الفن والثقافة، بعكس الأعمال التي نتجت عن ثورة يناير المصرية، فكانت ركيكة لا تعبر عن حقيقة الثورة، ولا تعبر عن فلسفتها الحقيقية، وكانت أقرب للصور الفوتوغرافية الصحفية ، ولذلك فهي لن تترك أثرا في حركة الفن أو المجتمع .
ولو نظرنا لثورة يوليو، سنرى أثرها على الفن المصري ، من خلال أعمال هامة نشاهدها فيما قدمه مثلا الفنانون المصريون عبدالهادي الجزار وفتحي أحمد وأحمد نوار وحامد عويس، حامد ندا، الفنان جمال السجيني، عباس شهدي، زكريا الزيني، والفنان محمد طه حسين، وعدد كبير ممن تناولوا حروب 1948، وخروج الملك 1952، والعدوان الثلاثي 1956، وهزيمة 1967 ، ونصر1973.
وعالميا لدينا أعمال الفنان الفرنسي ديلاكورا مثل معركة "نيدوزا"، وقد تم تنفيذ هذا العمل على مدى أكثر من 10 سنوات للتأكيد على معنى الحروب والانكسار والهزيمة. ولوحة "الجرنيكا" لبيكاسو والتي تعبر عن ضرب مدينة الجرنيكا بالقنابل ومحوها تماما، وقد قام بيكاسو بعمل مئات الدراسات وتم تنفيذها بعد حرب الجرنيكا بأكثر من 15 عاما، وتعتبر هذه اللوحة وثيقة تدين الحروب والاستعمار والقتل والاستغلال، وتوجد الآن في متحف "البرادو" في مدريد.
ولوحة أخرى لبيكاسو عن حرب "كوريا"، تلك الجدارية تم عمل مئات من الاسكتشات والرسوم على مدى سنوات متعددة، وتم تنفيذ اللوحة فيما لا يقل عن خمس أعوام كاملة، وتعتبر وثيقة خطيرة ضد الحرب على كوريا في تلك الفترة من الحرب العالمية.
يواصل القماش: هذه نماذج توضح أن العمل الفني الإبداعي الحقيقي لابد أن يتم اختزانة داخل الفنان ليصبح جزءا من حياته وحياة الأمة والثورة التي يعبر عنها، فهي ليست صورة فوتوغرافية أو لقطة تعبيرية أو حالة مؤقتة، ولكنها أعمال تؤرخ لثورة قومية بكاملها، ولابد أن ينقل الإنسان ما بوجدانه وليس ما نقله الآخرون .