استحوذ الملف النفطي في لبنان على اهتمام غير مسبوق من جهة الدول الكبرى التي تتناوله من كافة جوانبه الاستثمارية والإستراتيجية، رغم انشغالها بالحرب الدائرة في سوريا والتطورات في الشرق الأوسط. و بات ملف النفط اللبناني متقدماً على طاولة هذه الدول، نظراً إلى موقع لبنان الاستراتيجي وخلافه الحدودي البحري مع إسرائيل، وما بدأ يتوافر لها من معلومات عن كميات الغاز والنفط المحتملة في المياه الإقليمية.
ويؤكد الخبير البريطاني "ديفيد رولانس" المدير التنفيذي لشركة "سبيكتروم جيو" البريطانية، أن الشركة التابع له عثرت على ما يجعل لبنان "أحد أكبر منتجي الغاز في شرق المتوسط" باكتشافها 25 تريليون قدم مكعبة تحت مياه إقليمية بالساحل الجنوبي مساحتها 3000 كيلومتر مربع.
وأوضح الخبير أن الكمية تعني أكثر من 707 مليارات متر مكعب، قيمتها حالياً 40 مليار دولار، وفق الأسعار التي راجعتها "العربية.نت" حالياً، وهي احتياطيات تزيد 3 مرات عما في الجارة سوريا كمقارنة، علماً بأن الخبراء يتوقعون للسعر أن يتضاعف مستقبلاً.
وقال رولاندس إن "جيوسبيكتروم" تقوم بمسح زلزالي في منطقة البقاع، بالشمال الشرقي للبنان، بحثاً عن مكامن برية للنفط والغاز، في وقت احتدم فيه التنافس بين 40 شركة عالمية للفوز بامتيازات البحث عن الثروتين حالياً في الماء، من أصل 120 أبدت اهتماماً، "وهذا تدافع كبير لم أرَ مثله منذ فتحت ليبيا في 2004 مجال البحث عن الغاز"، وفق ما نقلت عنه الوكالات.
وفي هذا السياق ، نقلت صحيفة "التايمز" البريطانية عن مالكولم غراهام- وود، وهو محلل لشؤون الطاقة في بنك "في.إس.إي كابيتال"، أن معظم الشركات النفطية تقوم بمناورات أحياناً حين تسعى للفوز بامتيازات البحث والتنقيب، لذلك قال: "أعتقد أنها "احتياطيات الغاز" أكثر بكثير من 25 تريليون قدم مكعبة، وللجميع اهتمام كبير بهذه الثروة في ذلك الموقع من العالم".
ويتوقعون أن تبدأ أول عملية تنقيب في 40 منطقة مائية بنهاية 2015 والإنتاج في العام الذي يليه، بحسب ما أعلن الشهر الماضي وزير المياه والطاقة اللبناني، جبران باسيل، مؤكداً أن بإمكان احتياطيات مكمن واحد من الغاز عُثر عليها في المياه الساحل الجنوبي توفير احتياجات محطات الكهرباء اللبنانية طوال 99 سنة، حسبما قال.
ديون لبنان
وعلى جانب أخر تؤكد دراسات أخرى أجرتها قبرص بالإضافة إلى عملياتها لاستكشاف والتنقيب التي بدأتها إسرائيل عن وجود حوض نفطي كبير يمتد حتى المياه الإقليمية والاقتصادية لسوريا مروراً بمياه قبرص فلبنان وصولاً إلى المياه الإقليمية والاقتصادية لفلسطين المحتلة.
وتعني هذه النتائج أن لبنان بات أمام تحد جدي حقيقي يفترض منه الإسراع في الخطوات الواجبة من أجل الإفادة والحصول على هذه الثروة الوطنية والحيوية من نفط وغاز والدفاع عنها أيضاً، لا سيما أن إسرائيل اندفعت بقوة إلى العمل، ويخشى أن تقوم بسرقة هذه الثروة بطرق مختلفة ، فضلا أن عمليات الاستكشاف والتنقيب التي يقوم بها تمتد إلى الحدود اللبنانية الجنوبية، ما يعني أن هناك احتمالاً قوياً بأن تكون قد بدأت بطريقة أو بأخرى باعتدائها على هذه الثروة اللبنانية. ونحو هذا الصدد ذكرت "العربية نت" أن الاحتياطيات من الغاز، الشبيهة لجهة الكمية لما لإسرائيل في سواحلها الشمالية، قد تكون أكبر مما في سواحل قبرص، طبقاً للتقارير التي طالعتها "العربية.نت" عنها وعن نظيرتها من النفط التي تؤكد أن قيمتها 100 مليار دولار، ويمكن تصدير 90 ألف برميل يومي منها بعد 7 أعوام على الأكثر، وطوال 20 سنة مقبلة؛ لأنها بحجم 640 مليون برميل تقريباً، منها 440 في المياه الإقليمية الشمالية وحدها ، عن تلك المنطقة المائية الشمالية، الواقعة عند حدود بحرية مع قبرص وسوريا، لكن في مياه لبنان الإقليمية، كتب الاستشاري الفرنسي، بيسيب فرانلاب، في تقرير رفعه الشهر الماضي لوزارة الطاقة والمياه اللبنانية، مؤكداً أن حساباته دلّت على وجود مكمن نفطي سائل فيها "قد يرفع الاحتياطيات من سائل الرأسمالية الأسود إلى 675 مليون برميل"، وفق ما كتب.
وذكر المستشار أن 15 تريليوناً من الأقدام الغازية المكعبة تغفو تحت الماء هناك أيضاً، وهو ما يرفع الاحتياطيات إلى 40 تريليون قدم، أي تقريباً تريليون متر مكعب، وبها وحدها يدخل لبنان نادي المصدّرين، وبها يسدّد ديونه فيرتاح ويريح.
لبنان منتج للنفط
وحول أنتاج لبنان للنفط ، قال خبير النفط والمتابع للملف النفطي في لبنان الدكتور ربيع ياغي: أن الملف النفطي في لبنان يعود إلى أواخر التسعينات حيث بدأت بعض الشركات ذات الخبرة بالمسح الجيولوجي الاهتمام بالمياه لإقليمية اللبنانية والسماح لها بإجراء المسح الجيولوجي في المياه اللبنانية مون هذه الشركات بمعظمها كانت تقوم بنفس العملية أيا لمسحا لجيولوجيل لمياها لقبرصية.
وكان أولها شركة "سبكتروم" التي أنجزت في العام 2002 مسحاً ثنائي الأبعاد في المياه الاقتصادية اللبنانية والمياه الإقليمية بمساحة تقدّر في حدود ألف وخمسمائة كيلومتر مربع.
وكانت النتيجة في ما بعد حسب ما تم تحليلها إيجابية وتدّل على وجود كميات كبيرة من "الهايدروكاربونز" أي يمكن أن تكون منا لنفط الخام أو الغازا لطبيعي وثلث شركة "سباكتروم" في العام 2005 الحكومة النروجية التي أبدت اهتماماً بمساعدة لبنان، عبر المنح النفطية التي تعطيها لدول العالم الثالث، أن تمنحه هبة عينية بأن تقوم الشركات النروجية بعمليات المسح الجيولوجي للمياه اللبنانية الإقليمية والاقتصادية والتي تقدر بمجملها بمساحة 22 ألف كيلومتراً مربعاً أي ضعف مساحةا لأراضي اللبنانية.
وأنجزت شركة P.G.S النروجية بين عامي 2006 و 2007 مسحاً ثلاثيا لأبعاد، وهو مسح متطور وأكثر دقة من المسح الثنائي الأبعاد، واتبعته بعملية مسح ثنائي الأبعاد في كامل المياه الإقليمية اللبنانية. وكانت النتائج التي تم الحصول عليها والتي أعلنتها الشركة المذكورة جداً إيجابية وواعدة.
استراتيجية غربية
وتبدي مراكز إستراتيجية غربية اهتماماً لافتاً ببحر لبنان وبالشركات التي تسعى إلى وضع أيديها على المخزون النفطي والغازي، ولا سيما أن هذه الشركات تتمتع بحضور بارز في السوق العالمية لاستثمارات النفط.
وكذلك يبدي عدد من السياسيين ورجال الأعمال اللبنانيين اهتماماً موازياً للدخول إلى هذا الحقل الاستثماري الكبير، الذي يفتح شهية الكثيرين على الحصول على حصة فيه، ويجعل التحدي كبيراً في تحييد هذا القطاع عن أي شبهات.
ويذكر أن وزير الطاقة جبران باسيل أكد خلال مناقشات مجلس الوزراء أن "المرسوم لا يسمح إلا للشركات الكبيرة والكبيرة فقط، التي تدخل في تحالفات مع شركات أجنبية كبيرة، ما يعني أنه لا مكان ل"حاملي الحقائب في هذه المناقصات التي ستكون حكراً على الشركات الكبرى المحترمة".
ووفقا لموقع " النشرة " اللبناني كانت وزارة الطاقة كشفت قبل نحو 3 أشهر عن وجود خمسة حقول غاز وافرة في شمال لبنان ومكمن نفطي سائل في المنطقة الشمالية، إضافة إلى أربع آبار ومخزون نفطي مرتفع في جنوب لبنان، قبل أن يطلق في 15 شباط بدء دورة التراخيص.
وتجدر الإشارة إلى أن المهلة المعطاة لشركات النفط لتقديم طلبات التأهيل للمناقصة المتعلقة بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية تنتهي في 28 مارس الجاري "بعد إقرار مجلس الوزراء البند المتعلق بشروط تأهيل الشركات في أوائل فبراير"، على أن تعلن في 18 نيسان أسماء الشركات المقبولة، لتنطلق المناقصة في 2مايو المقبل.
وما بدأ يتكشف من معلومات حول أسماء الشركات التي حصلت على ملفات المعلومات تمهيداً للمناقصات، يدل بوضوح على أن حجم الاهتمام يفوق ما كان متوقعاً، وأن الملف النفطي قابل لأن يصبح ككرة ثلج.
وهنا أهمية رصد الدول الغربية للشفافية في إدارة هذا القطاع، على غرار ما أكد وزير الطاقة في 15 فبراير عند إعلان بدء دورة التراخيص أنه "تم تحصين المناقصة وحمايتها من الشركات غير الجديرة وغير الخبيرة"، "ما من شأنه أن يعزز الثقة بطريقة إدارة لبنان لهذا الملف، وأن يطمئن الشركات الأجنبية التي كانت تخشى من مناقصة شكلية".
لا بد من الإشارة أولاً إلى أن لبنان باع حتى الآن معلومات إلى 29 شركة من 19 دولة، وبلغ ثمن هذه المعلومات حتى الأول من آذار الجاري ما قيمته 107.412 ملايين دولار، حصة لبنان منها 31.4 %، أي ما قيمته 33.772 مليون دولار، مع العلم بأن نحو 40 شركة حصلت عبر موقع الوزارة على الاستمارة الخاصة بالمناقصات.