"الله خلق النور في هذا اليوم الذي ظهرت الشمس خلاله"... تعدّ هذه المقولة إحدى الروايات والأساطير التي يعتقد بها الإيرانيون القدماء، فيظنون بأن الله خلق النور في هذا اليوم، وأن أرواح أسلافهم وأمواتهم تعود إلى الدنيا فيه. ألا وهو يوم الاحتفال بعيد النيروز، والذي تم الاعتراف به من قبل الأممالمتحدة في 10 مايو 2010، بوصفه يوماً عالمياً يحتفل به أكثر من 300 مليون شخص في العالم. فيحتفل الإيرانيون وشعوب كل من "أفغانستان"، و"طاجيكستان"، و"أذربيجان"، و"كازاخستان"، و"أوزبكستان" وأجزاء من "تركيا"، إضافة إلى مناطق الأكراد في "العراق" و"سوريا" والعالم، بأعيادِ النيروز ويطلقون عليه أيضاً عيد الربيع، وتظهر خلال الاحتفالات مجموعة من الطقوس والعادات الغريبة التي يقوم بها العرب والمسلمون. طقوس غريبة: وبالرغم من الوضع الاقتصادي المتدهور الذي تشهده تلك الدول، إلا أن ذلك لم يمنعها من التسوّق والاحتفال بالعيد، فرغم فقدان الريال الإيراني أكثر من 50 % من قيمته، وارتفاع أسعار السلع والخدمات، إلا أن الإيرانيين يحرصون بشكل كبير على الاحتفال بهذا العيد، بل ويمارسون الطقوس الخاصة بهم، ومنها إعداد مائدةٍ تضم سبعة أنواع من الأطعمة تبدأ جميعها بحرفِ السين باللغة الفارسية، مثل سبزي (الخضار)، وسيب (التفاح)، وسير (الثوم)، وسكة (قطعة نقد معدنية)، وسركة (خل)، وسمنو (بعض الحبوب مثل الذرة والقمح أو الرز). ويسمون هذه المائدة «هفت سين»، أي مائدة ذات سبع سينات، وترمزُ لأمنياتهم وهم يستقبلون عامهم الجديد.
تبادل التبريكات: وعلى امتداد التاريخ الفارسي، كانت العائلة الإيرانية تجتمع حول مائدة "السينات" السبعة، لاستقبال العام الجديد بتلاوة آيات القرآن الكريم، وما إن تدخل السنة الفارسية الجديدة، حتى يبدأ أفراد الأسرة بتبادل التبريكات فيما بينهم، ويقوم كبار الأسرة بتقديم "العيدية" (أي هدايا العيد)، والتي هي عبارة عن أوراق نقدية جديدة ترمز للمحبة والعطاء، في موروث تاريخي ينتهجه الإيرانيون يمتد لقرون عديدة. ويشتركون مع العرب في مظاهر الاحتفال بالعيد مع اختلاف المسميات من دولة إلى أخرى، فيطلق الفرس اسم «خانه تكاني»، على مسألة تنظيف المنازل وإعادة ترتيب الوسائل والأغراض وغسل السجاد والستائر، وهو ما يتواجد أيضاً في احتفالات العرب والمسلمين السنَّة في بلادهم مع اختلاف المسميات. الانتصار والخلاص: أما بالنسبة للأكراد في "العراق"، فاستقبلته بالأغاني الفلكلورية، وتجمع المواطنون في الساحات والشوارع العامة في مدن "أربيل" و"السليمانية" و"دهوك" للمشاركة في الاحتفالات بعيد النيروز، وسط دعوات المحتفلين بنشر السلام في البلاد. وفي "السليمانية" اكتظ شارع "سالم" الذي يمر في وسط المدينة بالمواطنين المحتفلين، وبملابسهم الكردية الزاهية الألوان، فأقيمت حلقات الرقص والأغاني والدبكات الكردية. ويُعبر هذا العيد عن تجدد الحياة في ثقافات عدد من الشعوب الآسيوية، إلا أنه يحمل لدى الكرد بعداً قومياً إضافياً مرتبطاً بقضية التحرر من الظلم، وفق الأسطورة التي تشير إلى أن إشعال النار يعتبر رمزاً للانتصار، والخلاص من الظلم الذي كان مصدره أحد الحكام المتجبرين. ومن ناحية أخرى، أحيا الكثير من أتباع الطرق الصوفية في إقليم "كوسوفو"، اليوم الأول من النيروز المصادف للواحد والعشرين من شهر مارس، ويقولون: إنه يصادف أيضاً مولد الإمام عليّ. وفي "أذربيجان"، لا تقتصر الاحتفالات بهذا العيد على يوم واحد، وإنما هي فترة طويلة من الاحتفالات، تبدأ من الأسابيع الأربعة التي تسبق العيد حتى بعد انتهاء العيد بفترة، وتُعد البقلاوة من أشهر الحلويات التقليدية التي تقدم في هذه المناسبة. كما تعتبر النار المظهر الأساسي للاحتفال، ففي القرى والمدن يحتفل الناس بها عبر القفز فوقها، من أجل حل مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية، فيعتقدون أن القفز فوق النار بمثابة قفز على كافة المشاكل. وتتعطل معظم الجهات الحكومية والأهلية طيلة فترة العيد، في عدد من البلدان التي تهتم بالاحتفالات وتعتبره عيداً قومياً.