يأتي إعلان اتحاد قوى المقاومة في "تشاد" عن استئناف النضال المسلح ضد الرئيس "إدريس ديبي" مرة أخرى، كالصدمة التي تعكر صفو احتفال الحكومة التشادية بذكرى الاحتفال بالعيد الوطني للجيش التشادي. وبخاصة بعد تزايد حركات التمرد في "تشاد" بطياتها المختلفة، مثل: اتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية بزعامة الجنرال "نوري"، وتجمع القوى من أجل التغيير برئاسة "تيمان أرديمي"، واتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية الأساسي برئاسة "عبد الواحد أبو ماكايي"، وقد عانت هذه الحركات من انقسامات بينها، وهو ما مثل نقطة ضعف كبيرة لفترة طويلة، وأقر المسئولون في الحركات الثلاث أن عدم وجود مسئول واحد على رأس المتمردين، كان أحد أسباب فشل المتمردين في الإطاحة بنظام "ديبي" وقتها. ولكن بعد إعلان قيادتها عن إمكانية انضمام جميع الحركات في تيار واحد، تثار التساؤلات حول إمكانية الانقلاب على الحكم، واستمرار الصراع المسلح في الوقت الحالي.
مرض مزمن إن الصراع المسلح مرض مزمن لازم "تشاد" طويلاً، ويتجدد ويشتد في ظل الأوضاع الإقليمية الساخنة التي تتأثر بالوضع التشادي وتؤثر فيه. ويرجع التمرد والعنف إلى كثرة المجموعات الإثنية واللغات واللهجات والأديان، فيضم التركيب العرقي - الإثني نحو (200) فئة إثنية تقريباً، يمكن تصنيفها في ثلاث مجموعات هي: "مجموعة السار": وهم يتحدثون لغات سودانية وسطى، تنتمي إلى العائلة اللغوية النيلية - الصحراوية، وهم من العنصر الزنجي، وتنتشر بينهم عادة تعدد الزوجات، و"مجموعة قبائل النطاق المداري شبه الجاف" وتضم أقواماً كثيرة من أصول مختلفة محلية أفريقية ووافدة، ومن أقوام هذه المجموعة قبائل البولالا والكوكا والميدوغو من السكان المستقرين، بالإضافة إلى "مجموعة التوبو (الكرى - الدازا)"، وأفرادها من أصول نيلية - سوداء، وتؤلف نحو (2)٪ من مجموع سكان البلاد بحر الغزال.
ويتضح من ذلك مدى الاختلاف الكبير بين الشعب التشادي، والذي ساهم في انتشار أعمال العنف والتمرد. كما أرجع البعض أعمال العنف والتمرد إلى طبيعة الحدود الجغرافية، وخاصة في ظل مجاورة "تشاد" لست دول، فتحدها من الشمال "ليبيا"، ومن الشرق "السودان"، وفي الجنوب "جمهورية أفريقيا الوسطى"، و"الكاميرون" و"نيجيريا" في الجنوب الغربي، و"النيجر" في الغرب. وهو ما يعرضها إلى دخول عدد من الجماعات الإرهابية والمتمردة، وتهريب بعض الأسلحة والذخائر إليها.
ويكمن الاختلاف بين نظام "ديبي" وحركات التمرد في قدوم "ديبي" إلى السلطة بانقلاب، دون أن يحقق إنجازات تذكر في مجال الإصلاح الداخلي والخارجي، بل ساهم في استغلال الجيش في معارك متفرقة على حسب ما تشير إليه حركات التمرد.
مُهدد بالإطاحة ومثل حرص اتحاد قوى المقاومة - الذي أسسته في "السودان" فصائل تشادية متمردة كانت متناحرة - على الوحدة من أجل الإطاحة بنظام الرئيس التشادي "إدريس دببي"، أحد الظواهر التي تطرح نفسها وبقوة على الساحة التشادية، وباتت تهدد وجود "دببي" في سدة الحكم، ولا سيما بعد إعلان أحد قادتها بأن "المصلحة المشتركة" باتت تشكل الأولوية في اتحاد قوى المقاومة، بالإضافة إلى تعزيز الأسلحة والذخائر إلى جانب صواريخ أرض جو، وشدد القائد ذاته على قدرتها على "إسقاط مروحيات" والتصدي لعنصر أساسي في المعارك، وهو سلاح جو الجيش التشادي.
وأعلن اتحاد قوى المقاومة عن وقوع اشتباك مع الجيش بين منطقتي تيسي وهاراز - نانغيه إلى جنوب جوز بيضا.
وأكد البيان أن المتمردين "دحروا" العسكريين واستولوا على (12) مركبة من مركباتهم، وقد تعقب متمردون الجنود إلى "أم تيمان".
في حين، دحض وزير الداخلية والأمن العام التشادي "أحمد محمد بشير" هذه التصريحات عبر وكالة "فرانس برس"، نافياً وقوع أية معارك على أرض الواقع. ومن جهة أخرى، أعلنت الحكومة التشادية تأييدها الرسمي لنشر قوة لحفظ السلام من الاتحاد الأوروبي (إيفور)؛ لحماية حدودها الشرقية مع إقليم "دارفور" غرب "السودان".
وصرح بيان لحكومة "إنجمينا" أن الحكومة التشادية تؤيد نشر القوات الأوروبية على أراضيها، وتأمل أن يساهم وجودها في تعزيز الأمن على الحدود مع "السودان". ويتهم "ديبي" "السودان" بدعم المتمردين التشاديين، وهددت بلاده مؤخراً بطرد لاجئي دارفور بدعوى أنهم يهددون استقرار المنطقة.
وتعد قوة حركات التمرد في التحكم في مجريات الأمور، وسيطرتها على الوضع في المناطق التي تسيطر عليها، من الأمور التي ستؤثر على فرص بقاء الرئيس "دببي".
أما في حالة دعم نظام "دببي" خارجياً، علاوة على قدرته على محاربة المتمردين بوسائل عدة، مع اعتبار أن تظل الانشقاقات بين حركات التمرد على حالها؛كل هذا سيدفع ببقاء "دببي" على السلطة، خاصة في ظل تمتعه بدعم غربي ومن "فرنسا" بالتحديد.