يبدو أن الأوضاع الغير مستقرة التي يشهدها عالمنا العربي جعلت بعض الرؤساء ينأون بأنفسهم عن الحكم ، وخاصة في الدول التي تقترب من انتخابات رئاسية مقبلة ، رغم أن هؤلاء الرؤساء ليسوا جدد على تولي المسئولية ، فهناك من تولى الرئاسة لثلاث فترات ملاحقة وهناك من تولى لاكثر من ذلك ، إلا أن الأحداث أحياناً تأتي بما لا تشتهي السفن. ففي الجزائر خرجت تظاهرات ضد غلاء المعيشة في خضم الربيع العربي، ما بين 5و9 يناير 2011، أسفرت عن 5 قتلى و800 جريح، تبعتها حركات احتجاجية للمطالبة بتوفير فرص العمل وزيادة الأجور وضمان مستقبل الشباب ، وبعد هذه الأحداث أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ، الذي يرأس الجزائر منذ عام 1999 ، حيث تم إعادة انتخابه في 9 أبريل 2009 لولاية ثالثة، وأجرى تعديلا دستوريا عام 2008، ألغى فيه تحديد عدد ولايات الرئيس.
وقبل بوتفليقة بأيام أعلن الرئيس السوداني أيضاً رغبته في اعتزال العمل السياسي من خلال عدم لولاية جديدة في الانتخابات القادمة في أبريل 2015 ، مؤكداً تمسكه بهذا القرار.
عدم الإطمئنان فبعد تحطيمه الرقم القياسي كأكثر رؤساء الجزائر مكوثا في الحكم منذ استقلال البلاد عام 1962، كشف مسئول برئاسة الجمهورية الجزائرية أن الرئيس بوتفليقة لا يرغب فى الإستمرار فى الحكم أو الترشح لولاية رئاسية رابعة فى 2014 لمدة خمس سنوات بسبب ما وصفه بأن أحوال الجزائر لا تبعث على الاطمئنان - على حد قوله .
ويأتي ذلك بعد أن تعهد الرئيس بوتفليقة يوم الثلاثاء الماضي بمحاربة الفساد في البلاد ومحاسبة المتورطين "قانونيا" في اختلاس المال العام مهما كان منصبه. وأكد الرئيس في رسالة وزعت بمناسبة الذكرى ال 51 لعيد النصر أن " القانون سيطبق وبكل جدية على كل من يسعى إلى الثراء على حساب المال العام وعلى حساب حق الشعب".
إلا أنه بعد حوالي ثلاثة أيام تم الاعلان عن عدم ترشحه للرئاسة في الانتخابات القادمة ، وقال مسئول الرئاسة فى تصريحات لصحيفة "الخبر" الجزائرية الصادرة صباح اليوم الأحد :"إن الرئيس بوتفليقة يعيش بمرارة المشاكل التي تعصف بالبلاد فلا يكاد يمر يوم واحد دون أن تأتيه أخبار سيئة" . مشيرا إلى أن " فضائح شركة سوناطراك عملاق صناعة النفط الحكومية فى البلاد المتوالية أثرت عليه كثيرا'' .
واستطرد قائلا ''لو تسأله الآن عن شعوره سيقول لك إنه لا يريد الاستمرار في الحكم ليس لأن لياقته البدنية وحالته الصحية لا تسمحان كما يشاع هنا وهناك ولكن لأن أحوال البلد لا تبعث على الاطمئنان''.
وردا على سؤال حول احتمال حدوث نفس سيناريو عام 2008 عندما أعلن بوتفليقة فى اللحظات الأخيرة رغبته فى الترشح لولاية ثالثة أعتبارا من 2009 وقيامه بتعديل التعديل الدستوري بعد أن كان الترشح قاصرا على فترتين فقط.قال مسئول الرئاسة " لو طلب منه الجزائريون الإستمرار والحوار في ذلك سوف يدرس الطلب ولكن الأمر يتوقف على مدى توفر مبررات قوية وموضوعية تدفعه إلى الموافقة غير أنني أؤكد لك أنه مكتف بثلاث عهدات " فترات".. هذه قناعة شخصية لديه''. ورفض المسئول الحديث عن ''انسحاب الرئيس من مناقشة القضايا العامة'' على خلفية تراجع نشاطه بشكل لافت فقال: ''ليس صحيحا أن الرئيس لا يشارك في النقاش أو أنه لا يتابع الشأن العام وقد لا يعرف الكثير أنه يستقبل يوميا وزيرا يبحث معه أوضاع قطاعه''.
وترى المعارضة أن فترة حكم بوتفليقة فاشلة كونها عرفت تضييقا غير مسبوق على الحريات واستشراء الفساد والرشوة في مفاصل الدولة إلى جانب فشله في وضع حد لتبعية الاقتصاد القومي لعائدات المحروقات بنسبة 98 بالمائة.
ثمانية رؤساء وتداول على الحكم في الجزائر منذ استقلالها عام 1962 ثمانية رؤساء بين مؤقت ومنتخب بداية بالرئيس الراحل أحمد بن بلة الذي وصل الحكم في سبتمبر/أيلول 1962 كأول رئيس للجمهورية الجزائرية المستقلة وتم إسقاطه في انقلاب عسكري في 19 يونيو/حزيران 1965 من قبل وزير دفاعه هواري بومدين (1932 1978) الذي حكم البلاد إلى غاية 27 ديسمبر / كانون الأول 1978 حيث توفي على إثر مرض غامض لم تكشف أسبابه.
وعادت الرئاسة في الجزائر بعد وفاة الراحل بومدين إلى رئيس البرلمان رابح بيطاط بشكل حتى 9 فبراير/ شباط 1979 حينما اختير الرئيس السابق الشاذلي بن جديد (1929- 2012) من قبل الحزب الواحد الحاكم جبهة التحرير الوطني والمؤسسة العسكرية ليحكم البلاد حتى 11 يناير/ كانون الثاني 1992 حينما أجبر على الاستقالة من قبل قادة الجيش بعد فوز الإسلاميين بالحكم وتدخل العسكر لإلغاء نتائج الانتخابات ودخلت البلاد بعدها في أزمة أمنية وسياسية.
وخلف الراحل الشاذلي في الرئاسة محمد بوضياف في 16 يناير/ كانون الثاني 1992 حتى 29 يونيو/حزيران 1992 حينما اغتيل بمدينة عنابة شرق الجزائر من قبل أحد حراسه الشخصيين خلال إلقائه خطابا أمام مسئولين.
واستعان المجلس الأعلى للدولة الذي كان يسير البلاد في ظل فراغ مؤسساتي آنذاك بالرئيس الأسبق علي كافي لقيادة البلاد في 2 يوليو/تموز 1992 حتى 31 يناير/ كانون الثاني 1994 حينما تمت الاستعانة باليامين زروال وهو جنرال في الجيش الجزائر لحكم البلاد في عز الأزمة الأمنية حيث مكث في الحكم إلى غاية نهاية 1998 أين أعلن استقالته وتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة وصل من خلالها الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم ابتداء من 27 أبريل 1999.
وكان الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين أكثر من مكث في كرسي الرئاسة، حيث تولى الحكم لمدة 13 سنة و 6 أشهر و8 أيام ، ولكن في الخامس من نوفمبر / تشرين الثاني 2012 يكون بوتفليقة قد حطم هذا الرقم حيث يصبح في رصيده 13 سنة و6 أشهر و9 أيام بالضبط كرئيس للبلاد.
واقتصاديا، تحولت الجزائر عام 1994 من نظام اقتصاد الدولة الاشتراكية إلى اقتصاد السوق بناء على توصيات صندوق النقد الدولي، وأدى هذا الانتقال إلى إغلاق أكثر من 1000 مؤسسة عامة تعاني من العجز. وتعتبر الجزائر ثاني مزود للغاز لأوروبا بعد روسيا، والمزود ال13 بالنفط.
دماء جديدة وإذا ما انتقلنا إلى الرئيس السوداني ، نجد انها ليست المرة التي يشير فيها إلى هذا القرار، حيث أعلن مرارا عدم رغبته في الترشح لدورة رئاسية جديدة ، وأكد البشير تمسكه بعدم الترشح في الانتخابات القادمة لرئاسة السودان عام 2015، معتبرا أن السودانيين يريدون دماء جديدة. وكشف البشير بحوار مع صحيفة "الشرق" القطرية نشرته صحف الخرطوم الأربعاء الماضي ، أن هناك مداولات تجري داخل حزبه "المؤتمر الوطني" الحاكم لكيفية تقديم مرشحهم بمنصب الرئاسة والذي سيكون بعد عامين (2015) حيث ستجري الانتخابات. وفي رده على سؤال بشأن ما إذا كان هناك إصرار على ترشيحه من قبل حزبه، قال البشير "لا.. كفاية.. نحن أمضينا كم وعشرين سنة، وهي أكثر من كافية في ظروف السودان، والناس يريدون دماء جديدة ودفعة جديدة كي تواصل المسيرة".
وكان البشير قد قاد انقلابا عسكريا على حكومة الأحزاب الديمقراطية برئاسة رئيس الوزراء الصادق المهدي وتولى البشير بعد الانقلاب منصب رئيس مجلس قيادة ثورة الانقاذ الوطني في 30 يونيو 1989، وجمع بين منصب رئيس الحكومة ومنصب رئيس الدولة الشرفي، وفي 26 أبريل 2010 أعيد انتخابه رئيسًا في أول "انتخابات تعددية" منذ استلامه للسلطة.
وتعرض البشير لكثير من الانتقادات والإتهامات من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية خلال السنوات السابقة، حيث أثارت فترة حكمه جدلا واسعا بسبب اشتراك مجندين تابعين لحكومته أو موالين لها في جرائم الحرب في البلاد سواء في دارفور أو في جنوب السودان. ويرى قياديون بحزب المؤتمر الوطنى الحاكم فى السودان ، أن نائب الرئيس السودانى على عثمان محمد طه ، هو الاقرب إلى خلافة الرئيس عمر البشير، فى الانتخابات المقبلة ،
ونقلت صحيفة "الصحافة" السودانية عن ابراهيم غندور رئيس العلاقات الخارجية بالحزب، قوله" إن على عثمان محمد طه ، هو الاقرب الى خلافة رئيس الجمهورية فى الترشح للانتخابات المقبلة ، بحكم ان طه ، ظل نائبا للرئيس لفترة طويلة ".
وأقر بوجود تحد في حالة البحث عن مرشح آخر يكون خليفة حقيقيا للبشير"، مشيرا الى ان القرار الاخير يعود للحزب في اختيار من يخلف البشير.
كما قال عضو المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني قطبي المهدي إن الحزب سيواجه أزمة كبيرة إذا لم يُعطَ موضوع ترشيح عمر البشير في الانتخابات القادمة أولوية، مبيناً أن القواعد تعتبر البشير أحد ضمانات الحزب نفسه.
وأشار قطبي إلى أن البشير يمتلك قدرات استثنائية في القيادة ويمثل المؤسسة العسكرية. وأكد أن غياب البشير عن الانتخابات القادمة سيكون له تأثير سالب في الحزب.مبيناً أنه طيلة الفترة الماضية وحتى هذه اللحظة لم يعط الحزب الأمر الأهمية المطلوبة. وطالب قطبي حزبه بأن يمنح نفسه الفترة الكافية للاستعداد لاحتمال غياب البشير عن الانتخابات المرتقبة خلال الفترة القادمة .
المعارضة تشكك ورغم إصرار البشير على ما أعلنه من موقف شخصي - يخضع لقرار الحزب- كما يقول مصدر بحزبه، لم تجد المعارضة السياسية غير التشكيك في الأمر برمته. فلم تفوت المعارضة فرصة التشكيك أولا والمطالبة برحيل النظام بكامله ثانيا. داعية إلى اقتران القول بالعمل. فحزب المؤتمر الشعبي المعارض يقول إنه تعود سماع مثل هذا الإعلان وتعود معه خروج مجموعات ممن أسماهم ببطانة السوء ترفض مثل هذا الطرح الذي قدمه رئيس المؤتمر الوطني.
وأضاف عبر أمينه السياسي كمال عمر عبد اللطيف "إن البشير من أطول الرؤساء عمرا في السلطة، وترتب على ذلك انفصال الجنوب واندلاع الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق مع معاناة الشعب السوداني اقتصاديا واجتماعيا".
ويرى عمر أن الأزمة ليست في بقاء البشير من عدمه وإنما في نظام حكم بأكمله، مشيرا إلى أن ترك البشير لرموز حزبه في السلطة من بعده "سيزيد من شدة أزمات السودان".
ويقول في تعليق ل"الجزيرة نت" إن في وجود البشير بدأ الصراع بين مؤيديه ومن يعتقد بضرورة ذهابه، فكيف يكون الحال بغيابه عن رئاسة الحكومة".
وأكد أن حل أزمة السودان "ليس في ذهاب البشير وحده وإنما في ذهاب نظامه بكامله"، وأضاف "ليست لنا ثقة فيما يقول رموز نظام الحكم فإنهم لم ينقذوا السودان وإنما قطعوه إربا إربا".
ورغم ارتفاع أصوات أصحاب المصالح المرتبطة ببقاء الرئيس البشير في السلطة إلا أن كثيراً من الدواعي والشواهد تصب في اتجاه التغيير.