توقع الكثيرون بأن ثورات الربيع العربي في مصر وتونس ستؤتي أكلها ويستفيد منها المواطنون بعد معاناة شديدة في الفترات السابقة، بيد أن المشكلات السياسية والاقتصادية تفاقمت بعد وصول الإسلاميون لسدة الحكم، فتعيش تونس نفس الظروف الصعبة التي تعيشها رفيقتها مصر.. فما هي الأسباب خلف تفاقم تلك المشكلات الاقتصادية والسياسية؟ وهل توجد حلول من أجل تقدمهما إلى الأمام؟ بداية سيئة يتفق عددٌ من المحللين على أن آليات المرحلة الانتقالية والطبيعة الفكرية للإخوان المصريين، وحركة «النهضة» الإسلامية التونسية، كانت من ضمن الأسباب التي أدت إلى تأخر المشهد في الدولتين حتى الآن.
فبعد تولي الجيش المصري إدارة المرحلة الانتقالية في مصر وتولي رئيس مجلس النواب في تونس توقع البعض بأن تنتقل المرحلة الانتقالية بسرعة من أجل إتمام كافة المؤسسات، ولكن لغياب الرؤية الواضحة وضعف الخبرة للمؤسسة العسكرية في مصر، اتسمت المرحلة الانتقالية بالطول الزمني وغابت فيها الترتيبات القانونية والسياسية والتي ظل المصريون يعانون منها حتى الآن . أما تونس فعملت على بناء التوافق بين القوى السياسية ولكنها تأخرت هي الأخرى في بناء مؤسساتها أيضاً. ومن ثم شهدت مصر وتونس حالة من الارتباك الشديد في بناء نظامهما السياسي والقانوني.
طريق صعب وبإنهاء الفترة الانتقالية، وتولي حركة «النهضة» المسئولية في تونس ، وتولي جماعة الإخوان المسلمين الحكم في مصر، ظن البعض أن الطريق الصعب سوف ينتهي ويتقدم المجتمعان اقتصادياً وسياسياً، إلا أن هذا لم يحدث! فاتجه «الإخوان» إلى التفرد وإرضاء السلفيين عن يمينهم على حد قول البعض، وبذلك سيطر «الإخوان» على رئاسة الجمهورية والبرلمان والحكومة واللجنة التأسيسية للدستور، في حين اتجهت حركة النهضة للشراكة مع القوميين واليساريين الليبراليين، ورغم ذلك تزايدت الأصوات المعارضة في وجه حركة النهضة وبخاصة بعد مقتل المعارض شكري بلعيد واتهام البعض لحركة النهضة باغتياله. ولذا؛ توحدت القوى السياسية المعارضة ضد الإخوان المسلمين في مصر بالإضافة إلى توحد المعارضة التونسية أيضاً ضد الأغلبية في تونس على ما يقومون به من سياسات وتوجهات.
توغل علماني وتسارعت الأحداث في تونس بشكل كبير بعد اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد، واختلطت الأمور في الشارع السياسي، وأصبحت البلاد مهددة بالدخول في موجة من العنف والقتل والتخريب، وبخاصة بعد تواجد صدام بين الأحزاب والتكوينات السياسية والثقافية والفكرية الليبرالية بينها وبين التيارات الدينية، ويرجع ذلك إلى طبيعة الشعب التونسي وتوغل العلمانية منذ زمن مضى، مما تسبب في توجيه انتقادات عنيفة من الأحزاب والتكوينات السياسية التونسية لحركة النهضة، بعد أن أصبحت في سدة الحكم.
وتزايدت ردود الأفعال الغاضبة ضد حركة النهضة وحزبها، متمثلة في قيام المظاهرات المنددة بحركة النهضة وبالإسلاميين جميعاً، ولجوء البعض إلى إحراق بعض مقار الحركة. ومثلما يحدث في تونس يحدث أيضاً في مصر، فمنذ تولى جماعة الإخوان المسلمين الحكم وقيامهم ببعض الأخطاء السياسية والقانونية، وتزايدت ساحة الخلاف حول وضع الترتيبات لبناء الدولة؛ الأمر الذي أدى إلى رفض القوى المعارضة لإجراءات النظام، وهو ما دفعها إلى اتباع أساليب إعلامية وقانونية وشعبية مناهضة لحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين.
شهادة ميلاد وتوالت هذه الآثار على الاقتصاد، سواء في مصر وتونس، ففي الوقت الذي ترى فيه حركة النهضة وحزبها الحاكم أن الاقتراض يشكل السبيل الوحيد لدفع عجلة الاقتصاد الوطني التونسي، خاصة أن مستوى الادخار في تونس لا يزال ضعيفاً جداً، وأن تونس بإمكانها التحكم في معدل المديونية، الذي يبلغ حالياً 47% من إجمالي الناتج المحلي.
وتعتبر المعارضة القرض الذي تقدمت الحكومة للحصول عليه من صندوق النقد الدولي -والذي تبلغ قيمته 1.74 مليار دولار- يشكّل خطراً جسيماً على الاقتصاد التونسي الذي يعاني أصلاً من أزمات متعددة. ولذا؛ رفضت المعارضة هذا القرض، وحذرت من شروطه وتداعياتها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة على القدرة الشرائية للمواطن التونسي التي تدهورت بشكل لافت خلال الأشهر الماضية، فيما تسعى الحكومة المؤقتة التي تقودها حركة النهضة الإسلامية إلى التحذير من تسييس هذا الموضوع ومغالطة الرأي العام بشأنه.
وهو ما حدث في مصر أيضاً، ففي الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة المصرية على أن قرض صندوق النقد الدولي يمثّل شهادة ميلاد للاقتصاد المصري، إلا أن المعارضة المصرية ترفضه أيضاً لنفس الأسباب التي ذكرتها المعارضة التونسية.
وقد نتج عن الخلاف السياسي بين المعارضة والنظامين التونسي والمصري نتائج سلبية، حيث تعمقت الأزمة السياسية في الدولتين؛ بسبب عدم التوصل إلى تسوية بين حزب النهضة وحزب الحرية والعدالة مع المعارضة، فاستمر المشهد الاقتصادي في غاية التعقيد.
والسؤال هنا: هل يتلازم الفريقان في العودة إلى الوراء أم سينجح فريق دون الآخر بالتقدم إلى الأمام، أم سيتلازم الفريقان معاً من أجل تحقيق آمال وتطلعات المواطنين ؟
تلك التساؤلات ترتبط بحد كبير بمدى إنهاء حالة الخلافات السياسية بين القوى المختلفة والاتفاق فيما بينهم حول قواعد اللعبة السياسية المشتركة لتحقيق آمال وطموحات الشعبين التونسي والمصري.