يبدو أن لعنة الانتحار تطارد العناصر الأمنية في المغرب، حيث تكررت حالات الانتحار بين رجال الشرطة في الأونة الأخيرة لدرجة تحولها إلى ظاهرة مع تزايد تلك الحالات بشكل كبير . واللافت أن الانتحار في صفوف رجال الأمن تزامن مع الزيادة في الرواتب وفي التعويضات وفي إصلاح الترسانة القانونية الخاصة بهذه الفئة من الموظفين وفي تسريع وتيرة الترقية ، مما يجعل من المشروع التساؤل حول الدواعي التي تجعل الشرطي يصوب مسدسه ليس نحو المجرمين بل نحو نفسه لقتلها بدون موجب حق.
فمن المفترض أن تؤدي الإجراءات الأخيرة لرجال الأمن إلى تطبيع الجهاز الأمني مع محيطه وتوسيع مساحات الاطمئنان لدى البوليس إلا أن ما حدث هو العكس.
أسباب متعددة ويرى محللون أن هناك الكثير من الاسباب التي يلجأ بسببها رجال الأمن إلى الانتحار ومنها الاسباب النفسية أو العائلية ، أو بسبب طول ساعات العمل التي يشتغلها هؤلاء والتي تصل في بعض الحالات الى 18 ساعة في ظروف صعبة وربما يرجع إلى أسباب عاطفية كالحالات التي وقعت مؤخراً.
كما يرجع البعض ظاهرة الانتحار لدي امن المغرب لأسباب مادية قبل ان تكون نفسية ، حيث يتعلق الأمر في المستوى الأول بالأجر الذي يتقاضاه الشرطي المغربي والذي يعد السبب الأول في تفشي ظاهرة الانتحار.
فرغم أن أجور رجال الأمن أصبحت تتجاوز، ولو ببضع مئات من الدراهم، الحد الأدنى للأجور في المغرب فإنها مع ذلك مازالت تعتبر لدى عناصر هذه الفئة، التي تتحمل عناء السهر على أمن وسلامة الوطن والمواطنين، ضعيفة مقارنة مع ما يتقاضاه رجال الوظيفة العمومية في عدد من القطاعات.
فالنظام الأساسي لرجال الشرطة، والذي شُرع في العمل به في مارس 2010، أدخل دفئا كبيرا على جيوب عناصر الأمن بكل رتبهم، لكن حرارة الدفء كانت أكبر على جيوب ولاة الأمن الذين أصبحوا يتقاضون في ظل الزيادات المذكورة 33 ألف درهم، بعدما كان يتقاضون حوالي 17 ألف درهم، وكذلك المراقبين العامين الذين ارتفعت أجورهم لتصل إلى 22 ألف درهم بعدما كانوا يتلقون 12600 درهم، ثم عمداء الشرطة الممتازين الذين أصبحوا يتقاضون 15500 درهم، إذ خصهم النظام الجديد بزيادة قدرها 7 آلاف درهم.
أما رجال الأمن أصحاب الرتب الدنيا، والذين يتحملون عناء حفظ الأمن واستتبابه ويخاطرون بسلامتهم الجسدية وبأرواحهم في سبيل ضمان أمن الوطن، فنصيبهم من الزيادات لم يكن كبيرا. فحراس الأمن، مثلا، والذين كانوا يتقاضون 2966 درهما قبل دخول النظام الجديد حيز التطبيق أصبح راتبهم 4 آلاف درهم، أما مفتشو الشرطة فاستفادوا من زيادة قدرها 1256 درهما ليستقر أجرهم الشهري عند 4500 درهم.
وبالنسبة إلى رقباء الشرطة فإنهم استفادوا من زيادة تتراوح بين 1849 و1879 درهما، وفقا لمعايير تحددها الإدارة العامة للأمن الوطني. أما رجال الأمن المرتبين في خانة رقيب ممتاز فاستفادوا من زيادة تتراوح بين 1953 و2017 درهما. كما استفاد من الزيادات المذكورة ضباط الشرطة المرتبون في السلم 8 بزيادة تتراوح بين 2301 و2406 دراهم، في حين تراوحت الزيادة التي استفاد منها ضباط الشرطة الممتازون المدرجون في السلم 9 بين 2483 و2589 درهما.
ورغم تلك الزيادات إلا انه يبدو انها "لم تسمن ولا تغني من جوع" وخاصة مع ارتفاع الأسعار بشكل كبير جعلها تلتهم تلك الزيادة.
تهديد بنكيران وفي يناير الماضي وصلت المديرية العامة للأمن الوطني بمذكرة من رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، تتعلق بالتغيب الغير المشروع عن العمل، وعممت المذكرة على ولاة الأمن ورؤساء الأمن الجهوي والإقليمي ورؤساء المناطق الأمنية ومفوضيات الشرطة.
وحسب المذكرة التي وجهت نسخة منها إلى المفتشية العامة ومديرية الموارد البشرية التابعة لمديرية الأمن الوطني، فإن كل رجال الأمن بمختلف رتبهم في حال تغيبهم عن العمل، دون ترخيص مسبق، أو مبرر مقبول، يعد إخلالا بالواجب المهني.
وستتحرك المسطرة التأديبية ضدهم فضلا عن عقوبات واردة في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، وإضافة إلى تحريك المتابعة التأديبية في حق الأمنيين، تشير المذكرة إلى أن المتغيبين ستطبق في حقهم إجراءات الاقتطاع من الرواتب.
ووجهت المذكرة كما أوردت ذلك صحيفة "المساء" المغربية أوامر إلى الرؤساء المباشرين بالدوائر والمصالح الأمنية، قصد تفعيل المراقبة اليومية لحضور الموظفين في أماكن عملهم، وقت الدخول ووقت الانصراف.
رعاية نفسية وأدت حالات الانتحار المتكررة بغض النظر عن الأسباب ، إلى تزايد المَطالب بضرورة الرعاية النفسية للعاملين في قطاع الأمن من أجل وقايتهم من الضغوط النفسية التي قد يتعرضون لها بسبب كثرة وصعوبة المهام التي تُسنَد إليهم.
وقامت إدارة الأمن الوطني بالاستعانة مؤخرا بخبراء نفسيين لديها من اجل معرفة اسباب الانتحار في صفوف رجال الامن.
ويضم المغرب حوالي 75 ألف رجل أمن من مختلف الرتب والدرجات، من بينهم 55 ألف رجل أمن في الدارالبيضاء وحدها، وهي إحصائيات لا تلائم عدد سكان المغرب البالغ عددهم تقريباً 35 مليون شخص.
وخلال فبراير الماضي عاش عدد من رجال الأمن المغربي وخاصة بالدارالبيضاء ضغوطا اجتماعية ونفسية غير مسبوقة بفعل طول ساعات العمل خلال الزيارات الملكية، فقد
لدرجة أن زوجات بعضهم طالبنهم بالطلاق، ومنه من رفعت دعاوي طلاق الشقاق، كما قام رجل شرطة بالانتحار بعدما قام بإطلاق النار من سلاحه الوظيفي على رأسه، واضعا بذلك حدا لمعاناته مع المشاكل التي لم تنتهي. وعاش رجال الأمن بالدارالبيضاء أياما عصيبة للغاية بسبب الزيارة الملكية، افتقدوا فيها لأبسط ظروف العمل وحقوق الإنسان، حيت قضى أغلبهم أزيد من 12 ساعة بشكل يومي خارج منازلهم، مما تسبب لهم في مشاكل وخلافات عائلية، حيت تعاني نساء رجال الأمن من العيش في عزلة، وأبنائهم يفتقدون لحنان ورعاية الآباء جراء الغياب التام عن المنزل طيلة ساعات اليوم
ونقل موقع "العربية نت" عن الدكتور عبدالمجيد كمي الأخصائي النفسي بمدينة وجدة قوله :"إن الجانب النفسي يتم التركيز عليه لدى رجال الشرطة في الفترة التدريبية التي يقضونها في معهد التكوين بمدينة القنيطرة، ولكن ليست هناك مواكبة للصحة النفسية لرجال الأمن طيلة فترة مزاولتهم لمهنتهم، رغم أن هذه المواكبة والمتابعة ضرورية مثلها مثل المهن التي تتطلب ذلك".
ويشرح كمي أن مهن السلطة جميعها يتعين أن تواكبها رعاية نفسية دقيقة للمشتغلين فيها تماما مثل مهن أخرى، من قبيل مهنة المعلم أو الأستاذ الذي قد يمارس العنف أو يصاب بالاكتئاب من فرط الضغط النفسي الذي يتعرض له في عمله.
وأبرز الأخصائي أن هناك بالفعل نقصا كبيرا يُسجل في مجال الرعاية النفسية لرجال الأمن، مضيفا أن الرعاية أو المواكبة النفسية لا تعني بالضرورة أن الشرطي مريض نفسيا، بل هي وسيلة تتيح الوقاية من أية اختلالات قد تصيب نفسية رجل الأمن خلال ممارسته لمهنته.
وزاد الأخصائي ذاته أن رجل الأمن في المغرب عادة ما يخشى الذهاب إلى عيادة علاج نفسي لطب دعم لصحته النفسية، بسبب تخوفه من أن يتم سحب سلاحه الوظيفي منه مثلا بدعوى فقدانه للاتزان النفسي، أو معاقبته أو عدم ترقيته في أسلاك وظيفته، مما يعقد مساره المهني مستقبلا.
حالات متكررة وشهد العام الماضي 2012 الكثير من حالات الانتحار بين عناصر الأمن ، ومنها: - في يناير 2012 وضع رجل أمن بولاية أمن العيون حدا لحياته بعدما أطلق على نفسه رصاصة من مسدسه اخترقت جسده على مستوى القلب.
ورجح مصدر أمني أن تكون "مشاكل عائلية صرفة " وراء إقدام الهالك (ش. أ ) البالغ من العمر 35 سنة على الانتحار بمنزله بحي "خرسيتو" بمدينة العيون.
- وفي الدارالبيضاء قام رجل أمن من فرقة الصقور في مايو الماضي داخل شقته الكائنة برياض الألفة باستعمال سلاحه الوظيفي في الاقدام على الانتحار.
وأكد المصدر أن المعني بالأمر، الذي انتحر بإطلاق رصاصة في الرأس، ينتمي إلى الصقور، وأنه مزداد سنة 1981، ويقطن في شقة برياض الألفة الحي الحسني، كانت تربطه علاقة مع فتاة، مرجحا أن يكون تفجر مشاكل بينهما هو الدافع وراء إقدامه على فعلته.
وكشف مصدر موثوق أن الشرطي وضع المسدس فوق أذنه اليمنى، قبل أن يطلق الرصاصة، التي أودت بحياته. ولم يحسم رجال الأمن في الرواية المتداولة.
- كما أطلق شرطي بأمن آنفا بالدارالبيضاء في يوليو الماضي، رصاصة من مسدسه الوظيفي لتخترق قلبه أمام عيني زوجته التي حاولت إنقاذه بدون جدوى.
وكشفت مصادر صحفية أن الشرطي الذي يبلغ من العمر 54 سنة الذي ظهرت عليه اضطرابات نفسية في الآونة الأخيرة، تناول الغداء، بالطابق الأول بمنزله بحي سيدي الخدير رفقة زوجته وأبنائه الثلاثة، ونزل إلى الطابق الأرضي، فلحقت به زوجته حاملة بعض الفواكه، لتجده واقفا واضعا مسدسه ناحية قلبه.
- وأقدم شرطي في على الانتحار داخل مقر عمله في مدينة العرائش، حيث أطلق رصاصة مسدسه الوظيفي على رأسه، لأسباب يبدو أنها ترتبط بمشاكل أسرية ناجمة عن شروعه في إجراءات الطلاق بينه وبين زوجته.
- وشهد الأحد الماضي جريمة بشعة حيث قتل شرطي مغربي ثلاثة من زملائه في مدينة بلقصيري بالمغرب، فقد تسبب في مجزرة عندما أفرغ رصاص مسدسه الوظيفي، في ثلاثة رجال أمن من زملائه يعملون في مفوضية الشرطة بمدينة بلقصيري المغربية، قبل أن يقبض عليه أفراد الأمن مخافة أن يُجهز على آخرين.
وكان الشرطي حسن بلوطي قد لجأ إلى التصفية الجسدية لزملائه الثلاثة الذين كانوا يمنعونه من ملاقاة رئيسه حتى يهدئ من حالة الهيجان النفسي العارم التي سيطرت عليه لدوافع مهنية لم يتم الكشف عن خلفياتها بعد، فضلا عن ظروف اجتماعية صعبة كان يعيشها الجاني.
وقبل وقوع جريمة هذا الشرطي أقدم شرطي في 7 مارس الجاري من مدينة سطات على الانتحار باستعمال مسدسه الوظيفي داخل مقر عمله، تاركا رسالة يلتمس فيها الاهتمام بزوجته وبناته.
ليست ظاهرة ورغم الحالات التي ذكرناها سابقاً، يرى قال سعد الدين الذي يعمل رجل أمن في إحدى فِرق الصقور بالدارالبيضاء، في حديثه ل"العربية.نت" إن حادثة قتل شرطي بلقصيري لزملائه، أو حوادث الانتحار المُسجلة، لا تعدو أن تكون حالات متفرقة ومعزولة، ولا ترقى إلى حد الظاهرة التي تستدعي حلولا بحجم وقْع الظاهرة نفسها.
واستدرك سعد الدين بأنه حتى لا تتفاقم هذه الحالات مستقبلا ينبغي أن يرافق عملَ رجل الأمن في المغرب تأطير نفسي من خلال أخصائيين كلما ظهرت الحاجة إلى ذلك"، مشيرا إلى أن ظروف العمل الصعبة من حيث المسئوليات الجسمية الملقاة على عاتق رجل الأمن، وأيضا كثافة المهام والعمل تستوجب رعاية نفسية.
وأردف المتحدث بأن مهنة رجل الأمن غالبا ما تعتمد على الجانب البدني من حيث سلامة الجسد وصحته وخلوه من الأمراض وطول القامة وقوة البصر، غير أن الجانب النفسي يكون مُغيبا خلال مزاولة الشرطي لعمله، باستثناء عندما تقع حادثة خطيرة معينة فإنه يتم اللجوء حينها إلى معالجين نفسيين.